لغة الضاد

رحمة ورحمت

رحمة ورحمت :

من عظمة القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيلٌ من حكيم حميد ، أنه حدثنا عن ملحدين ، ومكذبين ، ومنافقين ، وغيرهم ، سيكون همهم الجدال بهدف التشكيك في القرآن الكريم ، ليس بهدف الوصول إلى الحقيقة .

ولقد أخبرنا الملك بحقيقة هؤلاء وأساليبهم ومصيرهم ، وهذا من إعجاز القرآن .

ومثل هذا التشكيك قديمٌ ، حديث ، يتناوله هؤلاء الحاقدون جيلًا من بعد جيل ، ولكن الله غالبٌ على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .

– قال الله تعالى :

” إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ ٱلْمُحْسِنِينَ “. (الأعراف : 56)

زعمموا أن هذا الكلام ( وهو كلام الملك عز وجل ) لا يتوافق مع قواعد اللغة العربية ، وقالوا : لماذا لم يُتْبَعْ خبرُ { إن } وهو : { قريب } اسمها ، وهو { رحمت } في التأنيث ، وكان حقه أن يقول : ( إن رحمة الله قريبة ) إذ ينبغي أن توافق الصفةُ الموصوفَ تذكيرًا وتأنيثًا ، وإفرادًا وتثنيةً وجمعًا .

وهنا ينبري العلماء المخلصون الذين يفهمون دقائق اللغة العربية ردًّا على هذه الشُّبهة بقولهم :

بدايةً : إن كلمة { رحمت } في الآية التي بين أيدينا ، قد كُتبت بالتاء المفتوحة في المصحف الشريف ، وليس بالتاء المربوطة ، كما هي في الكتابة الإملائية المعتادة ؛ وتعليل ذلك أنها هكذا رُسمت في المصحف العثماني .

وإذا تبين هذا ، نشرع في الإجابة عن هذه الشبهة ، فنقول : إن للعلماء توجيهات عديدة في الإجابة عن هذه الشبهة ، بيد أننا نقتصر هنا على أقوى تلك التوجيهات ، وأقومها رشدًا ، وأقصدها سبيلًا .

فمن تلك التوجيهات قولهم : إن من أساليب اللغة العربية ، أن القرابة إذا كانت قرابة نسب ، تعيَّن التأنيث فيها في الأنثى ؛ فتقول : هذه المرأة قريبتي ؛ أي : في النسب ؛ ولا تقول : قريب مني .

وإن كانت القرابة قرابة مسافة ، جاز التذكير والتأنيث ؛ فتقول : داره قريب وقريبة مني .

قالوا : ويدل لهذا التوجيه ، قوله تعالى : ” وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ قَرِيبٌ “. (الشورى : 17)

وأيضًا قوله سبحانه : ” وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا “. (الأحزاب : 63)

ومن هذا القبيل ، قول امرئ القيس :

له الويل إن أمسى ولا أم هاشم … قريب ولا البسباسة ابنة يشكرا

فذكَّر ( قريب ) مع أنه صفة لمؤنث ، باعتبار أن القرابة قرابة مكانية لا نَسَبِيَّة .

ومنه أيضًا ، قول عروة بن الورد :

عشية لا عفراء منك قريبة … فتدنو ولا عفراء منك بعيد

فأنَّث ( قريبة ) وذكَّر ( بعيدًا ) على ما تقدم .

ولو كان القريب ، من القرابة في النسب ، لم يكن مع المؤنث إلا مؤنثًا ؛ فهذا التوجيه الأول للآية .

التوجيه الثاني قولهم : إن صيغة ( فعيل ) تأتي على ضَربين ، أحدهما : بمعنى ( فاعل ) كقدير ، وسميع ، وعليم .

والثاني : تأتي بمعنى ( مفعول ) كقتيل ، وجريح ، وكحيل ؛ كله بمعنى ( مفعول ).

فإذا أتت بمعنى ( فاعل ) فحقُّها إلحاق تاء التأنيث مع المؤنث دون المذكر ؛ كجميل وجميلة ، وشريف وشريفة ، وصبيح وصبيحة ، وصبي وصبية ، ومليح ومليحة، وطويل وطويلة ونحو ذلك .

وإذا أتت بمعنى ( مفعول ) فلا تخرج عن حالين : إما أن تكون الصفة مصاحبة للموصوف ، أو منفردة عنها ؛ فإن كانت الصفة مصاحبة للموصوف ، استوى فيها المذكر والمؤنث ؛ تقول : رجل قتيل ، وامرأة قتيل ، ورجل جريح ، وامرأة جريح ؛ وإن لم تكن الصفة مصاحبة للموصوف ، فإنها تؤنث ، إذا جرت على المؤنث ، نحو قتيلة بني فلان .

وهذا المسلك هو من أقوى مسالك النحاة في توجيه الآية .

وثمة توجيه آخر للآية حاصله ، أن هذا من باب الاستغناء بأحد المذكورين عن الآخر ، لكونه تبعًا له ، ومعنًى من معانيه ؛ فإذا ذُكر أغنى عن ذكره ؛ لأنه يُفهم منه .

ومنه على أحد الوجوه قوله تعالى : ” إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ “. (الشعراء : 4)

فاستغني عن خبر ( الأعناق ) بالخبر عن أصحابها .

ومنه أيضًا في وجه ، قوله تعالى : ” وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ “. (التوبة : 62)

فالمعنى عليه : والله أحق أن يرضوه ، ورسوله كذلك .. فاستغنى بإعادة الضمير إلى الله ، إذ إرضاؤه هو ، إرضاء لرسوله ، فلم يحتج أن يقول : يرضوهما .

فعلى هذا ، يكون الأصل في الآية :
إن الله قريب من المحسنين ، وإن رحمة الله قريبة من المحسنين .
فاستُغْنيَ بخبر المحذوف عن خبر الموجود ، وسوَّغ ذلك ظهور المعنى .

وقريب من هذا ، ما ذكره ابن القيم رحمه الله :

{ إن الرحمة صفة من صفات الرب تبارك وتعالى ، والصفة قائمة بالموصوف لا تفارقه ؛ لأن الصفة لا تفارق موصوفها ، فإذا كانت رحمته سبحانه قريبة من المحسنين ، فالموصوف تبارك وتعالى أولى بالقرب منها ، بل قرب رحمته تعالى تَبَعٌ لقربه هو من المحسنين.

وقد تقدم في أول الآية ، إن الله تعالى قريب من أهل الإحسان بإثابته ، ومن أهل السؤال بإجابته ، وإن الإحسان يقتضي قرب الرب من عبده ، كما أن العبد قريب من ربه بالإحسان ، وإن من تقرب منه شبرًا ، تقرب الله منه ذراعًا ، ومن تقرب منه ذراعًا ، تقرب منه باعًا ، فالرب تبارك وتعالى قريب من المحسنين ، ورحمته قريبة منهم ، وقربه يستلزم قرب رحمته .

ففي حذف التاء ههنا تنبيه على هذه الفائدة العظيمة الجليلة .

إن الله تعالى قريب من المحسنين ، وذلك يستلزم القربين : قربه وقرب رحمته ؛ ولو قال : إن رحمة الله قريبة من المحسنين ، لم يدل على قربه تعالى منهم ؛ لأن قربه تعالى أخص من قرب رحمته ، والأعم لا يستلزم الأخص ، بخلاف قربه ، فإنه لما كان أخص استلزم الأعم ، وهو قرب رحمته }.

ثم قال -رحمه الله- بعد أن ذكر هذا التوجيه للآية :

{ فلا تستهن بهذا المسلك ، فإن له شأنًا ، وهو متضمن لسر بديع من أسرار الكتاب .. وهو من أليق ما قيل فيها .

وإن شئت قلت : قربه تبارك وتعالى من المحسنين ، وقرب رحمته منهم متلازمان ، لا ينفك أحدهما عن الآخر ، فإذا كانت رحمته قريبة منهم ، فهو أيضًا قريب منهم ، وإذا كان المعنيان متلازمين ، صح إرادة كل واحد منهما ، فكان في بيان قربه سبحانه من المحسنين ، من التحريض على الإحسان ، واستدعائه من النفوس ، وترغيبها فيه غاية حظ لها ، وأشرفه وأجلُّه على الإطلاق ، وهو أفضل إعطاء أُعطيه العبد ، وهو قربه تبارك وتعالى من عبده ، الذي هو غاية الأماني ، ونهاية الآمال ، وقرة العيون ، وحياة القلوب ، وسعادة العبد كلها .

فكان في العدول عن ( قريبة ) إلى ( قريب ) من استدعاء الإحسان ، وترغيب النفوس فيه ، ما لا يختلف بعده إلا من غلبت عليه شقاوته ، ولا قوة إلا بالله }.

على أن الآية الكريمة قد وجِّهت بتوجيهات أُخر ، لم نأتِ على ذكرها ؛ استغناء بما هو أولى بالاعتبار ، واقتصارًا على ما يفي بالمقام ، ودفعًا لم يثيره قاصري الأفهام .

وأيضًا يتبين بما تقدم ، أنه ليس ثمة إشكال في الآية ، وإنما الإشكال في الأذهان العليلة ، والعقول القاصرة ، عن فهم كلام العرب وأساليبهم التعبيرية ، والذي على وَفْقه نزل كلام الرحمن .

ندعوكم لقراءة : فوائد في اللغة

– الفرق بين رحمة ورحمة :

الأستاذ رضا الأشعل يدلو بدلوه ، فيقول :

الفرق بين ( رحمة – رحمت ) في التعبير القرآني :

من حيث البناء الصرفي لها حالتان :

أ) قطعها عن الإضافة سواء كانت معرفة أو نكرة ، وفي هذه الحالة تكون التاء فيها مربوطة ( رحمة ).
قال تعالى : ( ذٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ) جاءت نكرة .
( كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ ٱلرَّحْمَةَ ) جاءت معرفة .
وكلها مقطوعة عن الإضافة .

ب) وردت كلمة ( رحمة – رحمت ) مضافة إلى اسم من أسماء الله الحسنى إما إلى ( الله ) وإما إلى ( ربك ) واختلاف رسم التاء فيها ( رحمة – رحمت ) له دلالات ولطائف مثل :

1) ” وَأَمَّا ٱلَّذِينَ ٱبْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ ٱللَّهِ “.
2) ” قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا ٱلضَّآلُّونَ “.
3) ” قُل لَّوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي “.
4) ” أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ ٱلْعَزِيزِ ٱلْوَهَّابِ “.
5) ” قُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ “.

هذه خمسة أمثلة وردت فيها كلمة ( رحمة ) مضافة إلى اسم ظاهر من أسماء الله الحسنى ، وقد رسم فيها حرف التاء مربوطا ( ـة ).

وهذا هو منهج لغة القرآن في رسم هذه الكلمة سواء كانت معرفة أو نكرة أو حتى مضافة إلى اسم من أسماء الله الحسنى .

وهناك مواضع سبعة وردت فيها كلمة ( رحمت ) بالتاء المفتوحة :

1) ” أُوْلـٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ “.
2) ” إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ ٱلْمُحْسِنِينَ “.
3) ” قَالُوۤاْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ رَحْمَتُ ٱللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ “.
4) ” ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّآ “.
5) ” فَٱنظُرْ إِلَىٰ آثَارِ رَحْمَتِ ٱللَّهِ “.
6) ” أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ “.
7) ” وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ “.

*** المراد من ( رحمة ) مربوطة التاء : المعنى العام للرحمة .
وهو يشمل الرحمة المدخرة عند الله إلى أبد الآبدين ثم الرحمة الواقعية التي يتمتع بها الناس واقعًا ملموسًا في حياتهم .

*** وأما ( رحمت ) المفتوحة التاء فالمراد منها الرحمة الواقعية فحسب أي التي يَنعَم بها الناس الآن .
فما كان مدخرًا عند الله غير مستعمل فهو ( رحمة ).
وأما ما كان مستعملًا في حاضر الناس وآثاره مدركًا لهم كالماء الذي يشربونه والطعام الذي يأكلونه وصحة الأبدان والحواس فهو ( رحمت ).
وما كان عند الله من الرحمة الواسعة التي سينعم بها الناس في أوقات لاحقة فهو ( رحمة ).

هذا والله أعلم .

– وهذا ثالث يقول :

* الرحمة التي تأتي فيها التاء مبسوطة ( رحمت ) مفادها إنها رحمة بسطت بعد قبضها وأتت بعد شدة ، ودائمًا تكون مضافة مباشرة للفظ الجلالة عز وجل .

  • مثال : بعد مرور السنين الطويلة وتعدي الزوجة للسن التي تستطيع أن تحمل وتلد ، وتعطي الذرية فيها ، تأتي البشرى لإبراهيم عليه السلام وزوجه بالولد !

قال تعالى : ” قَالُوۤاْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ رَحْمَتُ ٱللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ “. (هود : 73)

  • وكذلك : استجابته لدعاء زكريا عليه السلام بطلب الولد !

قال تعالى : ” ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّآ “. (مريم : 2)

ثم يفصل تعالى بعدها قصة وهب يحيى لزكريا عليهما السلام ، ففتحت هذه الرحمة لهما بعد قبضها زمنًا طويلًا !

  • وبعد قبض المطر عن النزول وموت الأرض ، يأتي الغيث وتستمر الحياة بهذه الرحمة التي بُسطت .

قال تعالى : ” فَٱنظُرْ إِلَىٰ آثَارِ رَحْمَتِ ٱللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَآ إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ ٱلْمَوْتَىٰ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ “. (الروم : 50)

* أما الرحمة التي تأتي فيها التاء مربوطة فهي رحمة مرجوة لم تُفتح للسائل بعد .

  • مثال : العابد القانت الساجد آناء الليل ويحذر اﻵخرة فهو يرجو رحمة ربه في اﻵخرة ، ألا وهي الجنة ؛ التي هي مقفلة دونه في الحياة الدنيا ، وستفتح له يوم القيامة !

قال تعالى : ” أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَآءَ ٱلَّيلِ سَاجِدًا وَقَآئِمًا يَحْذَرُ ٱلآخِرَةَ وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبِّهِ “. (الزمر : 9)

  • أو هي رحمة موعود بها في قوله تعالى :

” فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَٱعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا “. (النساء : 175)

– مع الرأي الرابع :

على موقع [ إسلام ويب ] ، قالوا :

ليس في ذلك قاعدة ثابتة ، غير أن الواجب اتباع رسم المصحف في هذه الكلمة ونحوها .

مع العلم بأن القراء السبعة وغيرهم منهم من يقف على بعض هذه الكلمات المختومة بالتاء المربوطة بالهاء ، ومنهم من يقف عليها بالتاء كالكسائي وابن عامر مراعاة لرسمها .

وبالنسبة لكلمة رحمة ، فقد وردت بالتاء المفتوحة في سبعة مواضع بالقرآن الكريم ، وهذه المواضع السبعة هي :

1- الآية : 218 من سورة البقرة .

2- الآية : 56 من سورة الأعراف .

3- الآية : 73 من سورة هود .

4- الآية : 2 من سورة مريم .

5- الآية : 50 من سورة الروم .

6 و 7- الآية : 32 من سورة الزخرف .

قال في نهاية القول المفيد في علم التجويد : وقد جمعها شيخنا المتولي في بيتين من اللؤلؤ المنظوم فقال :

يرجون رحمة وذكر رحمت … ورحمت الله قريب فاثبت

ورحمة الله بهود مع إلى … آثار رحمة كزخرف كلا

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى