كثرة الذكر :
قال الملك جل في علاه :
« إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ». (الأحزاب : 35)
انظروا ماذا قال الملك ﷻ عندما ورد الذِّكر في الآية الكريمة ، قال عز من قائل :
” وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ… “.
لم تأتٌ كلمة : ” كثيرًا ” في الآية إلا مع الذاكرين والذاكرات .
لم يقل الملك عز من قائل : والمتصدقين كثيرًا ، أو الصائمين كثيرا ، إلى آخره .
فاذكروا الله قائمين وقاعدين ومضطجعين ؛ يرحمكم الله .
واللهِ كان لنا قريب وجار ، يرحمه الله ، لم أره في أي وقت إلا ذاكرًا لله ، لم يكن لسانه يفتر عن ذكر ربه ومولاه ، ومات على ذلك .
قال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى :
والذاكر قيل في أدبار الصلوات وغدوا وعشيا ، وفي المضاجع وعند الانتباه من النوم .
وقد تقدم هذا كله مفصلًا في مواضعه ، وما يترتب عليه من الفوائد والأحكام ، فأغنى عن الإعادة .
والحمد لله رب العالمين .
قال مجاهد : لا يكون ذاكرًا لله تعالى كثيرًا حتى يذكره قائمًا وجالسًا ومضطجعًا .
وقال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه : من أيقظ أهله بالليل وصليا أربع ركعات كُتبا من الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات .
قال الإمام عبد الرحمن السعدي رحمه الله :
” وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا والذَّاكِرَات ” ؛ أي : في أكثر الأوقات ، خصوصًا أوقات الأوراد المقيدة ، كالصباح والمساء ، وأدبار الصلوات المكتوبات .
** أثر الذكر الكثير :
ذكر الله تعالى من أهم العبادات التي أمر بها الله عز وجل المؤمنين ، وهي ذات تأثير كبير على حياتهم وعقائدهم ، حيث تساعد على تصحيح العقيدة وتقوية الإيمان .
كما تُساعد آيات الذكر على صفاء النفس وتهدئتها ، وتساعد على زيادة الرضا والقبول بالقضاء والقدر ، وتعمل على رفع الهموم والأحزان .
ويُعد ذكر الله من أهم وسائل تقوية العلاقة بين العبد وربه ، وهو سبب في دخول الجنة والفوز برضا الله تعالى .
** آداب الذكر :
وضع العلماء مجموعة من الآداب لذكر الله جل في علاه ؛ منها حضور القلب والخشوع أثناء الذكر ، وتجنب الالتفات والغفلة ، والابتعاد عن الرياء والمباهاة .
كما يُستحب ذكر الله تعالى في الأوقات الفاضلة ؛ مثل أوقات السحر ، وبعد الصلوات المفروضة ، وعند حلول المصائب والشدائد ، وعند دخول المسجد أو الخروج منه .
كما يُستحب أيضًا الذكر والتسبيح في مجالس العلم والذكر ، وفي الأماكن الطاهرة ، وبالصوت الجميل واللحن الحسن .
** أحسن إلى ولدك :
من أجمل ما قرأت :
إذا أردتَّ أن تحسن إلى ابنك إحسانًا كبيرًا يظل ينتفع به ما بقي ؛ فإن أعظم ما تقدمه له وهو صغير أن تذلِّل له سبيل حفظ القرآن والارتباط به ما أمكنه ذلك ، هذا المشروع بعد توفيق الله سيترك أثرًا على منطقه ونظره وإيمانه ولغته وخلقه وشأنه كلّه ، ثم سيفرح به بعد مماته .
والمعلوم عندنا أن القرآن الكريم هو أفضل الذكر .
** أذكار الصباح والمساء :
السُّنَّة النبوية المطهرة هي ما ورد عن النبي ﷺ من قول أو فعل أو تقرير .
ومن السنة الإتيان بأذكار الصباح والمساء ، وكان نبينا وحبيبنا محمد ﷺ يذكر الله على كل أحيانه ، كما أخرج الإمام مسلم في صحيحه ، كما أنه صلى الله عليه وسلم هو الذي أرشد إلى هذه الأذكار ، وبيَّنها ورغَّب فيها بأساليب متعددة ؛ مثل قوله ﷺ :
” من قال حين يصبح ، وحين يمسي : سبحان الله وبحمده ، مائة مرة ، لم يأتِ أحدٌ يوم القيامة بأفضل مما جاء به ، إلا أحدٌ قال مثل ما قال ، أو زاد عليه “. (متفق عليه)
فأكثروا من هذا الذكر ، وزيدوا عليه ؛ لتحصلوا على الأجر الكبير .
وهو يدل على أن التسبيح مائة مرة في الصباح ، ومائة مرة في المساء ، ولو زدنا على المائة لزاد الثواب بحسب الزيادة .
قال ابن علان في كتابه الطيب [ دليل الفالحين ] :
حين يصبح : أي : يدخل في الصباح الشرعي ، وحين يمسي : أي : يدخل في المساء .. ففيه إيماء إلى أن الاستكثار من هذا محبوب إلى الله تعالى ، وأنه ليس له حد لا يتجاوز عنه . اهـ. .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرح رياض الصالحين :
فينبغي للإنسان إذا أصبح أن يقول سبحان الله وبحمده ، مائة مرة ، وإذا أمسى أن يقول سبحان الله وبحمده ، مائة مرة ، وذلك ليحوز هذا الفضل الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم . اهـ. .
** أولو الألباب :
قال الله الملك الحق :
« إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ». (آل عمران : 190-191)
يقول الإمام ابن كثير عن أولي الألباب :
وصف الله تعالى أولي الألباب فقال : الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ .. أي لا يقطعون ذكره في جميع أحوالهم بسرائرهم وضمائرهم وألسنتهم ، ويتفكرون في خلق السموات والأرض : أي يفهمون ما فيهما من الحكم الدالة على عظمة الخالق وقدرته وعلمه وحكمته واختياره ورحمته . (انتهى .. مختصرًا)