ديننا الإسلام

عيد الأضحى المبارك

عيد الأضحى المبارك :

يوجد عيدان للمسلمين ؛ عيد الفطر وعيد الأضحى يا موحدين .

” وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهْدِينِ * رَبِّ هَبْ لِي مِنَ ٱلصَّالِحِينَ ” ؛ استجاب له رب العالمين ، وبشره بغلام حليم رزين .

ثم كان البلاء المبين ، وكانت الأسرة المؤمنة جميعًا من الصابرين .

” فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَن يٰإِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ ٱلرُّؤْيَآ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْبَلَاءُ ٱلْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ “. (الصافات : 103-107)

وعيد الأضحى هو أحد العيدين عندنا ، وهو يوافق يوم العاشر من ذي الحجة بعد انتهاء وقفة عرفات ، الموقف الذي يقف فيه الحجاج المسلمون لتأدية أهم مناسك الحج .

– مع الفداء العظيم :

ويُعَدُّ هذا العيد ذكرى لقصة الفداء العظيم ، وما حدث مع الخليل إبراهيم مع ابنه الذبيح إسماعيل عليهما السلام ، عندما رأى رؤيا أمره فيها الله جل في علاه بالتضحية بابنه إسماعيل ، وبعد تصديقه وابنه للرؤيا ، فداه ربه بعدها بذبحٍ عظيم .

من أجل ذلك يقوم المسلمون بالتقرب إلى الله عز وجل في هذا اليوم بذبح أضحية ، كما فعل الحفيد الأعظم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم ، حفيد الخليل والذبيح عليهما السلام ، والأكل من لحمها والتوزيع على الأقارب والفقراء والمساكين ؛ ومن هنا جاءت تسمية عيد الأضحى .

– حكم الأضحية ودليلها :

الأضحية سنَّةٌ مؤكدةٌ عند جمهور الفقهاء وواجبة عند الحنفية ، يفوتُ المسلمَ خيرٌ كثير بتركها إذا كان قادرًا عليها .

دل على مشروعية الأضحية من القرآن الكريم قول الحق عز وجل :
” إِنَّآ أَعْطَيْنَاكَ ٱلْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَٱنْحَرْ “. (الكوثر : 1-2)

ومن الأحاديث حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال :

” ضَحَّى النبي صلى الله عليه وسلّم بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسَمَّى وكَبَّر ، ووضع رجله على صفاحهما “. (متفق عليه)

وحديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما ، قال :

” أقام رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالمدينة عشر سنين يضحي كل سنة “. (رواه أحمد والترمذي)

– الفداء في القرآن :

قال الله تبارك وتعالى :

” وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ * رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاء الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ “. (الصافات : 99-107)

– الذبيح :

الذبيح هو إسماعيل عليه السلام ، وأدلة أصحاب هذا الرأي على صواب رأيهم :

  • أن اللّه تعالى ذكر البشارة بإسحاق بعد الفراغ من قصة الذبيح ، فقال تعالى : ” وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ ” فدل على أن المذبوح غيره .
  • وأيضًا فإن اللّه تعالى قال في سورة هود : ” فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ ” فكيف يأمره بذبح إسحاق وقد وعده بولدٍ له هو يعقوب .
  • وصف الله تعالى إسماعيل بالصبر دون إسحاق في قوله : ” وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ ” وهو صبره على الذبح ، ووصفه بصدق الوعد في قوله : ” إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ ” ، وعد أباه بالصبر على الذبح فَوَفَّى بوعده .
    وسأل عمر بن عبد العزيز يهوديًّا أسلم وحسن إسلامه : أي ولدي إبراهيم أمره اللّه تعالى بذبحه ؟ فقال : إسماعيل .
  • وقال الأصمعي : سألت أبا عمرو بن العلاء عن الذبيح فقال : يا أصمعي ، متى كان إسحاق بمكة ؟
    إنما كان إسماعيل ، وهو الذي بنى البيت مع أبيه .
    واللّه تعالى أعلم .

– بلاغة :

الإيجاز : في قوله تعالى : ” فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ “.
وهذا إيجاز قصر ، فقد انطوت هذه البشارة الموجزة على ثلاث : على أن الولد غلام ذكر ، وأنه يبلغ أوان الحلم ، وأنه يكون حليمًا .

– الحكمة من تشريع العيد :

شرَع الله جل في علاه لأمة الإسلام ، أمة محمد خير الأنام الفرح والسرور بتمام نِعمته ، وكمالِ رحمته ؛ فعيد الفطر يأتي بعد تمام صيام شهر رمضان ، فإذا أتمُّوا صيامَهم أعتَقَهم من النارِ ؛ فشَرَع لهم عيدًا بعد إكمالِ صِيامِهم ، وجعله يومَ الجوائز .
وتكون صدقةُ الفطرِ وصلاةُ العيدِ شُكرًا لذلك .

وشرع لهم عِيدَ الأضحى عند تمامِ حجِّهم بإدراكِ الوقوفِ بعرفة ، وهو يومُ العِتقِ من النارِ ، ولا يَحصُلُ العتقُ من النارِ ، والمغفرةُ للذنوبِ والأوزارِ في يومٍ من أيَّامٍ السَّنة أكثرَ منه ؛ فجعَلَ الله عقبَ ذلك عيدًا ؛ بل هو العيدُ الأكبر ، فيُكمل أهلُ الموسمِ فيه مناسِكَهم .

– عرفة والجمعة :

وافق يوم عرفة يوم الجمعة عام 1443هـ / 2022م .

وفي هذا يقول الأستاذ الدكتور طارق خوالدة :

استثمروا :

١- اجتماع عيدين عظيمين .

٢- حجّ النبيّ صلى الله عليه وسلم وافق عرفة في يوم الجمعة .

