ديننا الإسلام

عشر ذي الحجة

عشر ذي الحجة :

هي أيامٌ مباركة ، يُستَحب فيها المشاركة ، في كل أعمال الخير ، التي تخصك وأقاربك والغير .

صلاة وصيام وقرآن ، وذكر دائم للرحمن .

صدقات وتبرعات ، ومشاركة في فعل الخيرات .

صلة للأرحام ، من زيارةٍ وإكرام .

وغير ذلك أيها المسلمون الكرام .

قال فيها المعلم صلى الله عليه وسلم :

” ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام ” ؛ يعني : أيام العشر ، قالوا : يا رسول الله ، ولا الجهاد في سبيل الله ؟
قال : ” ولا الجهاد في سبيل الله ، إلا رجل خرج بنفسه ، وماله ، فلم يرجع من ذلك بشيء “. (رواه البخاري)

قوله ( خرج بنفسه ) ؛ أي خرج لقهر عدوه ولو أدى ذلك إلى قتل نفسه وذهاب ماله في سبيل الله .
وقوله ( فلم يرجع من ذلك بشيء ) ؛ أي رزقه الله الشهادة ، فلم يرجع هو ولم يرجع ماله .

قال ابن حجر العسقلاني في [ فتح الباري ] : { الذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه ؛ وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج ، ولا يتأتى ذلك في غيره }.

ولفضلها أقسم المولى بها ؛ قال عز من قائل : ” وَٱلْفَجْرِ * وَلَيالٍ عَشْرٍ “. (الفجر : 1-2)

رفع الله ذكرها ، وضاعف ثوابها ؛ ومن أجل هذا ينبغي علينا أن نجتهد في الطاعة ، وذلك على مدار الساعة ؛ فنحافظ على صلاة الجماعة ، والصيام والقيام وقراءة القرآن والذكر والاستغفار وغير ذلك ، بكل همة وقناعة .
هي -ورب الكعبة- أزكى بضاعة .

– الاستعداد لها :

يجب علينا أن نشمر عن ساعد الجد لها ، ونستعد لها ونغتنمها بأقصى طاقة لدينا .

هيا معًا ، والله هو الموفِق والمستعان وعليه التُكلان :

  • علينا بالتوبة والأوبة :

نستغفر الله تعالى ونتوب إليه ؛ وذلك لتقصيرنا بعد انتهاء شهر رمضان المبارك .

  • قراءة القرآن الكريم :

فهو خير الذكر ، فلنكثر من تلاوته آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يرضي الملك عز وجل .

ولنجعل لأنفسنا وِردًا ثابتًا كل يوم مهما كانت الظروف .

  • الدعاء :

فلنطل دعاءنا ، ونلح على ربنا ؛ فإن الله يحب العبد اللحوح .

  • قيام الليل :

هو دأب الصالحين ، وهو أفضل صلاة بعد الفريضة .

ولنتذكر معًا سعيد بن جبير رحمه الله تعالى فى اجتهاده فى هذه العشر ، فكان يقول : { لا تطفئوا سرجكم ليالي العشر }.

  • الصدقة :

تصدق في كل وقت وحين ، على المحتاجين ؛ من الفقراء والمساكين ، وخصوصًا مع الأقربين .

وأكثر من الصدقة خلال أيام العشر المباركين ؛ لتكون من الفائزين ، بإذن الله رب العالمين .

قال الله تعالى : ” وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ “. (سبأ : 39)

وقال سبحانه : ” وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ٱبْتِغَآءَ وَجْهِ ٱللَّهِ وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ “. (البقرة : 272)

  • الذكر :

يقول الملك جل في عليائه : ” فَٱذْكُرُونِيۤ أَذْكُرْكُمْ “. (البقرة : 152)

وقال عز وجل : ” وَٱذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ ٱلْجَهْرِ مِنَ ٱلْقَوْلِ بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِّنَ ٱلْغَافِلِينَ “. (الأعراف : 205)

تحت جميع الظروف والأحوال ، لا تكن من الغافلين على كل حال .

فما بالك في هذه الأيام المباركة التي يُضاعف فيها الثواب ، وتُفتح فيها الأبواب ، ويتوب الله على من تاب .

