سيرة الحبيب ﷺ

عداء قريش لرسول الله ﷺ

عداء قريش لرسول الله ﷺ :

( ٢٨ ) الحلقة الثامنة والعشرون من سيرة الحبيب ﷺ :

فلنبدأ بالصلاة والسلام على خير الأنام وآله وصحبه الكرام .

تكلمنا بالتفصيل في الحلقة السابقة عن قصة عُقبة بن أبي مُعَيْطٍ ، وهو أحد الكافرين الذين اشتد إيذاؤهم للنبي صلى الله عليه وسلم .

وعرفنا كيف أنه خنق النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم عند الكعبة خنقًا شديدًا ، فلم ينقذه منه إلا الصِّدِّيق أبو بكر رضي الله عنه .

وعن بطولة الصِّدِّيق رضي الله عنه وشجاعته وبذله نفسه فداءً للنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم يحكي لنا عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ، الذي خطب يومًا فقال :
{ من أشجع الناس؟ } ، فقالوا : أنت .. قال : أما إني ما بارزني أحد إلا أنصفت منه ، ولكنه أبو بكر ، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذته قريش ، فهذا يجؤه ( أي يدفَعُهُ بجُمْع كفِّه في الصَّدر أَو العُنق ) وهذا يتلقاه ، ويقولون له : أنت تجعل الآلهة إلهًا واحدًا ، فوالله ما دنا منا أحد إلا أبو بكر يضرب هذا ويدفع هذا ، ويقول : { ويلكم أتقتلون رجلًا أن يقول ربي الله؟! } ، ثم بكى عليٌّ ، ثم قال : { أنشدكم الله أمؤمن آل فرعون أفضل أم أبو بكر؟ } ( يقصد مؤمن آل فرعون الذي ذكره الله تعالى في سورة غافر ) فسكت القوم ، فقال عليٌّ : { والله لساعة من أبي بكر خير منه ، ذاك رجل يكتم إيمانه ، وهذا يعلن إيمانه }.

فلله دَرُّك يا أبا بكر ، كم فديت رسول الله ﷺ بنفسك ومالك ، ولم تَخَف في الله لومة لائم .

واستمر عداء قريش وإيذاء المشركين لرسول الله صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا معه منذ أن بدأ يجهر بدعوته بعد نزول قوله تعالى : ” فَٱصۡدَعۡ بِمَا تُؤۡمَرُ وَأَعۡرِضۡ عَنِ ٱلۡمُشۡرِكِینَ “. (الحِجر : ٩٤)

فقامت قريش بكل قوتها تقاوم دعوة الحق .

فهل تعرفون لماذا اتخذت قريشٌ هذا الموقف العدائي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوته ؟

لأنها عرفت ما يقتضيه الإيمان بالله ، ونفي الألوهية عمن سواه ، ومعنى الإيمان بالرسالة وباليوم الآخِر ، وما يستلزمه ذلك من استسلام وتفويض مُطلَق لله وحده ، بحيث لا يبقى لهم خيار في أنفسهم وأموالهم ، ومعنى ذلك ذهاب سيادتهم وكبريائهم على العرب الذي استمدوه من وجود الكعبة بمكة المكرمة .

كما عرفت ما يقتضيه ذلك الإيمان من الامتناع عن السيئات التي كانوا يجترحونها صباح مساء ، مثل عبادة الأوثان والزنا وأكل الربا وأكل أموال اليتامى .

ولذلك أبت نفوسهم قبول الحق !

ولكن ماذا سيفعلون أمام رجل صادق أمين ، لم يعرفوا له نظيرًا ولا مثيلًا ، قد اجتمعت فيه مكارم الأخلاق ، صلى الله عليه وسلم .

فاحتارت قريش ، ثم قررت اتباع كل الأساليب الممكنة لإيذاء النبي صلى الله عليه وسلم وصَدّه عن دعوته ، وكان من بين هذه الأساليب :