٣- أقسم الله بهما ” وشاهد ومشهود ” فالشاهد يوم الجمعة ، والمشهود يوم عرفة .

٤- اكتمال الدين وتمام النعمة كان في عرفة يوم الجمعة .

٥- اجتماع موطنين من مواطن استجابة الدعاء ، دعاء عرفة ودعاء ساعة الجمعة .

٦- صيام عرفة مستحبّ حتّى لو كان يوم الجمعة منفردًا ولا كراهة ؛ لأنّ الصيام لفضل عرفة لا لقصد الجمعة .

ندعوكم لقراءة : الحج المبرور

– سنن وآداب العيد :

  • الاغتسال قبل الخروج إلى الصلاة :

ذكر النووي رحمه الله اتفاق العلماء على استحباب الاغتسال لصلاة العيد .

  • الأكل قبل الخروج في الفطر وبعد الصلاة في الأضحى :

من الآداب ألا يخرج في عيد الفطر إلى الصلاة حتى يأكل تمرات لما رواه البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ .. وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا . (البخاري : 953)

وعلل ابن حجر رحمه الله بأنّ في ذلك سدًّا لذريعة الزيادة في الصوم ، وفيه مبادرة لامتثال أمر الله . (فتح الباري : 2/446)

وأما في عيد الأضحى فإن المستحب ألا يأكل حتى يرجع من الصلاة فيأكل من أضحيته إن كان له أضحية ، فإن لم يكن له من أضحية فلا حرج أن يأكل قبل الصلاة .

  • التكبير يوم العيد :

الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر
لا إله إلا الله
الله أكبر .. الله أكبر
ولله الحمد .

والتكبير من السنن العظيمة في يوم العيد لقوله تعالى : ” وَلِتُكْمِلُواْ ٱلْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ “. (البقرة : 185)

ولقد كان التكبير من حين الخروج من البيت إلى المُصلى وإلى دخول الإمام كان أمرًا مشهورًا جدًا عند السلف ، وقد نقله جماعة من المصنفين كابن أبي شيبة وعبد الرزاق والفريابي في كتاب ( أحكام العيدين ) عن جماعة من السلف ، ومن ذلك أن نافع بن جبير كان يكبر ويتعجب من عدم تكبير الناس فيقول : ( ألا تكبرون ).

وكان ابن شهاب الزهري رحمه الله يقول : { كان الناس يكبرون منذ يخرجون من بيوتهم حتى يدخل الإمام }.

ووقت التكبير في عيد الفطر يبتدئ من ليلة العيد إلى أن يدخل الإمام لصلاة العيد .
وأما في الأضحى فالتكبير يبدأ من أول يوم من ذي الحجة إلى غروب شمس آخر أيام التشريق .

صفة التكبير :

ورد في مصنف ابن أبي شيبة بسند صحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه : أنه كان يكبر أيام التشريق : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد .

ورواه ابن أبي شيبة مرة أخرى بالسند نفسه بتثليث التكبير .

  • التهنئة :

عن جبير بن نفير ، قال : كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض ، تُقُبِّل منا ومنك .. قال ابن حجر : إسناده حسن . (الفتح : 2/446)

فالتهنئة كانت معروفة عند الصحابة ، ورَخَّص فيها أهل العلم كالإمام أحمد وغيره ، وقد ورد ما يدل عليه من مشروعية التهنئة بالمناسبات وتهنئة الصحابة بعضهم بعضًا عند حصول ما يسر .

ولا ريب أن هذه التهنئة من مكارم الأخلاق والمظاهر الاجتماعية الحسنة بين المسلمين .

  • التجمل للعيد :

عن عبد الله بن عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ أَخَذَ عُمَرُ جُبَّةً مِنْ إِسْتَبْرَقٍ تُبَاعُ فِي السُّوقِ فَأَخَذَهَا فَأَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ : ابْتَعْ هَذِهِ تَجَمَّلْ بِهَا لِلْعِيدِ وَالْوُفُودِ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
” إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لا خَلاقَ لَهُ “. (رواه البخاري : 948)

فأقر النبي صلى الله عليه وسلم عمر على التجمل للعيد ، لكنه أنكر عليه شراء هذه الجبة ؛ لأنها من حرير .

وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال : كان للنبي صلى الله عليه وسلم جبة يلبسها للعيدين ويوم الجمعة . (صحيح ابن خزيمة : 1765)

وروى البيهقي بسند صحيح أن ابن عمر كان يلبس للعيد أجمل ثيابه .

فينبغي للرجل أن يلبس أجمل ما عنده من الثياب عند الخروج إلى العيد .

أما النساء فيبتعدن عن الزينة إذا خرجن ؛ لأنهن منهيات عن إظهار الزينة للرجال الأجانب ، وكذلك يحرم على من أرادت الخروج أن تمس الطيب أو تتعرض للرجال بالفتنة ؛ فإنها ما خرجت إلا لعبادة وطاعة .

  • الذهاب إلى الصلاة من طريق والعودة من آخر :

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ . (رواه البخاري : 986)

قيل الحكمة من ذلك ليشهد له الطريقان عند الله يوم القيامة ، والأرض تحدّث يوم القيامة بما عُمل عليها من الخير والشرّ .
وقيل لإظهار شعائر الإسلام في الطريقين .
وقيل لإظهار ذكر الله .
وقيل لإغاظة المنافقين واليهود وليرهبهم بكثرة من معه .
وقيل ليقضى حوائج الناس من الاستفتاء والتعليم والاقتداء أو الصدقة على المحاويج أو ليزور أقاربه وليصل رحمه .

( دينٌ عظيم ، وهَدْيٌّ قويم ، ورب الكعبة ).

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى