من عبق التاريخ

فتنة خلق القرآن

فتنة خلق القرآن :

الإمام أحمد بن حنبل عليه سحائب الرحمات ، تعرض إلى كثير من الابتلاءات ، وكان صابرًا محتسبًا حتى مات .
إنه الثبات حتى الممات .

هو سنام ، إنه الإمام الهُمَام ، عالي المقام ، وأبناؤه كذلك ؛ فأبناء الكريم كرام ، له باع في الإسلام ، وصموده أمام الطغاة وسام .

لخلاله التشريف والإكرام .

موقفه في الفتنة تُضاء بنوره الأيام .

– الفتنة :

بدأها الخليفة المأمون ، الجاهل الجهول ، صاحب هذا الفعل المهول ، وهو حَبْس الإمام العَلَم أحمد بن حنبل ، وضَرْبه .

والمأمون هذا هو أحد خلفاء الدولة العباسية ، وهو أحد أبناء الخليفة المؤمن هارون الرشيد ، الذي كان يحج عامًا ، ويغزو عامًا ، عليه رحمة الله تعالى .

تولى هذا المأمون الخلافة سنة ثمان وتسعين ومائة من الهجرة النبوية .

استحوذ عليه الشيطان ، مع جماعة من المعتزلة فأزاغوه عن طريق الحق إلى الباطل ؛ فسار معهم بقوة في هذا الطريق بعد أن زينوا له القول بخلق القرآن ، ونفي الصفات عن الله سبحانه وتعالى .

ويا هول ما قالوا واعتقدوا .

ولقد كان الخلفاء قبل هذا المأمون الظالم من بني العباس وبني أمية على عقيدة سلف الأمة ، وأما هو فقد مال إلى ما زينه له المعتزلة .

وعند خروج المأمون إلى طرسوس لغزو الروم ، كتب إلى نائبه ببغداد يأمره أن يدعو الناس إلى القول بخلق القرآن ، ففعل ، واستدعى أئمة الحديث وهددهم بالضرب وقطع الأرزاق ، فأجاب بعضهم مُكرهًا ، واستمر على الامتناع من القول بخلق القرآن الإمام أحمد بن حنبل ، ومحمد بن نوح رحمهما الله ، فحُمِلا إلى الخليفة على بعير ، وكان الخليفة قد سَلَّ سيفًا لم يُسَل قبل ذلك ، وأقسم بقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لئن لم يجبه أحمد إلى القول بخلق القرآن ليقتلنه بذلك السيف !!

إلى هذه الدرجة من الظلم والجبروت والطغيان ؛ فما كان من الإمام المظلوم إلا أن دعا ربه أن يكفيه مؤنته ؛ فمات في آخر تلك الليلة التي دعا فيها أحمد قبل أن يصل إليه .

وتولى الخلافة بعده أخوه المعتصم ، وقال بقول أخيه من قبل ، فأمر بضرب الإمام أحمد وسجنه ، وأحضره في مجلسه ليناظر أهل البدع فناظرهم ؛ وألجمهم بالحجة البالغة ، ولكن مضى بهم العناد فأصروا على ما هم عليه .

وألف خسارة يا معتصماه ، فقد جلده المعتصم بيده !!

واللهِ ، إن هذا الفعل الشنيع من المعتصم البطل ، أبكى كثيرًا من علماء أمة الإسلام المخلصين المحبين للإمام أحمد بن حنبل .

وجاء المتوكل : استمرت المحنة إلى أن تولى الخلافة المتوكل ، فقد كان محبًّا للسنة وأهلها ، ورفع المحنة عن الإمام الهمام ، وعن الناس ، وكتب إلى الآفاق أن لا يتكلم أحدٌ في القول بخلق القرآن ، واستدعى الإمام أحمد وبالغ في إكرامه ، ولكن الإمام رحمه الله كان لا يقبل من عطاياه شيئًا ، فإن أُجبِر على أخذ المال ، قَسَّمه في الفقراء والمحتاجين ، وكان يصوم النهار ويفطر على قليل من السويق يصنعه أهله في البيت .

ومسألة خلق القرآن عبارة عن فكر انتشر في عهد الخليفة العباسي المأمون من قِبَل فرقة المعتزلة والتي تعدّ أن القرآن مخلوق ، وكلام الله مخلوق ، وهو ما ابتدع القول به الجهم بن صفوان .. واقتنع بهذا الرأي الخليفة المأمون ، وطالب بنشْر هذا الفكر وعَزْل كلِّ قاضٍ لا يؤمن بهِ .

وهو ما لقي معارضة واستهجانًا من الائمة مثل الإمام أحمد بن حنبل والذي تحمل من أجل ذلك الكثير من التعذيب حتى قام الخليفة المتوكل بإنهاء هذه المحنة وأفرج عنه .

أصل فتنة خلق القرآن : وأصل هذهِ المسألة شبهة قديمة أراد أن يثيرها يوحنا الدمشقي الذي قال : إذا كان القرآن غير مخلوق فهو أزلي ، وبالمثل فإن النبي عيسى أزلي ؛ لأنهُ كلمة الله ، وإن كان مخلوقًا فهو منفصل عن قدسية الله مثل باقى المخلوقات .

قال حرملة ، سمعت الشافعي ، يقول :

” خرجت من بغداد ، وما خلفت بها أفقه ، ولا أزهد ، ولا أورع ، ولا أعلم من أحمد بن حنبل “.

رحم الله الإمام العَلَم أحمد بن حنبل رحمة واسعة .

ندعوكم لقراءة : بين الشافعي وابن حنبل

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى