لغتنا الجميلة
لغتنا الجميلة :
أنا البحرُ في أحشائه الدُّرُ كامنٌ … فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي
لغتنا العربية ، لغةٌ قومية تعبر عن الهوية ، وهي بشهادة المنصفين لغة ثرية ، لغةٌ باسلةٌ شريفةٌ قوية ، عباراتها سلسة طبيعية .
وهي منطقية في بنائها ، وعذوبتها ، وجمالها ، وكمالها ، وشموخها ، وهي تقف حصنًا منيعًا حافظًا لهوية أمتنا العربية .
وهي سيدة اللغات ؛ شرقية كانت أم غربية .
- قال الإمام الشافعي رحمه الله :
{ اللسان الذي اختاره الله عز وجل لسان العرب فأنزل به كتابه العزيز ، وجعله لسان خاتم أنبيائه محمد ، صلى الله عليه وسلم ، ولهذا نقول : ينبغي لكل أحد يقدر على تعلم العربية أن يتعلمها لأنها اللسان الأولى }.
وقال أيضًا : { ما جَهلَ الناسُ ولا اختلفوا إلا لتركهم لسان العرب ، وميلهم إلى لسان أرسطو طاليس }.
- خير الكلام : قال الله تعالى :
” إنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ “. [يوسف : 2]
” وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا “. [طه : 113]
” قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ “. [الزمر : 28]
” كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ “. [فصلت : 3]
” إنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ “. [الزخرف : 3]
” وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْـجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْـجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ “. [الشورى : 7]
” وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إنَّمَا يُعَلِّـمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْـحِدُونَ إلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ “. [النحل : 103]
” وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَانًا عَرَبِيًّا لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ “. [الأحقاف : 12]
” بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ “. [الشعراء : 195]
” وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ “. [فصلت : 44]
” وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلا وَاقٍ “. [الرعد : 37]
- قال الإمام الشافعي رحمه الله :
{ أقام الله سبحانه وتعالى حجته بأنَّ كتابه عربي في كل آية ذكرناها ثم أكد ذلك بأن نفى عنه ، جلَّ ثناؤه ، كل لسان غير لسان العرب في آيتين من كتابه }.
- حافظ وشوقي :
الكبيران في الشعر العربي الحديث ؛ شاعر النيل ، وأمير الشعراء ، وأجمل ما قيل عن اللغة العربية من أبيات من شعر بعض من نظموا أشعارًا للدفاع عن اللغة العربية .
وأشهر تلك القصائد ولا شك قصيدة شاعر النيل حافظ إبراهيم ، رحمه الله تعالى ، [ اللغة العربية تنعى حظها ].
التي يقول في مطلعها على لسان اللغة العربية :
رَجَعتُ لِنَفسي فَاتَّهَمتُ حَصاتي … وَنادَيتُ قَومي فَاحتَسَبتُ حَياتي
رَمَوني بِعُقمٍ في الشَبابِ وَلَيتَني … عقِمتُ فَلَم أَجزَع لِقَولِ عُداتي
وَلَدتُ وَلَمّا لَم أَجِد لِعَرائِسي … رِجالًا وَأَكفاءً وَأَدْتُ بَناتي
وَسِعْتُ كِتابَ اللَهِ لَفظًا وَغايَةً … وَما ضِقْتُ عَن آيٍ بِهِ وَعِظاتِ
فَكَيفَ أَضيقُ اليَومَ عَن وَصفِ آلَةٍ … وَتَنسيقِ أَسْماءٍ لِمُختَرَعاتِ
أَنا البَحرُ في أَحشائِهِ الدُرُّ كامِنٌ … فَهَل سَاءلوا الغَوّاصَ عَن صَدَفاتي
- ويختتم شاعر النيل القصيدة بهذه الأبيات :
