سيرة الحبيب ﷺ

عناد الكافرين

عناد الكافرين :

( ٣٤ ) الحلقة الرابعة والثلاثون من سيرة الحبيب ﷺ :

نبدأ حديثنا بالصلاة والسلام على نبي الهُدى ﷺ ، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين .

البعض يظن أن أبا جهل كان يُكذِّب النبي صلى الله عليه وسلم ، لأنه يعتقد أن النبي عليه الصلاة والسلام ( كذَّابًا ) ، وحاشاه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينطق كذبًا .
والحقيقة غير ذلك ، لأن أبا جهل كان يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم صادق .
فقد سأل الأخنس بن شريق ( الذي أسلم بعد ذلك ) أبا جهل يومًا فقال : يا أبا الحكم ! ما رأيك فيما سمعت من محمد ؟ فقال : ماذا سمعت ، تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف ، أطعموا فأطعمنا ، وحملوا فحملنا ، وأعطوا فأعطينا ، حتى إذا تجاذينا على الرُّكَب ، وكُنَّا كَفَرَسَي رِهان ، قالوا : مِنَّا نبي يأتيه الوحي من السماء ، فمتى نُدرِك مثل هذه ؟!! والله لا نؤمن به أبدًا ولا نُصَدِّقه .

( والمقصود أن قبيلة بني هاشم التي ينتمي إليها النبي صلى الله عليه وسلم ، وقبيلة بني مخزوم التي ينتمي إليها أبو جهل كان بينهم منافسة وسباق في كل الأعمال ، فقال أبو جهل كيف نقلدهم في هذه ، يقصد النبوة ، فكان الحل بالنسبة لأبي جهل أن يقول أن محمدًا كذَّاب حتى لا تكون قبيلة بني هاشم سبقتهم و باتت أحسن منهم فى أي شيء ).

ولا عجب في ذلك ، لأن أبا جهل كان حريصًا على منفعة شخصية أودت به إلى قعر جهنم والعياذ بالله .

سبحان الله .. جَعل النبوة تأتي من نسل قبيلة بنو هاشم فضل من الله .. واللهُ يُؤتي فضله من يشاء .

وهناك موقف آخر يُثبت أن مشركو قريش كانوا موقنين بصدق النبي ﷺ ، ولكن الكبر والحقد والعند منعهم من الدخول في الإسلام .
وانظروا لِما فعله هؤلاء الثلاثة ” الأخنس بن شُريق ” ، و” أبو جهل بن هشام ” ، ” وأبو سُفيان بن حرب ” ، إذ خرجوا في ليلة ليستمعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو يُصَلِّي من الليل في بيته ، فأخذ كلُّ رجل منهم مجلسًا يستمع فيه ، وكان كل واحد منهم لا يعلم بمكان صاحبه ، فباتوا يستمعون له ، حتى إذا طلع الفجر تفرَّقوا ، فجمعهم الطريق ، فتلاوموا ( أي لام بعضهم بعضًا ) ، وقال بعضهم لبعض : لا تعودوا ، فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئًا .. ثمّ انصرفوا ، حتى إذا كانت الليلة الثّانية عاد كلُّ رجل منهم إلى مجلسه ، فباتوا يستمعون للنبي صلى الله عليه وسلم ، حتى إذا طلع الفجر تفرَّقوا ، فجمعهم الطريق ، فقال بعضهم لبعض مثل ما قالوا أوّل مرّة ! ثمّ انصرفوا .
حتى إذا كانت الليلة الثالثة أخذ كلُّ رجل منهم مجلسه ، فباتوا يستمعون له ، حتى إذا طلع الفجر تفرَّقوا ، فجمعهم الطريق فقال بعضهم لبعض : لا نبرَح حتى نتعاهد ألا نعود ! فتعاهدوا على ذلك ، ثمّ تفرَّقوا .
سبحان الله !

انظروا كيف أن للقرآن حلاوة وتأثير لا يمكن لعاقل مقاومتها !

لقد أحبُّوا القرآن حتى أنهم جلسوا الليل كله حول بيت الرسول صلى الله عليه وسلم ليستمعوا لصلاته وتلاوته للقرآن ، ومع ذلك ظَلّ أبو جهل على كفره ومات على الكفر ، أما الأخنس بن شريق وأبو سفيان فقد أسلما في النهاية .

عجبًا من عناد الكافرين أمثال أبو جهل وغيره ممن سمعوا جمال القرآن ومع ذلك ظَلُّوا على كفرهم وعنادهم يُذيقون المسلمين ألوان شتَّى من العذاب ! ذلك بأنهم استكبروا عن عبادة الله وحده لا شريك له ، فبئس ما كانوا يعملون !

وازداد الوضع صعوبة وقسوة على المؤمنين ، واستمرَّت قريش على عنادها واستكبارها .

فهل من مخرج من ذلك الكرب ؟

سنعرف في الحلقة القادمة إن شاء الله .

ندعوكم لقراءة : صبر المسلمين على الأذى

زر الذهاب إلى الأعلى