السخرية والتحقير والاستهزاء والتكذيب :
وقصدوا بذلك تخذيل المسلمين ، وتوهين قواهم المعنوية ، فرموا النبي صلى الله عليه وسلم بشتائم سفيهة ، فكانوا ينادونه بالمجنون ، ” وَقَالُوا۟ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِی نُزِّلَ عَلَیۡهِ ٱلذِّكۡرُ إِنَّكَ لَمَجۡنُونࣱ “. (الحجر : ٦)
ويصفونه بالساحر والكاذب ، ” وَعَجِبُوۤا۟ أَن جَاۤءَهُم مُّنذِرࣱ مِّنۡهُمۡۖ وَقَالَ ٱلۡكَـٰفِرُونَ هَـٰذَا سَـٰحِرࣱ كَذَّابٌ “. (ص : ٤)
وكان إذا جلس ﷺ وحوله المستضعفون من أصحابه استهزأوا بهم تقليلًا من شأنهم وتحقيرًا لهم ، وقالوا : أهؤلاء جلساؤك ؟ ” أَهَـٰۤؤُلَاۤءِ مَنَّ ٱللهُ عَلَیۡهِم مِّنۢ بَیۡنِنَاۤ “. (الأنعام : ٥٣)

تشويه تعاليمه ﷺ ورسالته ، وإثارة الشبهات ، والدعاوى الكاذبة حول ذاته ﷺ وشخصيته ، والإكثار من ذلك :
فكانوا يقولون عن القرآن أنه إفك ( أي كذب ).
” وَقَالَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوۤا۟ إِنۡ هَـٰذَاۤ إِلَّاۤ إِفۡكٌ ٱفۡتَرَىٰهُ وَأَعَانَهُۥ عَلَیۡهِ قَوۡمٌ ءَاخَرُونَۖ فَقَدۡ جَاۤءُو ظُلۡمࣰا وَزُورࣰا “. (الفرقان : ٤)
” وَقَالُوۤا۟ أَسَـٰطِیرُ ٱلۡأَوَّلِینَ ٱكۡتَتَبَهَا فَهِیَ تُمۡلَىٰ عَلَیۡهِ بُكۡرَةࣰ وَأَصِیلࣰا “. (الفرقان : ٥)
وكانوا يقولون : ” إِنَّمَا یُعَلِّمُهُۥ بَشَرࣱ “. (النحل : ١٠٣)
وكانوا يقولون عن الرسول صلى الله عليه وسلم : ” وَقَالُوا۟ مَالِ هَـٰذَا ٱلرَّسُولِ یَأۡكُلُ ٱلطَّعَامَ وَیَمۡشِی فِی ٱلۡأَسۡوَاقِ لَوۡلَاۤ أُنزِلَ إِلَیۡهِ مَلَكࣱ فَیَكُونَ مَعَهُۥ نَذِیرًا “. (الفرقان : ٧)

وصف القرآن بأساطير الأولين وإشغال الناس بذلك عنه :
فقد كان النضر بن الحارث من شياطين قريش ، وكان يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وينصب له العداوة .
وقد رُوي أن النضر ابن الحارث قال مرة لقريش :
يا معشر قريش ، إنه والله قد نزل بكم أمر ما أتيتم له بحيلة بعد ، قد كان محمد فيكم غلامًا حدثًا أرضاكم فيكم ، وأصدقكم حديثًا ، وأعظمكم أمانة ، حتى إذا رأيتم في صدغيه الشيب ، وجاءكم بما جاءكم به ، قلتم ساحر ، لا والله ما هو بساحر ، لقد رأينا السحرة ونفثهم وعقدهم ؛ وقلتم كاهن ، لا والله ما هو بكاهن ، قد رأينا الكهنة وتخالجهم وسمعنا سجعهم ؛ وقلتم شاعر ، لا والله ما هو بشاعر ، قد رأينا الشعر ، وسمعنا أصنافه كلها : هزجه ورجزه ، وقلتم مجنون ، لا والله ما هو بمجنون ، لقد رأينا الجنون فما هو بخنقه ، ولا وسوسته ، ولا تخليطه ، يا معشر قريش ، فانظروا في شأنكم ، فإنه والله لقد نزل بكم أمر عظيم .

وكان النضر بن الحارث يخرج تاجرًا إلى فارس فيشتري أخبار الأعاجم فيرويها ، ويُحَدِّث بها قريشًا ، فكانوا يستملحون حديثه ( أي يُعجبون به ) ويتركون استماع القرآن .

فنزل فيه قول الله تعالى : ” وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ ٱلْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ” ، كما قال بعض المفسرين .

فهل اكتفت قريش بهذه الأساليب الوضيعة لصد الناس عن دعوة الحق ؟

سنعرف في الحلقة القادمة بإذن الله .

ندعوكم لقراءة : إيذاء المشركين لرسول الله ﷺ 2

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى