العجب العجاب

كن أغنى الناس

كن أغنى الناس :

يمكن للمؤمن عزيز النفس أن يكون أغنى الناس ؛ وذلك باستغنائه عن الناس ، وسؤاله رب الناس ، ملك الناس ، إله الناس .

عز المؤمن استغناؤه عن الغير ، وتوكله على الله كما يتوكل الطير ، تغدو خماصًا وتعود بطانا ؛ ولن يكون ذلك إلا إذا تعلق قلبه بالله ، فيبث له شكواه ، ويعرف كيف يطرق أبواب السماء ، ويعرف كيف يفتح أبواب السماء ، بالسؤال والدعاء ، والذل والمسكنة والبكاء .

الاسْتِغْنَاءُ لغةً : يُقال فيه : الغَنَاء ؛ مثل الاكتفاء ، وليس عنده غَنَاءٌ ؛ أي : ما يغْتنِي به يُقال : غَنيتُ بكذا عن غيره ، من باب ( تَعِبَ ) إذا استغنيتَ به .
( المصباح المنير ، ولسان العرب ، مادة : غنى ) .. والاستغناء مصدر من الفعل استغنى ، وهو يدلُّ على القَصْدِ والتَّعَمُّدِ .

والاسْتِغْنَاءُ اصْطِلاحًا : ذكر سيبويه عن العرب في هذا الشأن :
{ ويستغنون بالشَّيءِ عنْ الشَّيءِ الذي أصله في كلامِهِمْ أن يُستعمل حتَّى يصيرَ ساقطًا }.
( الكتاب لسيبويه : 1 / 25 ).

من العجب أن البعض قد تغره بعض النعم الظاهرة على البعض ، فيقارن نفسه بغيره .

كل إنسان له من الخفايا ما لا يعلمها إلا الله .

الناس جميعًا مبتلون ، ولكن نوع الابتلاء يختلف ، فلا تنظر إلى ما حُرِمتَ منه فى غيرك ، فربما عندك ماحُرِم هو منه وأنت لا تدرى ، فكم في الزوايا من خفايا .

فهذا ملياردير صاحب شركات ، دخل إحدى شركاته ذات يوم بسيارة فارهة ، فقال أحد عمال الشركة وهو جالس يأكل الفول والطعمية مع زملائه : هي دي العيشة ، ولّا بلاش .
نزل صاحب الشركة من سيارته ، فانفض الجمع ، فأمرهم أن يعودوا ، وسأل من قائل هذه الكلمات التي سمعها ، قال أحدهم : أنا يا باشا .
سأله الرجل بابتسامة : كم عندك من الأولاد ؟
قال الرجل : ولدان وبنتان .
قال له : بكم تبيع أحدهم ؟
قال : ولا بكنوز الدنيا .
قال له صاحب الشركة : إذًا ، أنت تملك كنوز الدنيا !
وأنا سافرت بلاد الأرض قاطبة ؛ وأنا أبحث عن علاج ؛ لأنجب ولدًا من صلبي ، ولم يقدر ربي ذلك .
وسأله : ماذا تأكل ؟
قال : كما ترى ، فول ، طعمية ، و ما إلى ذلك .
قال صاحب الشركة : أشم رائحة الطعمية التي تأكلها ، وأتمنى أن آكل قرصًا منها ولا أستطيع ؛ بسبب معدتي .
قال العامل : ياه ، يا بيه ، هي الدنيا كده ، الحمد لله .. الحمد لله .. الحمد لله .

ارضَ بما قسمه الله لك ؛ تكن أغنى الناس .

  • رضا الله هو الأهم :

قال الشيخ الشعراوي رحمه الله تعالى :
{ لا تحملوا هم الدنيا ؛ فإنها لله ، ولا تحملوا هم الرزق ؛ فإنه من الله ، ولا تحملوا هم المستقبل ؛ فإنه بيد الله .
فقط ، احملوا همًّا واحدًا : كيف ترضوا الله سبحانه وتعالى }.

  • العز في الاستغناء :

الاستغناء عن الناس عز ؛ فأنت ومالك الدنيا سواء ، فأنت لا تحتاج إلا إلى رب الأرض والسماء ، ولا تسأل أحدًا شيئًا من الأشياء ، فأنت إذًا من الأغنياء .

قال سيد الأنبياء ، صلوات ربي وسلامه عليه :
” أتاني جبريلٌ ، فقال : يا محمدٌ ! عشْ ما شئتَ فإنكَ ميتٌ ، وأحببْ منْ شئتَ فإنكَ مفارقُهُ ، واعملْ ما شئتَ فإنكَ مجزيٌّ بهِ ، واعلمْ أنْ شرفَ المؤمنِ قيامُهُ بالليلِ ، وعزَّهُ استغناؤهُ عنِ الناسِ “.
( حَسَّنه المنذري والألباني ).

ندعوكم لقراءة : قالوا عن القناعة

  • فلسفة الرافعي :

عن بلاغة الرافعي في الاستغناء حين قال :
{ وأنزلته من درجة أنه كلُّ الناس ، إلى منزلة أنه كـ كلِّ الناس }.

