قتلة أبي جهل :
عن صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه عن جده ؛ -أي عبد الرحمن بن عوف – أنه قال : ” بينما أنا واقف في الصف يوم بدر ، نظرت عن يميني وشمالي فإذا أنا بين غلامين من الأنصار حديثة أسنانهما -يعني صغار في السن- تمنيت لو كنت بين أضلع منهما “.
عبد الرحمن بن عوف نظر إلى نفسه واقفًا في الصف ، فوجد على يمينه غلامًا صغيرًا وعلى يساره غلامًا صغيرًا ، قال : يا ليتني كنت واقفًا بين اثنين كبيرين فارسين .
قال : [ فغمزني أحدهما فقال : يا عم ! هل تعرف أبا جهل ؟ قال : فقلت : نعم ، وما حاجتك إليه يا ابن أخي ؟! قال : أُخبِرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا ] ، أي : حتى يموت الذي قدّر الله له الموت قبل صاحبه .
قال : [ فتعجبت لذلك ، فغمزني الآخر فقال مثلها ، فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يزول في الناس ].
لم أنشب ؛ أي لم ألبث ، بمجرد ما انتهيت من الحديث مع الولدين ، فإذا بـ أبي جهل يصول ويجول ويتحرك ويذهب ويجيء في وسط الناس .
قال : [ فقلت : ألا تريان ؟ هذا صاحبكما الذي تسألان عنه ] ، أي : هذا هو أبو جهل ، فأروني ماذا أنتم فاعلون فيه .
قال : [ فابتدراه -أي : فأعجلاه- فضرباه بسيفيهما حتى قتلاه ، ثم انصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه ، فقال : أيكما قتله ؟].
والمغزى من معرفة القاتل : إعطاؤه السلب .
قال : [ فقال : أيكما قتله ؟ فقال كل واحد منهما : أنا قتلت ] ، كل منهما يقول : أنا الذي قتلت يا رسول الله ! فقال : [ هل مسحتما سيفيكما من الدم ؟ قالا : لا ..
فنظر النبي صلى الله عليه وسلم في السيفين فقال : كلاكما قتله ، وقضى بسلبه لـ معاذ بن عمرو بن الجموح ].
معاذ بن عمرو بن الجموح هو الذي يأخذ السلب ، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهذين : كلاكما قتله ، ولاشك أن هذا أمر مشكل ؛ ولذلك اختلف أهل العلم في معنى هذا الحديث .
فقال الشافعية : اشترك هذان الرجلان في جراحته فقط ، لكن معاذ بن عمرو بن الجموح أثخنه أولّا ؛ فاستحق السلب .
أثخنه أي : قتله .
فقُتل عدو الله بسبب ضرب معاذ بن عمرو بن الجموح ، أما معاذ ومعوذ ابنا عفراء ؛ فكل واحد منهما أصاب بدنه بسيفه ، لكن هذه الإصابة لم تكن سببًا في القتل ، إنما الذي قَتَل على الحقيقة هو معاذ بن عمرو بن الجموح .
وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (كلاكما قتله) ؛ تطييبًا لقلبيهما بحيث إن كل واحد منهما له مشاركة في قتله . والقتل الشرعي الذي يتعلق به استحقاق السلب وهو الإثخان ، وإخراجه عن كونه ممتنعًا إنما وجد من معاذ بن عمرو بن الجموح ؛ فلهذا قضى له بالسلب .
أما فيما يتعلق بالصحابي الجليل عبدالله بن مسعود رضي الله عنه .
فقد أخرج البخاري في “صحيحه” (3962) ، ومسلم في “صحيحه” (1800) ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” مَنْ يَنْظُرُ مَا صَنَعَ أَبُو جَهْلٍ ؟ فَانْطَلَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَوَجَدَهُ قَدْ ضَرَبَهُ ابْنَا عَفْرَاءَ حَتَّى بَرَدَ ، قَالَ : أَأَنْتَ أَبُو جَهْلٍ ؟ قَالَ : فَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ ، قَالَ : وَهَلْ فَوْقَ رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ ، أَوْ رَجُلٍ قَتَلَهُ قَوْمُهُ “.
الأبطال الصغار قتلة أبي جهل فرعون هذه الأمة هم : معاذ بن عمرو بن الجموح ، ومعاذ ومعوذ ابنا عفراء رضي الله عنهم جميعًا .
- عرفنا قتلة عدو الله ورسوله ، فهيا نتعرف على المقتول ؛ فرعون هذه الأمة :
اسمه عمرو بن هشام بن المغيرة المخزومي القرشي ..
أحد أشراف قريش وكبارها ..
لقبه أبو الحكم ولكنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لقّبه بأبي جهل ؛ وذلك لأنّه كان جاهلًا جهولًا ، قتل سمية بنت خياط بطعنها أسفل بطنها ، وأخطأ كثيرًا بحقّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وبحقّ المسلمين ؛ فكان مناسبًا لمثله أن يُكَنَّى بـ أبي جهل ، ولايليق بمثله مطلقًا أن تظل كنيته أبا الحكم ؛ فلا حكمة لديه ، ولا عقل له ، ولا مروءة عنده ، خصوصًا بعد أن علم بنبوة محمد بن عبدالله صلى عليه ربه ومولاه .
كان من أشد الكفار المعاندين للإسلام ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، وللمؤمنين ؛ لم يترك فرصة إلا وأظهر عداوته بالقول وبالفعل لدين الله ولرسول الله ، ولصحابة رسول الله ؛ فأخزاه الله على أيدي هؤلاء الأبطال الصغار رضي الله عنهم وأرضاهم .