يقول ابن القيم رحمه الله : { القلب كلما اشتدت به الغفلة اشتدت به القسوة ؛ فإذا ذكر الله ذابت هذه القسوة كما يذوب الرصاص فى النار }.

  • هذا بالإضافة إلى كل أعمال البر التي كنا حريصين عليها خلال شهر رمضان المبارك .

ندعوكم لقراءة : البر في رمضان

– ادخلوها بسلام :

لله در هذا الكاتب المبدع الدكتور خالد حمدي القائل عن هذه الأيام :

{ نحن مقبلون على أعظم المواسم أجرًا ، وأكثرها عطاءً ؛ فادخلوا على الله فيها من أبواب متفرقة ، فمن يدري أي الأبواب يُفتح لكم .

ادخلوها بأزوادٍ متعددة ، فرُبَّ زادٍ تستقله ، وفيه الخير كله !

ادخلوها باستعطاف والديكم أو من بقي من بعض ريحهم .

ادخلوها بالتماس الدعاء بظهر الغيب ممن تظنون بهم الخير .

ادخلوها بأعمال خفية .

ادخلوها بمعصية تهجرونها وكأنكم تقولون معها :
وعزتك وجلالك ما تركناها إلا ابتغاء وجهك فحرِّم على النار وجوهنا .

ادخلوها بشفقة على المسلمين يعلمها الله من قلوبكم .

ادخلوها بانكسارة يسمعها الله من أصواتكم ويراها من لمعان دموع عيونكم .

ادخلوها بالصدقات ، ادخلوها بالتوبات والاستغفارات .

ادخلوها بالمصاحف لا تتركوها حتى تسقط من أياديكم ، وبالقيام لا تتركوه حتى تتورم أقدامكم ، ولسان حالكم قول القائل :
وعزتك وجلالك لا أعرف للراحة طعمًا حتى أذوق للقبول طعمًا .

ادخلوها بمعتكف صغير في بيوتكم أو كبير في مساجدكم .

ادخلوها بقلوب غافرة عفوَّة ، ترسل العفو للمخلوق لتستقبل عفو الخالق .

ادخلوها بهذا كله وغيره من جميل الأعمال والنيات ؛ فالمواسم الجليلة تحتاج لقربات جليلة .

وموسمنا هذا ليس ككل المواسم .

رضي الله عن أنس بن مالك رضي الله عنه عندما قال : ” تَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، فَإِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ نَفَحَاتٍ مِنْ رَحْمَتِهِ يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ، وَسَلُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَاتِكُمْ ، وَيُؤَمِّنَ رَوْعَاتِكُمْ “.

ورضي الله عن بعض أحبتنا الذين إذا دخلت المواسم غابوا عنا وحضروا عند ربهم ، فلما كنا نسأل عنهم كانوا يقولون :
لا ينبغي لعاقل أن يغيب وقت توزيع الرحمات ، وغيابنا عنكم يُستَدرك لكن غيابنا عن باب الملك قد لا يُدرَك .

احملوا أزوادكم ، وأنيخوا مطاياكم ، وتخففوا من ضوضاء الدنيا حولكم .. فأنتم مقبلون على أيام وليال لو كشف الله لكم حفلات توزيع جوائزه فيها لمُتُّم طربًا للقبول أو حزنًا للفوات }. (انتهى)

– عدم حلق الشعر :

ومما وجه إليه الإسلام من آداب في هذه العشر أن من عزم على أن يضحي كره له حلق شيء من شعره أو تقليم أظافره لما روى مسلم عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظافره”.

– فضل يوم عرفة :

عن أبي قتادة رضي الله عنه قال : سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : عن صوم يوم عرفة ، قال :

” يُكَفِّر السنة الماضية والباقية “. (رواه مسلم)

والصيام هنا يكون لغير الحاج الواقف بعرفة .

من الأزمنة العظيمة القدر الكثيرة الأجر يوم عرفة ، تظافرت النصوص من الكتاب والسنة على فضله ، ومنها ، أنه :

  • أحد أيام الأشهر الحرم :

قال الله عز وجل :
” إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ “. (التوبة : 39)

ويوم عرفة هو اليوم التاسع من ذي الحجة .

  • أحد أيام أشهر الحج :

قال الله عز وجل :
” الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ “. (البقرة : 197)

وأشهر الحج هي : شوال ، ذو القعدة ، ذو الحجة .

  • أحد الأيام المعلومات :

التي أثنى الله عليها في كتابه ، قال الله تعالى :
” لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ “. (الحج : 28)

قال ابن عباس رضي الله عنهما : الأيام المعلومات : عشر ذي الحجة .

  • أكمل الله فيه الملة :

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : إن رجلًا من اليهود قال : يا أمير المؤمنين ، آية في كتابكم تقرؤونها ، لو علينا -معشر اليهود- نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدًا .. قال : أي آية ؟ قال : ” الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا “. (المائدة : 5)
قال عمر رضي الله عنه : قد عرفنا ذلك اليوم الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم بعرفة يوم الجمعة .

  • صيام يوم عرفة :

” يُكَفّر السنة الماضية والسنة القابلة “. (رواه مسلم)

وهذا لغير الحاج ، وأما الحاج فلا يسن له صيام يوم عرفة ؛ لأنه يوم عيد لأهل الموقف .

  • خير الدعاء يوم عرفة :

قال النبي صلى الله عليه وسلم :
” خير الدعاء دعاء يوم عرفة “. (صححه الألباني في كتابه السلسة الصحيحة)

  • كثرة العتق من النار في يوم عرفة :

قال النبي صلى الله عليه وسلم :
” ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدًا من النار من يوم عرفة “. (رواه مسلم)

  • مباهاة الله بأهل عرفة أهل السماء :

قال النبي صلى الله عليه وسلم :
” إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء “. (رواه أحمد وصحح إسناده الألباني)

  • التكبير :

ذكر العلماء أن التكبير ينقسم إلى قسمين : التكبير المقيد الذي يكون عقب الصلوات المفروضة ويبدأ من فجر يوم عرفة ، قال ابن حجر رحمه الله : ولم يثبت في شيء من ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث ، وأصح ما ورد عن الصحابة قول علي وابن مسعود رضي الله عنهم : أنه من صبح يوم عرفة إلى آخر أيام منى .
وأما التكبير المطلق فهو الذي يكون في عموم الأوقات ويبدأ من أول ذي الحجة ؛ حيث كان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهم يخرجون إلى السوق يكبرون ويكبر الناس بتكبيرهما .

  • فيه ركن الحج الأكبر :

قال النبي صلى الله عليه وسلم :
” الحج عرفة “. (متفق عليه)

– ثلاث لذات :

من أجمل ما قرأت عن العبادة لله تبارك وتعالى :

قال عبدالله بن وهب رحمه الله :

لكل ملذوذ في الدنيا لذّة واحدة إلاّ العبادة لها ثلاث لذّات :

  1. إذا كنت فيها .
  2. وإذا تذكرت أنك أديتها .
  3. وإذا أُعطيت ثوابها .

– فضائل عشر :

قال ابن الجوزي رحمه الله :

اعلموا رحمكم الله أن عشركم هذه ليست كعشر !

وهي تحتوي على فضائل عشر :

• الأولى : أَن اللَّه عز وجل أقسم بها فقال : ” وَلَيالٍ عَشْرٍ “.

وإذا أقسم العظيم بشيء [ عظَّمه ].

• الثانية : أنه سمّاها الأيام المعلومات فقال تعالى : ” وَيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ فِيۤ أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ “.

قال ابن عباس : هي أيام العشر .

• الثالثة : أن رسول الله ﷺ شهد لها بأنها أفضل أيام الدنيا .

• الرابعة : حثه ﷺ على أفعال الخير فيها .

• الخامسة : أنه أمر فيها بكثرة التسبيح والتحميد والتهليل .

• السادسة : أَن فيها يوم التروية .

• السابعة : أن فيها يوم عرفة وصومه يكفر سنتين .

• الثامنة : أن فيها ليلة جمع ؛ وهي ليلة المزدلفة .

• التاسعة : أن فيها الحج الذي هو ركن من أركان الإسلام الخمسة .

• العاشرة : وقوع الأضحية التي هي علم للملة الإبراهيمية والشريعة المحمدية .

( التبصرة لـ ابن الجوزي : ١٢٧/٢ ).

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى