لا مبدل لكلمات الله

لا مبدل لكلمات الله :
كلام الله عز وجل لا يتغير ولا يتبدل ؛ فكلامه محكم ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم حميد .
ولا مبدّل لكلمات الله ؛ أي لا مغيِّر لكلمات الله ؛ وكلماته جل في علاه : ما أنـزل الله إلى نبيه محمد ﷺ ، من وعده إياه النصر على من خَالفه وضادّه ، والظفرَ على من تولّى عنه وأدبر .
يقول الله تبارك وتعالى لنبيه المصطفى ورسوله المجتبى :
( ولقد جاءك من نبإ المرسلين ) ؛ أي : من خبرهم كيف نُصِروا وأُيِّدوا على من كذبهم من قومهم ، فلك فيهم أسوة وبهم قدوة .
يقول الله الرب العلي ﷻ ، لحبيبه ومصطفاه النبي ﷺ :
« وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ ». (الأنعام : 34)
هذه تسلية للنبي محمد ﷺ وتعزية له من ربه ومولاه ، فيمن كَذَّبَهُ من قومه ، وأمْرٌ له بالصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ؛ وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ، على نبينا وعليهم الصلاة والسلام ، ووعْدٌ له بالنصر كما نَصَرَ إخوانه السابقين من المرسلين ، وكانت لهم العاقبة ، بعد ما نالهم من التكذيب من قومهم والأذى البليغ ، ثم جاءهم النصر في الدنيا ، كما لهم النصر في الآخرة .
( ولا مبدل لكلمات الله ) أي : التي كتبها بالنصر في الدنيا والآخرة لعباده المؤمنين ، كما قال : ( ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين * إنهم لهم المنصورون * وإن جندنا لهم الغالبون ) [ الصافات : 171-173 ].
وقال تعالى : ( كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز ) [ المجادلة : 21 ].
- التفسير الميسر للآية :
ولقد كذَّب الكفارُ رسلًا من قبلك أرسلهم الله تعالى إلى أممهم وأوذوا في سبيله ، فصبروا على ذلك ومضوا في دعوتهم وجهادهم حتى أتاهم نصر الله .
ولا مبدل لكلمات الله ، وهي ما أنزل على نبيه محمد ﷺ مِن وعده إياه بالنصر على مَن عاداه .
ولقد جاءك – أيها الرسول – مِن خبر مَن كان قبلك من الرسل ، وما تحقق لهم من نصر الله ، وما جرى على مكذبيهم من نقمة الله منهم وغضبه عليهم ، فلك فيمن تقدم من الرسل أسوة وقدوة .
وفي هذا تسلية للرسول ﷺ .
- مع الإمام السعدي رحمه الله تعالى :
( وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ) فاصبر كما صبروا ، تظفر كما ظفروا .
( وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ ) ما به يثبت فؤادك ، ويطمئن به قلبك .
ندعوكم لقراءة : ما عند الله باق
- التفسير الوسيط للقرآن الكريم : تأليف شيخ الأزهر الأستاذ الدكتور محمد سيد طنطاوي ( المتوفى : 1431هـ ) :
ويعتبر هذا التفسير من التفاسير الحديثة والقيِّمة لطلاب العلم والباحثين في تفسير القرآن العظيم بأسلوب منهجي سهل وعبارة مفهومة.
يقول الإمام الأكبر رحمه الله تعالى :
فالآية الكريمة مسوقة على سبيل الاستئناف لتسلية النبي ﷺ عما كان يصيبه من المشركين ومما لا شك فيه أنه- عليه الصلاة والسلام – كان حريصًا على إسلامهم ، فإذا ما رآهم معرضين عن دعوته حزن وأسف ، وفي معنى هذه الآية جاءت آيات كثيرة منها قوله – تبارك وتعالى – :
” فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفا ” عموم البلوى مما يخفف وقعها فقال : وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا .
أي : أن الرسل من قبلك – يا محمد – قد كذبتهم أقوامهم وأنزلت بهم الأذى ، فليس بدعًا أن يصيبك من أعدائك ما أصاب الأنبياء من قبلك ، ولقد صبر أولئك الأنبياء الكرام على التطاول والسفه فكانت نتيجة صبرهم أن آتاهم الله النصر والظفر ، فعليك – وأنت خاتمهم وإمامهم – أن تصبر كما صبروا حتى تنال ما نالوا من النصر ، فإن سنة الله لا تتخلف في أي زمان أو مكان .
وجاء قوله – تبارك وتعالى – وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ مؤكدًا بقد وباللام ، للإشارة إلى تأكيد التسلية والتعزية ، وإلى تأكيد التمسك بفضيلة الصبر التي سيعقبها النصر الذي وعد الله به الصابرين .
وما في قوله عَلى ما كُذِّبُوا مصدرية ، وَأُوذُوا معطوف على قوله كُذِّبَتْ أي : كذبت الرسل وأوذوا فصبروا على كل ذلك .
وقوله حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا غاية للصبر ، أي : صبروا على التكذيب وما قارنه من الإيذاء إلى أن جاءهم نصرنا وفيه بشارة للنبي صلى الله عليه وسلم مؤكدا للتسلية بأنه – سبحانه – سينصره على القوم الظالمين .
وقوله – تبارك وتعالى – وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ معناه : لا مغير لكلمات الله وآياته التي وعد فيها عباده الصالحين بالنصر على أعدائه ، ومن ذلك قوله – تبارك وتعالى – « كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ».
وقوله – تبارك وتعالى – وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ .
إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ .
وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ .
وقوله – تبارك وتعالى – إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ .
إلى غير ذلك من الآيات التي بشر فيها عباده المؤمنين بالفلاح وحسن العاقبة .
ويرى المحققون من العلماء أن المراد بكلمات الله : شرائعه ، وصفاته ، وأحكامه ، وسننه في كونه ، ويدخل فيها دخولًا أولياء ما وعد الله به أنبياءه وأولياءه من النصر والظفر .
وهذا الرأى أرجح من سابقه لأنه أعم وأشمل .
وإضافة الكلمات إليه – سبحانه – للإشعار باستحالة تبديلها أو تغييرها لأنه – سبحانه – لا يغالبه أحد في فعل من الأفعال ، ولا يقع منه خلف في قول من الأقوال ، فما دام المؤمنون يخلصون له العبادة والقول والعمل ويجتهدون في مباشرة الأسباب واتخاذ الوسائل النافعة ، فإنه – سبحانه – سيجعل العاقبة لهم .
وقوله – تبارك وتعالى – وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ تأكيد وتقرير لما قبله أي : ولقد جاءك من أخبار المرسلين وأنبائهم – مما قصه عليك في كتابه – ما فيه العظات والعبر ، فلقد صبر المرسلون على الأذى فكافأهم الله – تبارك وتعالى – على ذلك بالظفر على أعدائهم .