  • قصيدة عن الاستغناء :

لله در الإمام الشافعي القائل :

ما في المقامِ لذي عقلٍ وذي أدبِ … مِنْ رَاحَة فَدعِ الأَوْطَانَ واغْتَرِبِ

سافر تجد عوضًا عمَّن تفارقهُ … وَانْصِبْ فَإنَّ لَذِيذَ الْعَيْشِ فِي النَّصَبِ

إني رأيتُ وقوفَ الماء يفسدهُ … إِنْ سَاحَ طَابَ وَإنْ لَمْ يَجْرِ لَمْ يَطِبِ

والأسدُ لولا فراقُ الأرض ما افترست … والسَّهمُ لولا فراقُ القوسِ لم يصبِ

والشمسُ لو وقفت في الفلكِ دائمةً … لَمَلَّهَا النَّاسُ مِنْ عُجْمٍ وَمِنَ عَرَبِ

والتَّبْرَ كالتُّرْبَ مُلْقًى في أَمَاكِنِهِ … والعودُ في أرضه نوعٌ من الحطبِ

فإن تغرَّب هذا عزَّ مطلبهُ … وإنْ تَغَرَّبَ ذَاكَ عَزَّ كالذَّهَبِ

  • الله ثقتي ورجائي :

اللَّهُمَّ أَنْتَ ثِقَتِي فِي كُلِّ كُرْبَةٍ ، وَأَنْتَ رَجَائِي فِي كُلِّ شِدَّةٍ ، وَأَنْتَ لِي فِي كُلِّ أَمْرٍ نَزَلَ بِي ثِقَةٌ وَعُدَّةٌ ، كَمْ مِنْ كَرْبٍ يَضْعُفُ عَنْهُ الْفُؤَادُ ، وَتَقِلُّ فِيهِ الْحِيلَةُ ، وَيَخْذُلُ عَنْهُ الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ ، وَيَشْمَتُ بِهِ الْعَدُوُّ ، وَتَعْنِينِي فِيهِ الْأُمُورُ ، أَنْزَلْتُهُ بِكَ وَشَكَوْتُهُ إِلَيْكَ رَاغِبًا فِيهِ عَمَّنْ سِوَاكَ ، فَفَرَّجْتَهُ وَكَشَفْتَهُ وَكَفَيْتَنِيهِ ، فَأَنْتَ وَلِيُّ كُلِّ نِعْمَةٍ ، وَصَاحِبُ كُلِّ حَاجَةٍ ، وَمُنْتَهَى كُلِّ رَغْبَةٍ ، فَلَكَ الْحَمْدُ كَثِيرًا ، وَلَكَ الْمَنُّ فَاضِلًا .

  • وصية جبريل عليه السلام :

في الحديث الصحيح ، قال جبريل الأمين ، لنبينا محمد الصادق الأمين :
( واعلم أن عز المؤمن استغناؤه عن الناس ).

يقول الشيخ خالد الراشد حفظه الله :
{ معنى هذا أن يتعلق العبد بالله وحده لا شريك له ، كما جاء في حديث ابن عباس : ( إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ) ، فلا يقِّدم للمخلوق سؤالًا ، ولا يتقرب إلى المخلوق ؛ فقد عزه استغناؤه عن الغير ، فلا يحتاج إلا إلى الله تبارك وتعالى ، فتراه يأكل ويشرب من كده وتعبه وعرقه .
واعلم أن سؤال الناس مذلة ، وليس بعيب أن نعمل ، لكن العيب كل العيب أن نكون عالة على الآخرين ، فقد عمل الأنبياء ، وما من نبي إلا ورعى الغنم ، وعمل موسى عليه السلام حتى يعف نفسه ، وكان نبينا صلى الله عليه وسلم يرعى الغنم لأهل مكة ؛ حتى لا يحتاج إلى الآخرين ، وهكذا كان العلماء الربانيون يتكسبون كي يعفوا أنفسهم ، وكانوا لا يأخذون أعطيات ولا مداهنات الأمراء والوزراء ؛ حتى تكون الكلمة قوية ، وحتى يستطيعوا أن يصدعوا بالحق ، فالاستغناء عن الغير عزّ }.

  • علماء وأمراء :

دخل أحد الأمراء على عالم من العلماء وهو بين طلابه ، مادًّا رجليه متبسطًا بين طلابه ، فظن أنه بأُعطيته قد يستطيع أن يستحوذ على ذلك العالم ، فلما جاء لم يقم له العالم للسلام عليه ، بل سلَّم عليه وهو جالس ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك ، وهدي محمد أولى بالاتباع من مداهنة المخلوقين ، فظن ذلك الأمير أنه يستطيع أن يستحوذ على ذلك العالم بعطيته أو بماله ، فأرسل إليه من يعطيه آلافًا مؤلفة من الدنانير ، فقال العالم : ردها إليه ، وأخبره أن من مدّ رجليه لا يمد يديه !!

  • في الحرم المكي :

التقى أحد الأمراء مع أحد العلماء في بيت الله الحرام ، فأراد هذا الأمير أن يتقرب إلى هذا العالم فقال له : هل لك من حاجة نقضيها لك ؟
قال : والله ! إني لأستحي أن أسألك وأنا في بيته ، فتحين هذا الأمير خروج هذا العالم من بيت الله الحرام ، فلما التقاه في الخارج قال : والآن ألك حاجة نقضيها ؟
فقال العالم : أمن حوائج الدنيا هي أم من حوائج الآخرة ؟ قال : بل من حوائج الدنيا ، قال العالم : ما سألت الذي يملكها ، أأسألك أنت؟!!

  • استعن بالله فقط :

عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال : كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي :
” يا غلام إني أعلمك كلمات : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء ، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء ، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، رفعت الأقلام وجفت الصحف “.
( رواه الترمذي ، وقال : حديث حسن صحيح ).

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى