صاحب التصانيف الكثيرة

صاحب التصانيف الكثيرة :

هو الإمام العلامة ، والحبر الفَهَّامة ، ما أحسن كلامه ، وأتم نظامه .
يقول النظم الرائق ، والنثر الفائق .

كان ذا حظٍ عظيم ، وصيتٍ بعيد في الوعظ ؛ فكان يحضر مجالسه الملوك والوزراء ، وبعض الخلفاء ، والأئمة والكبراء ، ولا يكاد مجلسه ينقص عن الآلاف في المسجد وفي الخلاء .

مجموع تصانيفه مائتان ونيف وخمسون كتابًا ؛ منها الأذكياء .

وصيد الخاطر ، وتلبيس إبليس ، وأخبار النساء .

ومنها : صفوة الصفوة ، وأخبار الأخيار ( من الأتقياء ).

والمنتظم في التاريخ ، والمدهش ، والضعفاء .

وكَتَبَ عن خير الأنبياء ، كتابًا تحت عنوان : الوفا بفضائل المصطفى ( يا له من وفاء ).

وكتب عن الشيخين كتابين هما : مناقب أبي بكر ، ومناقب عمر ، وهما أول وثاني الخلفاء .

وكتب عن مناقب علي ، زوج الزهراء .

وغير ذلك كثير ، كما جاء .. في سير أعلام النبلاء .

قال فيه الإمام ابن كثير عند ترجمته له : { وكان -وهو صبي- ديِّنًا مُنجمعًا على نفسه لا يخالط أحدًا ، ولا يأكل ما فيه شبهة ، ولا يخرج من بيته إلا للجمعة ، وكان لا يلعب مع الصبيان }.

وقال هو واصفًا نفسه في صغره : { كنت في زمان الصبا آخذ معي أرغفة يابسة فأخرج في طلب الحديث ، وأقعد على نهر عيسى ، فلا أقدر على أكلها إلا عند الماء ، فكلما أكلت لقمة شربت عليها شربة ، وعين همتي لا ترى إلا لذة تحصيل العلم }.

كان له دور كبير ومشاركة فعالة في الخدمات الاجتماعية ، وقد بنى مدرسة بدرب دينار ، وأسس فيها مكتبة كبيرة ووقف عليها كتبه ، وكان يدرس أيضًا بعدة مدارس ، ببغداد .

قال الإمام الذهبي عنه في السير : { الشيخ الإمام العلامة ، الحافظ المفسر ، شيخ الإسلام مفخر العراق ، جمال الدين ، أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن عبيد الله بن عبدالله بن حمادي بن أحمد بن محمد بن جعفر بن عبدالله بن القاسم بن النضر بن القاسم بن محمد بن عبدالله ابن الفقيه عبد الرحمن ابن الفقيه القاسم بن محمد ابن خليفة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبي بكر الصديق ، القرشي التيمي البكري البغدادي ، الحنبلي ، الواعظ ، صاحب التصانيف }.

وُلد سنة تسع أو عشر وخمسمائة .

وأول شيء سمع في سنة ست عشرة .

سمع من أبي القاسم بن الحصين ، وأبي عبدالله الحسين بن محمد البارع ، وعلي بن عبد الواحد الدينوري ، وأحمد بن أحمد المتوكلي ، وإسماعيل بن أبي صالح المؤذن ، والفقيه أبي الحسن بن الزاغوني ، وهبة الله بن الطبر الحريري ، وأبي غالب بن البناء ، وأبي بكر محمد بن الحسين المزرفي ، وأبي غالب محمد بن الحسن الماوردي ، وأبي القاسم عبدالله بن محمد الأصبهاني الخطيب ، والقاضي أبي بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري ، وإسماعيل بن السمرقندي ، ويحيى بن البناء ، وعلي بن الموحد ، وأبي منصور بن خيرون ، وبدر الشيحي ، وأبي سعد أحمد بن محمد الزوزني ، وأبي سعد أحمد بن محمد البغدادي الحافظ ، وعبد الوهاب بن المبارك الأنماطي الحافظ ، وأبي السعود أحمد بن علي بن المجلي ، وأبي منصور عبد الرحمن بن زريق القزاز ، وأبي الوقت السجزي ، وابن ناصر ، وابن البطي ، وطائفة مجموعهم نيف وثمانون شيخًا قد خرج عنهم [ مشيخة ] في جزأين .

وكان رأسًا في التذكير بلا مدافعة ، يقول النظم الرائق ، والنثر الفائق بديهًا ، ويسهب ويعجب ، ويطرب ، ويطنب ، لم يأت قبله ولا بعده مثله ، فهو حامل لواء الوعظ ، والقيم بفنونه ، مع الشكل الحسن ، والصوت الطيب ، والوقع في النفوس ، وحسن السيرة ، وكان بحرًا في التفسير ، علامة في السير والتاريخ ، موصوفًا بحسن الحديث ، ومعرفة فنونه ، فقيهًا ، عليمًا بالإجماع والاختلاف ، جيد المشاركة في الطب ، ذا تفنن وفهم وذكاء وحفظ واستحضار ، وإكباب على الجمع و التصنيف ، مع التصون والتجمل ، وحسن الشارة ، ورشاقة العبارة ، ولطف الشمائل ، والأوصاف الحميدة ، والحرمة الوافرة عند الخاص والعام ، ما عرفت أحدًا صنَّف ما صنَّف .

– اليتيم :

تُوفي أبوه وله ثلاثة أعوام ، فربته عمته ، وأقاربه كانوا تجارًا في النحاس ، فربما كُتب اسمه في السماع عبد الرحمن بن علي الصفار.

ثم لما ترعرع ، حملته عمته إلى ابن ناصر ، فأسمعه الكثير ، وأحب الوعظ ، ولهج به ، وهو مراهق ، فوعظ الناس وهو صبي ، ثم ما زال نافق السوق معظمًا متغاليًا فيه ، مزدحمًا عليه ، مضروبا برونق وعظه المثل ، كماله في ازدياد واشتهار ، إلى أن مات -رحمه الله وسامحه- فليته لم يخض في التأويل ، ولا خالف إمامه .

صنف في التفسير [ المغني ] كبيرًا ، ثم اختصره في أربع مجلدات ، وسماه : [ زاد المسير ] ، وله [ تذكرة الأريب ] في اللغة ، مجلد ، [ الوجوه والنظائر ] مجلد ، [ فنون الأفنان ] مجلد ، [ جامع المسانيد ] سبع مجلدات وما استوعب ولا كاد ، [ الحدائق ] مجلدان ، [ نقي النقل ] مجلدان ، [ عيون الحكايات ] مجلدان ، [ التحقيق في مسائل الخلاف ] مجلدان ، [ مشكل الصحاح ] أربع مجلدات ، [ الموضوعات ] مجلدان ، [ الواهيات ] مجلدان .

[ الضعفاء ] مجلد ، [ تلقيح الفهوم ] مجلد ، [ المنتظم في التاريخ ] عشرة مجلدات . [ المذهب في المذهب ] مجلد ، [ الانتصار في الخلافيات ] مجلدان ، [ مشهور المسائل ] مجلدان ، [ اليواقيت ] وعظ ، مجلد ، [ نسيم السحر ] مجلد ، [ المنتخب ] مجلد ، [ المدهش ] مجلد ، [ صفوة الصفوة ] أربع مجلدات ، [ أخبار الأخيار ] مجلد ، [ أخبار النساء ] مجلد ، [ مثير العزم الساكن ] مجلد ، [ المقعد المقيم ] مجلد ، [ ذم الهوى ] مجلد ، [ تلبيس إبليس ] مجلد . [ صيد الخاطر ] ثلاث مجلدات ، [ الأذكياء ] مجلد ، [ المغفلين ] مجلد ، [ منافع الطب ] مجلد ، [ صبا نجد ] مجلد ، [ الظرفاء ] مجلد ، [ الملهب ] مجلد ، [ المطرب ] مجلد ، [ منتهى المشتهى ] مجلد ، [ فنون الألباب ] مجلد ، [ المزعج ] مجلد ، [ سلوة الأحزان ] مجلد ، [ منهاج القاصدين ] مجلدان ، [ الوفا بفضائل المصطفى ] مجلدان . [ مناقب أبي بكر ] مجلد ، [ مناقب عمر ] مجلد ، [ مناقب علي ] مجلد ، [ مناقب إبراهيم بن أدهم ] مجلد ، [ مناقب الفضيل ] مجلد ، [ مناقب بشر الحافي ] مجلد ، [ مناقب رابعة ] جزء ، [ مناقب عمر بن عبد العزيز ] مجلد ، [ مناقب سعيد بن المسيب ] جزءان ، [ مناقب الحسن ] جزءان ، [ مناقب الثوري ] مجلد ، [ مناقب أحمد ] مجلد ، [ مناقب الشافعي ] مجلد ، [ موافق المرافق ] مجلد ، مناقب غير واحد جزء جزء ، [ مختصر فنون ابن عقيل ] في بضعة عشر مجلدًا ، [ مناقب الحبش ] مجلد ، [ لباب زين القصص ] ، [ فضل مقبرة أحمد ] ، [ فضائل الأيام ] ، [ أسباب البداية ] ، [ واسطات العقود ] ، [ شذور العقود في تاريخ العهود ] ، [ الخواتيم ] ، [ المجالس اليوسفية ] ، [ كنوز العمر ] ، [ إيقاظ الوسنان بأحوال النبات والحيوان ] ، [ نسيم الروض ] ، [ الثبات عند الممات ] ، [ الموت وما بعده ] مجلد ، [ ديوانه ] عدة مجلدات ، [ مناقب معروف ] ، [ العزلة ] ، [ الرياضة ] ، [ كان وكان ] في الوعظ ، [ خطب اللآلئ ] ، [ الناسخ والمنسوخ ] ، [ مواسم العمر ] ، [ أعمار الأعيان ] وأشياء كثيرة تركتها ، ولم أرها .

وكان ذا حظ عظيم ، وصيت بعيد في الوعظ ، يحضر مجالسه الملوك والوزراء وبعض الخلفاء والأئمة والكبراء ، لا يكاد المجلس ينقص عن ألوف كثيرة ، حتى قيل في بعض مجالسه : إن حزر الجمع بمائة ألف .. ولا ريب أن هذا ما وقع ، ولو وقع ، لما قدر أن يسمعهم ، ولا المكان يسعهم .

قال سبطه أبو المظفر : { سمعت جدي على المنبر يقول : بأصبعي هاتين كتبت ألفي مجلدة ، وتاب على يدي مائة ألف ، وأسلم على يدي عشرون ألفًا }.

وكان يختم في الأسبوع .

ثم سرد سبطه تصانيفه ، فذكر منها كتاب [ المختار في الأشعار ] عشر مجلدات ، [ درة الإكليل ] في التاريخ ، أربع مجلدات ، [ الأمثال ] مجلد ، [ المنفعة في المذاهب الأربعة ] مجلدان ، [ التبصرة في الوعظ ] ، ثلاث مجلدات ، [ رءوس القوارير ] مجلدان .
ثم قال : ومجموع تصانيفه مائتان ونيف وخمسون كتابًا .

قلت : وكذا وجد بخطه قبل موته أن تواليفه بلغت مائتين وخمسين تأليفًا .

– جده التاسع :

وجعفر الذي هو جده التاسع ، قال ابن دحية : جعفر هو الجوزي ، نسب إلى فرضة من فرض البصرة يقال لها : جوزة .
وقيل : كان في داره جوزة لم يكن بواسط جوزة سواها .
وفرضة النهر ثلمته ، وفرضة البحر محط السفن .

قال أبو المظفر : { جدي قرأ القرآن ، وتفقه على أبي بكر الدينوري الحنبلي ، وابن الفراء }.

قلت : وقرأ القرآن على سبط الخياط .

وعني بأمره شيخه ابن الزاغوني ، وعلمه الوعظ ، واشتغل بفنون العلوم ، وأخذ اللغة عن أبي منصور بن الجواليقي ، وربما حضر مجلسه مائة ألف ، وأوقع الله له في القلوب القبول والهيبة .

قال : وكان زاهدًا في الدنيا ، متقللًا منها ، وكان يجلس بجامع القصر والرصافة وبباب بدر وغيرها .. إلى أن قال : وما مازح أحدًا قط ، ولا لعب مع صبي ، ولا أكل من جهة لا يتيقن حِلها .

وقال أبو عبدالله بن الدبيثي في [ تاريخه ] : { شيخنا جمال الدين صاحب التصانيف في فنون العلوم من التفسير والفقه والحديث والتواريخ وغير ذلك ..
وإليه انتهت معرفة الحديث وعلومه ، والوقوف على صحيحه من سقيمه ، وكان من أحسن الناس كلامًا ، وأتمهم نظامًا ، وأعذبهم لسانًا ، وأجودهم بيانًا }.

تفقه على الدينوري ، وقرأ الوعظ على أبي القاسم العلوي ، وبورك له في عمره وعلمه ، وحدث بمصنفاته مرارًا .

– من شعره :

يا ساكن الدنيا تأهبْ … وانتظر يوم الفراقِ

وأعد زادًا للرحيلِ … فسوف يحدى بالرفاقِ

وابكِ الذنوبَ بأدمعٍ … تنهل من سحب المآقي

يا من أضاع زمانَهُ … أرضيت ما يَفْنَى بباقِ

– محنته :

وقد ناله محنة في أواخر عمره ، ووشوا به إلى الخليفة الناصر عنه بأمر اختُلف في حقيقته ، فجاء من شتمه ، وأهانه ، وأخذه قبضًا باليد ، وختم على داره ، وشتت عياله ، ثم أُقعد في سفينة إلى مدينة واسط ، فحبس بها في بيت حرج ، وبقي هو يغسل ثوبه ، ويطبخ الشيء ، فبقي على ذلك خمس سنين ما دخل فيها حمامًا .

وكان السبب في خلاص الشيخ أن ولده يوسف نشأ واشتغل ، وعمل في هذه المدة الوعظ وهو صبي ، وتوصل حتى شفعت أم الخليفة ، وأطلقت الشيخ ، وأتى إليه ابنه يوسف ، فخرج ، وما رد من واسط حتى قرأ هو وابنه بتلقينه بالعشر على ابن الباقلاني ، وسن الشيخ نحو الثمانين ، فانظر إلى هذه الهمة العالية .

– وفاته :

مرض خمسة أيام ، وتوفي ليلة الجمعة بين العشاءين الثالث عشر من رمضان سنة سبع وتسعين وخمسمائة في داره بقطفتا .

وحضر غسله الشيخ ابن سكينة وقت السحر ، وغلقت الأسواق ، وجاء الخلق ، وصلى عليه ابنه أبو القاسم علي اتفاقًا ؛ لأن الأعيان لم يقدروا من الوصول إليه ، ثم ذهبوا به إلى جامع المنصور ، فصلوا عليه ، وضاق بالناس ، وكان يومًا مشهودًا ، فلم يصل إلى حفرته بمقبرة أحمد إلى وقت صلاة الجمعة .

وأنزل في الحفرة ، والمؤذن يقول : الله أكبر ، وحزن عليه الخلق ، وباتوا عند قبره طول شهر رمضان يختمون الختمات ، بالشمع والقناديل .

ورآه في تلك الليلة المحدث أحمد بن سلمان السكر في النوم وهو على منبر من ياقوت ، وهو جالس في مقعد صدق والملائكة بين يديه.

يا كثير العفو عمن كثر الذنب لديه

جاءك المذنب يرجو الصفح عن جرم يديه

أنا ضيف وجزاء الضيف إحسان إليه


إنه الإمام العَلَم صاحب التصانيف الكثيرة : أبو الفرج الجوزي .

رحمه الله رحمة واسعة .

ندعوكم لقراءة : أصحاب السنن

Exit mobile version