دقة القرآن الكريم ..
قال الله الملك الحق في كتابه العزيز :
” وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَٰذَا سِحْرٌ مُبِينٌ “. [الصف : 6]
تفسير الجلالين :
«و» اذكر «إذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل» لم يقل : يا قوم لأنه لم يكن له فيهم قرابة «إني رسول الله إليكم مصدقًا لما بين يديَّ» قبلي «من التوراة ومبشرًا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد» قال تعالى «فلما جاءهم» جاء أحمد الكفار «بالبينات» الآيات والعلامات «قالوا هذا» أي المجيء به «سحر» وفي قراءة ساحر ، أي الجائي به «مبين» بيِّن .
وفي التفسير الميسر :
واذكر -أيها الرسول لقومك- حين قال عيسى ابن مريم : إني رسول الله إليكم ، مصدِّقًا لما جاء قبلي من التوراة ، وشاهدًا بصدق رسول يأتي من بعدي اسمه ” أحمد ” ، وهو محمد صلى الله عليه وسلم ، وداعيًا إلى التصديق به ، فلما جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم بالآيات الواضحات ، قالوا : هذا الذي جئتنا به سحر بيِّن .
من بلاغة القرآن الكريم أنه أكد أن عيسى عليه السلام ليس له قوم !
يا لها من دقة لغوية متميّزة تتجلى في كتاب الله تعالى .
في قصص الأنبياء نجد أن كثيرًا من الأنبياء خاطبوا قومهم بكلمة يا قومِ .
نوح يقول : ” لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ “. [الأعراف : 59]
وهود عليه السلام يقول لقومه : ” وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ “. [هود : 50]
وكذلك صالح عليه السلام يقول لقومه : ” وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ “. [هود : 61]
ولوط كذلك: ” وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ “. (الأعراف : 80)
وموسى عليه السلام ينادي قومه في كثير من الآيات بقوله : ” وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ “. [البقرة : 54]
يقصد بني إسرائيل .
وكما نعلم أن موسى أُُرسل إلى بني إسرائيل .
ولكن ماذا عن عيسى وقد أُرسل إلى بني إسرائيل أيضًا ؟
الحال يختلف مع سيدنا عيسى ابن مريم عليه السلام ؛ فلا توجد أي آية في القرآن تجمع كلمة ( عيسى ) أو ( المسيح ) مع كلمة (قوم).
فكان يخاطبهم بقوله : يا بني إسرائيل دائمًا دون أي ذكر للقوم .
” وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ “. [المائدة : 72]
ويقول أيضًا : ” وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ “. [الصف : 6]
وهكذا في القرآن كله ، لا نجد ذكرًا لقوم عيسى !
والآية الوحيدة التي ذُكر فيها سيدنا عيسى مع كلمة ( قوم ) هي : ” وَ لَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ “. [الزخرف : 57]
وكلمة ( قَوْمُكَ ) هنا لا تدل على قوم عيسى ، بل قوم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ؛ لأن الخطاب في هذه الآية للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم !!!
أي أن عيسى ليس له قوم !
ما السرّ في ذلك ؟
حتى عندما تحدث القرآن عن السيدة مريم أم المسيح نسبها إلى قومها .
قال تعالى : ” فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا “. [مريم : 27]
ولكن المسيح لم يُنسب لأي قوم في القرآن .
ولكن لماذا سيدنا عيسى ليس له قوم مثل بقية المرسلين ؟
نسبة الإنسان تكون دائمًا لأبيه ؛ فالأب ينتمي لقبيلة أو قوم أو بلد .. وكذلك فإن الابن ينتمي لنفس القبيلة أو القوم أو البلد .
فسيدنا نوح ينتمي لأب من قومه ؛ ولذلك نُسب إليهم ، وسيدنا إبراهيم ينتمي لأبيه آزر من قومه فنُسب إلى قومه ، وهكذا ..
وهنا نتساءل : لمن ينتمي سيدنا عيسى ؟
طبعًا لا ينتمي لأي قوم ؛ لأنه وُلد بمعجزة ، وجاء إلى الدنيا من غير أب !!
ولذلك من الخطأ أن يقول المسيح لبني إسرائيل : يا قوم !!
وكان لابد أن يناديهم بقوله : يا بني إسرائيل .
وهذا ما فعله القرآن الكريم .
ولا توجد آية واحدة تشذّ عن هذه القاعدة .
لو تحدثنا بنفس المنطق وطرحنا السؤال التالي :
ماذا عن آدم عليه السلام ؟
نحن نعلم أنه جاء من غير أب ولا أم ؛ بل خلقه الله من تراب .
هل ذكر القرآن قوم آدم ؟
بالتأكيد لا يوجد أي ذكر لقوم آدم .
لو بحثنا في القرآن كله لا نجد أي آية تتحدث عن قوم آدم ، بل الآيات تتحدث عن بني آدم .
وهذا من دقة القرآن الكريم وإحكامه .
إذًا جميع البشر لهم قوم باستثناء نبيين كريمين ( آدم وعيسى عليهما السلام ).
وسؤال جديد : هل أغفل القرآن هذه الحقيقة : حقيقة عيسى وآدم ؟
أكيد لم يغفل ، فقد ذكر القرآن هذه الحقيقة في آية كريمة يقول تعالى فيها :
” إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ “. [آل عمران : 59]
هذه هي الآية الوحيدة في القرآن التي يجتمع فيها اسمي آدم وعيسى معًا .
فانظروا إلى دقة القرآن هذا الكتاب العظيم .
سبحان من هذا كلامه ، ولا يُقال لغيره : سبحان .