عودة النبي ﷺ من الشام :
( ١٢ ) الحلقة الثانية عشرة من سيرة الحبيب ﷺ :
هيا بنا نصلِّ على النبي صلى الله عليه وسلم .
في الحلقة السابقة عرفنا بداية قصة بحيرا الراهب مع النبي صلى الله عليه وسلم .
فبعدما تأكد الراهب أن أبا طالب ورفاقه القرشيين بينهم النبي المكتوب عندهم بعلامته ، صنع طعام للتجار القرشيين على غير عادته .
فلمَّا أتاهم بِالطعام كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرعى الإبل .
فقال الراهب : أرسِلوا إليْه .
فأقبلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليْهِ غمامةٌ تظلُّهُ ، فلمَّا دنا منَ القومِ وجدَهم قد سبقوهُ إلى ظل الشَّجرَةِ ، فلمَّا جلسَ مالَ ظل الشَّجرةِ عليْهِ .
فقال الراهب : انظروا إلى ظل الشَّجرةِ مالَ عليْهِ .
فبينما هوَ قائمٌ عليْهم وَهوَ يحلف عليهم أن لا يذْهبوا بِهِ إلى بلاد الرُّومِ ؛ لأن الرُّومَ إن رأوْهُ عرفوهُ بالصِّفةِ فيقتلونَه ، فالتفتَ فإذا بسبعةٍ قد أقبلوا منَ الرُّومِ فاستقبلَهم ، فقال : ما جاءَ بِكم ؟
قالوا : جِئنا ، إنَّ هذا النَّبيَّ خارجٌ في هذا الشَّهرِ ، فلم يبقَ طريقٌ إلَّا بُعِثَ إليْهِ بِأُناسٍ وإنَّا قد أُخبِرنا خَبَرَهُ فبُعِثنا إلى طريقِكَ هذا .
فقال : هل خلَّفتُم أحدًا هو خيرٌ منكم ؟
قالوا : إنما أُخبِرنا خَبَرَهُ بطريقك هذا .
قال : أفرأيتُم أمرًا أرادَ اللهُ أن يقضِيَهُ هل يستطيعُ أحدٌ منَ النَّاسِ ردَّه ؟
قالوا : لا ، قال : فبايَعوهُ وأقاموا معَهُ .
قال الراهب : أَنشُدُكم باللهِ ( أي أحلف عليكم ) أيُّكم وَلِيُّه ؟
قالوا : أبو طالبٍ ، فلم يزل يُناشِدُهُ حتَّى ردَّهُ أبو طالبٍ ، وزوَّدَهُ الرَّاهبُ منَ الكعكِ والزَّيتِ .
وترشدنا قصة الراهب إلى حفظ الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ورعايته له ، كما تبين لنا أن رهبان النصارى كانوا يعرفون أن محمدًا صلى الله عليه وسلم هو الرسول الخاتم الذي يجب اتباع ما جاء به .
كما أكدت هذه القصة على العداء والحقد القديم من أهل الكتاب على النبي صلى الله عليه وسلم ، وظهر ذلك في تحذير بحيرا لِعمِّ النبي صلى الله عليه وسلم ألا يذهب به إلى الروم ، فإن الروم إذا عرفوه سيقتلونه ، إذ كانوا على علم بأن مجيء هذا الرسول سيقضي على نفوذهم بدينه الجديد الذي سيعلو فوق جميع الأديان ،
وصدق الله تعالى حيث يقول : ” وَلَن تَرۡضَىٰ عَنكَ ٱلۡیَهُودُ وَلَا ٱلنَّصَـٰرَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمۡۗ “.
ولما بلغ صلى الله عليه وسلم الخامسة عشرة ، وقعت حرب بين قريش وبين قَيْس عَيلَان تُسمَّى ( حرب الفِجار )..
فماذا حدث في هذه الحرب ؟ وماذا كان دور النبي صلى الله عليه وسلم فيها ؟
هذا ما سنعرفه في الحلقة القادمة إن شاء الله .