قصة زيد مع النبي ﷺ :
( ١٧ ) الحلقة السابعة عشرة من سيرة الحبيب ﷺ :
نبدأ بالصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
تحدثنا في الحلقة الماضية عن قصة تَبنِّي النبي صلى الله عليه وسلم لزيد بن حارثة رضي الله عنه ، وكيف أبطل الله عز وجل حُكم التَّبَنِّي بعد ذلك .
ووقفنا عند الآية التي أنزلها الله سبحانه وتعالى في شأن سيدنا زيد رضي الله عنه ، هذه الآية العظيمة التي ذُكر فيها اسم سيدنا زيد رضي الله عنه ، فيا ترى ما هي ؟
قال الله تبارك وتعالى :
” وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِيۤ أَنعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَٱتَّقِ ٱللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى ٱلنَّاسَ وَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِيۤ أَزْوَاجِ أَدْعِيَآئِهِمْ إِذَا قَضَوْاْ مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولًا “.
ولهذه الآية قصة فهي تتناول قصة زواج زيد رضي الله عنه من زينب بنت جحش بنت عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم .
فأمُّ المؤمنِينَ زَيْنَبُ بنتُ جَحْشٍ رَضِيَ اللهُ عنها هي ابنةُ أُمَيْمَةَ بنتِ عبدِ المُطَّلِبِ عَمَّةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم .
وقد كانَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم قد زوَّج زينب رضي الله عنها أوَّلًا مِن مَولَاهُ زَيدِ بنِ حَارِثَةَ رَضِيَ الله عنه ، وكانت تَفْخَرُ بنَفْسِها عليه ، فكان زَيْدٌ رَضِيَ الله عنه يَشكُوها للنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، وكان صلَّى الله عليه وسلَّم يقول له : ” اتَّقِ الله ، وأَمْسِكْ عليك زَوجَك “.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول له ذلك ، مع عَلْمِه بأنَّه سَيُطَلِّقُها ويتزوَّجها هو صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ؛ وذلك بما أَوحاه اللهُ تعالى إليه .
قال تعالى : ” وَتُخۡفِی فِی نَفۡسِكَ مَا اللهُ مُبۡدِیهِ “.
فقوله تعالى : { وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ } : نَزَلَتْ في شأنِ زَيْنَبَ وزَيْدِ بنِ حَارِثَةَ .
والذي كان يخشاه صلَّى الله عليه وسلَّم : هو مَقَالَةُ الناسِ : إنَّه نَكَح امرأةَ ابنِه بالتبنِّي ، وكان هذا مُحرَّمًا عندَهم ، فأَبطَلَ الله التبنِّيَ وما يترتَّب عليه من أحكامٍ .
وقد كان زَواجُ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم من زَيْنبَ بنتِ جَحْشٍ بعدَ طَلاقِها من زيدٍ بأَمرٍ من اللهِ تعالى .. وقد قال تعالى تصديقًا لذلك : ” مَّا كَانَ عَلَى ٱلنَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ ٱللَّهُ لَهُ سُنَّةَ ٱللَّهِ فِي ٱلَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا “.
ولقد كانتْ زَيْنَبُ تَفْخَرُ على أزواجِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم ، تقول : ( زَوَّجَكُنَّ أَهالِيكُنَّ ، وزوَّجني اللهُ تعالى مِن فَوْقِ سَبعِ سَمواتٍ).
وذلك بما نَزَل فيها مِن آياتٍ .. في إشارة لقوله تعالى : ” فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا “.
والمؤمن الحقيقي لا يناقش أو يجادل في أمر قد أمره الله وحكم فيه بشرعه ، ومن يفعل ذلك لا يكون مؤمنًا ، لأن المؤمن يثق في حكمة الله وحسن تدبيره وشمول علمه جل وعلا بأحوال عباده وبما يصلحهم من أحكام .
والنبي صلى الله عليه وسلم -تنفيذًا لأمر الله عز وجل- تزوج امرأة زيدٍ بعده ، وانتفى ما كان أهل الجاهلية يعتقدونه من أن الذي يتبنَّى غيره يصير ابنه .
فكان زواجه من امرأة متبنَّاه زيدٍ بعد طلاقها وانتهاء عدتها تأكيدًا على إبطال التبنِّي الذي كان سائدًا في الجاهلية .
لذلك قال الله تعالى : ” وَمَا جَعَلَ أَدۡعِیَاۤءَكُمۡ أَبۡنَاۤءَكُمۡۚ “.
الولد الذي يُتَبَنَّى ليس ابنًا .
إذا وجد الرجل لقيطًا ، ماذا يفعل ؟
يمكن أنْ يُبقيه معه في بيته ، لكنه ليس ابنه في الحقيقة ، فهو لقيط ، يمكن أنْ يرعاه ، ويقدم له كل مساعدة ، ويطببه ، ويعلمه ، ويحسن رعايته ، أما إذا بلغ ، فلابدَّ أن يعزله عن أهل البيت .
فالآية لا تمنع العمل الصالح ، فيجوز للمسلم أن يأخذ طفلًا يتيمًا بلا أب ولا أم فيرعاه ، وهذا عملٌ صالح ، أما أن يكون هذا المُتَبَنَّى ابنًا له فقد نهى الإسلام عن ذلك .
وفي الحلقة القادمة إن شاء الله سنتحدث عن قصة إعادة بناء الكعبة .