إِلى مَعشَرِ الكُتّابِ وَالجَمعُ حافِلٌ … بَسَطتُ رَجائي بَعدَ بَسطِ شَكاتي
فَإِمّا حَياةٌ تَبعَثُ المَيْتَ في البِلَى … وَتُنبِتُ في تِلكَ الرُموسِ رُفاتي
وَإِمّا مَماتٌ لا قِيامَةَ بَعدَهُ … مَماتٌ لَعَمري لَم يُقَس بِمَماتِ
- ومن بعدها تأتي قصيدة أمير الشعراء أحمد شوقي التي يجلي فيها جمال اللغة العربية منشدًا :
إن الذي ملأ اللغات محاسنًا … جعل الجمال وسره في الضادِ
- ويراها خير رابط بين العرب قائلًا :
ويجمعنا إذا اختلفت بلاد … بيان غير مختلف ونطق
- ومما قيل في اللغة العربية أيضًا :
هام الفـؤاد بروضـك الريانِ … أسمى اللغات ربيبة القرآنِ
أنا لن أخاطب بالرطانة يعربًا … أو أستعير مترجمًا لبياني
أودعت فيك حشاشتي ومشاعري … ولأنت أمي والدي وكياني
لغة حباها الله حرفًا خالدًا … فتوضعت عبـقًا على الأكوانِ
وتلألأت بالضاد تشمخ عـزةً … وتسيل شهدًا في فم الأزمانِ
فاحذر أخي العربي من غـدر المدى … واغرس بذور الضاد في الوجدانِ
ندعوكم لقراءة : لغتنا وسط اللغات
- ابن تيمية وتلميذه :
كلاهما متيم بلغة القرآن الكريم ، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :
{ فإن اللسان العربي شعار الإسلام وأهله ، واللغات من أعظم شعائر الأمم التي بها يتميزون }.
ويقول أيضًا :
{ اعلم أن اعتياد اللغة يؤثر في العقل والخلق والدين تأثيرًا قويًّا بيِّنًا ، ويؤثر أيضًا في مشابهة صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين ، ومشابهتهم تزيد العقل والدين والخلق ، وأيضًا فإن نفس اللغة العربية من الدين ، ومعرفتها فرض واجب ، فإن فهم الكتاب والسنة فرض ، ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب }.
ويقول في الفتاوى : { وما زال السلف يكرهون تغيير شعائر العرب حتى في المعاملات وهو التكلم بغير العربية إلا لحاجة ، كما نص على ذلك مالك والشافعي وأحمد ، بل قال مالك : { من تكلم في مسجدنا بغير العربية أُخرج منه } ، مع أن سائر الألسن يجوز النطق بها لأصحابها ، ولكن سَوَّغُوها للحاجة ، وكرَّهوها لغير الحاجة ، ولحفظ شعائر الإسلام }.
وقال ابن القيم ، رحمه الله :
{ وإنما يعرف فضل القرآن مَنْ عرف كلام العرب ، فعرف علم اللغة وعلم العربية ، وعلم البيان ، ونظر في أشعار العرب وخطبها }.
- إنصاف بعض المستشرقين :
ومن أجمل ما قيل عن كمال اللغة العربية ما قاله المستشرق الفرنسي رينان :
{ من أغرب المُدْهِشات أن تنبتَ تلك اللغةُ القوميّةُ وتصل إلى درجة الكمال وسط الصحاري عند أمّةٍ من الرُحّل ، تلك اللغة التي فاقت أخواتها بكثرةِ مفرداتها ودقّةِ معانيها وحسنِ نظامِ مبانيها ، ولم يُعرف لها في كلّ أطوار حياتها طفولةٌ ولا شيخوخةٌ ، ولا نكاد نعلم من شأنها إلا فتوحاتها وانتصاراتها التي لا تُبارى ، ولا نعرف شبيهاً بهـذه اللغة التي ظهرت للباحثين كاملةً من غير تدرّج وبقيت حافظةً لكيانها من كلّ شائبة }.
وقال د. جورج سارتون : { ولغة القرآن على اعتبار أنها لغة العرب كانت بهذا التجديد كاملة ، وقد وهبها الله مرونة جعلتها قادرة على أن تدون الوحي الإلهي أحسن تدوين بجميع دقائق معانيه ولغاته ، وأن يعبر عنه بعبارات عليها طلاوة وفيها متانة ، وهكذا يساعد القرآن على رفع اللغة }.
ومن أجمل ما قيل عن جمال اللغة العربية ما قالته الألمانية زيفر هونكه :
{ كيف يستطيع الإنسان أن يُقاوم جمال هذه اللغة ومنطقها السليم ، وسحرها الفريد ؟! فجيران العرب أنفسهم في البلدان التي فتحوها سقطوا صَرْعَى سحر تلك اللغة }.