قميص يوسف :
يقول الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز :
« وَجَاءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ ». (يوسف : 18)
لم يرد لفظ ( قميص ) في القرآن إلا ومقصود به قميص يوسف عليه السلام .
- قميصه عليه السلام :
جاء ” قميصه “ في الآية الكريمة السابقة من سورة يوسف ، وهي الآية رقم 18 .
ثم ورد ” قميصه “ أربع مرات ، في هذه الآيات ، قال رب الأرض والسموات :
« وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ * فَلَمَّا رَأَىٰ قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ». (يوسف : 25-28)
ويأتي قميص يوسف للمرة السادسة والأخيرة ؛ يقول الله تعالى على لسان يوسف عليه السلام :
« اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَٰذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ ». (يوسف : 93)
يقول الشيخ أحمد الصباغ ، من علماء الأزهر :
{ إن القميص هو ما يُلبَس ، وكان يُطلَق قديمًا على ما يشبه الجلباب }.
وأضاف أن كلمة ” القميص ” وردت في القرآن الكريم 6 مرات كلها تخص النبي يوسف عليه السلام ، موضحًا أن القميص في قصة سيدنا يوسف شهد أكثر من واقعة ، إذ شهد في البداية على حزن سيدنا يعقوب عليه السلام ، ثم كان القميص هو نهاية هذا الحزن .
- والقميص في معجم اللغة العربية المعاصرة :
{ يخسر حتَّى قميصه في الرِّهان – ( اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا ) }.
جلباب قميص عثمان .
و يد القميص : كُمّه .
قميص إفرنجي : لباس علويّ رقيق يُرتَدَى تحت السّترة غالِبًا .
كان القميص سببًا للحزن ؛ ﴿ وجاءوا على قميصه بدم كذب ﴾ ، ثم كان سببًا في البراءة ؛ ﴿ فلما رأى قميصه قُدَّ من دُبُر قال إنه من كيدكن ﴾ ، ثم أصبح سببًا للفرح ؛ ﴿ اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأتِ بصيرا ﴾.
ما يحزنك اليوم قد يسُرُّك غدًا ؛ فكن متفائلًا بما قَدَّرَهُ الله ، وسيأتيك الخير من حيث لا تحتسب .
- بعض التفاصيل :
– القميص الأول :
قال الله عز وجل :
« وَجَاءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ ». (يوسف : 18)
يقول الإمام ابن كثير في التفسير :
( وجاءوا على قميصه بدم كذب ) ؛ أي : مكذوب مفترى .. وهذا من الأفعال التي يؤكدون بها ما تمالئوا عليه من المكيدة ، وهو أنهم عمدوا إلى سخلة -فيما ذكره مجاهد ، والسدي ، وغير واحد- فذبحوها ، ولطخوا ثوب يوسف بدمها ، موهمين أن هذا قميصه الذي أكله فيه الذئب ، وقد أصابه من دمه ، ولكنهم نسوا أن يخرقوه ؛ فلهذا لم يرج هذا الصنيع على نبي الله يعقوب ، بل قال لهم معرضًا عن كلامهم إلى ما وقع في نفسه من تمالئهم عليه : ( بل سولت لكم أنفسكم أمرًا فصبر جميل ) ؛ أي : فسأصبر صبرًا جميلًا على هذا الأمر الذي قد اتفقتم عليه ، حتى يفرجه الله بعونه ولطفه ، ( والله المستعان على ما تصفون ) ؛ أي : على ما تذكرون من الكذب والمحال .
– القميص الثاني :
قال الله الملك الحق :
« فَلَمَّا رَأَىٰ قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ». (سورة يوسف : 28)
في التفسير الميسر :
فلما رأى الزوج قميص يوسف شُقَّ من خلفه علم براءة يوسف ، وقال لزوجته : إن هذا الكذب الذي اتهمتِ به هذا الشاب هو مِن جملة مكركن -أيتها الزوجات- ، إنَّ مكركن عظيم .
وقال البيضاوي رحمه الله :
فلما رأى قميصه قُدَّ من دبر قال إنه إن قولك ما جزاء من أراد بأهلك سوءا أو إن السوء أو إن هذا الأمر .
من كيدكن من حيلتكن والخطاب لها ولأمثالها أو لسائر النساء .
إن كيدكن عظيم ؛ فإن كيد النساء ألطف وأعلق بالقلب وأشد تأثيرًا في النفس ولأنهن يواجهن به الرجال والشيطان يوسوس به مسارقة.
يوسف حذف منه حرف النداء لقربه وتفطنه للحديث .. أعرض عن هذا اكتمه ولا تذكره .
واستغفري لذنبك يا راعيل .
إنك كنت من الخاطئين من القوم المذنبين من خطئ إذا أذنب متعمدًا والتذكير للتغليب .
– القميص الثالث :
قال الله عز وجل :
« اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَٰذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ ». (يوسف : 93)
قال الإمام السعدي رحمه الله تعالى :
قال يوسف عليه السلام لإخوته : ( اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا ) ؛ لأن كل داء يُداوَى بضده ، فهذا القميص -لما كان فيه أثر ريح يوسف ، الذي أودع قلب أبيه من الحزن والشوق ما الله به عليم- ، أراد أن يشمه ، فترجع إليه روحه ، وتتراجع إليه نفسه ، ويرجع إليه بصره ، ولله في ذلك حكم وأسرار ، لا يطلع عليها العباد ، وقد اطلع يوسف من ذلك على هذا الأمر .
( وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ ) ؛ أي : أولادكم وعشيرتكم وتوابعكم كلهم ، ليحصل تمام اللقاء ، ويزول عنكم نكد المعيشة ، وضنك الرزق .
إنه قميص يوسف المبارك في مراحل مختلفة من حياة هذا النبي الكريم على نبينا وعليه الصلاة والتسليم .