خير الناس
الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم هو خير الناس ، ويدعو إلى مساعدة الناس ؛ كما أمره رب الناس ، ملك الناس .
وقمة الإحساس ، أن يشعر المسلم بأخيه المسلم من الناس ، ويرفع عنه الالتباس ، ويساعده بالطعام واللباس ، وغير ذلك كما ورد في حديث معلم الناس صلى الله عليه وسلم .
عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
” أحبُّ الناسِ إلى اللهِ أنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ ، وأحبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سُرُورٌ يدْخِلُهُ على مسلمٍ ، أوْ يكْشِفُ عنهُ كُرْبَةً ، أوْ يقْضِي عنهُ دَيْنًا ، أوْ تَطْرُدُ عنهُ جُوعًا ، ولأنْ أَمْشِي مع أَخٍ لي في حاجَةٍ أحبُّ إِلَيَّ من أنْ اعْتَكِفَ في هذا المسجدِ ، يعني مسجدَ المدينةِ شهرًا ، ومَنْ كَفَّ غضبَهُ سترَ اللهُ عَوْرَتَهُ ، ومَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ ، ولَوْ شاءَ أنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ مَلأَ اللهُ قلبَهُ رَجَاءً يومَ القيامةِ ، ومَنْ مَشَى مع أَخِيهِ في حاجَةٍ حتى تتَهَيَّأَ لهُ أَثْبَتَ اللهُ قَدَمَهُ يومَ تَزُولُ الأَقْدَامِ ، ( وإِنَّ سُوءَ الخُلُقِ يُفْسِدُ العَمَلَ ، كما يُفْسِدُ الخَلُّ العَسَلَ )”.
( صححه الألباني / السلسلة الصحيحة : 906 ).
وفي رواية جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” المؤمن يألف ويؤلف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف وخير الناس أنفعهم للناس “.
( رواه الطبراني في الأوسط ).
- فوائد من الحديث :
بيان أن من تعدى نفعه للغير ، هو من خير الناس ومن أحبِّ الناس إلى الله ، و هذه منزلة عظيمة ، ودرجة عالية رفيعة ، ذلك أن محبة الله للعبد شيء عظيم ، فإن الله إذا أحب عبدًا أحبه أهل السماء ووُضِع له القبول في الأرض .
روى أبو هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” إذا أحب الله العبد ، نادى جبريل ، إن الله يحب فلانًا فأحببه ، فيحبه جبريل ، فينادي جبريل في أهل السماء ، إن الله يحب فلانًا فأحبوه ، فيحبه أهل السماء ، ثم يُوضَع له القبول في الأرض “.
( متفق عليه ).
وأفاد الحديث أيضًا ، أن مِن أحبِّ الأعمال إلى الله ، سرور تدخله على مسلم ، وهذا يختلف باختلاف الأحوال والأفراد .
قوله : ( ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحبُّ إلي من أن أعتكف في هذا المسجد ، يعني مسجد المدينة شهرًا ) ؛ وفي هذا إشارة إلى أن المشي في حاجة المسلمين ، وتقديم النفع لهم ، وقضاء حوائجهم ، أعظم أجرًا للإنسان ؛ لأن النفع المتعدي أفضل من النفع القاصر ، كما في الحديث الصحيح : ” والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه “. (رواه الحاكم وصححه)
الأصل في المسلم أنه يسعى لنفع الآخرين ، ولا يمنع عنهم نفعه في كل شأن من شؤون دينهم ودنياهم ، وأول ما يدخل في هذا أن يدلهم إلى ما يسعدهم في الآخرة ، بأن يعرفوا أمور دينهم ، ويلتزموا به .
مِنْ صُوَر النَّفع :
فمن هَدْي الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم قوله : ” أحَبُّ الناسِ إلى اللهِ أنفَعُهم للناسِ ” ؛ أي : أكثَر مَن يَنتفِعُ الناس بهم ، وهذا لا يقتصر على النَّفع المادي فقط ، ولكنَّه يمتد ليشمل النَّفعَ بالعِلمِ ، والنَّفع بالرأي ، والنَّفع بالنَّصيحة ، والنفعَ بالمَشورة ، والنفع بالجاه ، والنَّفعَ بالسُّلطان ، ونحوَ ذلك ، فكُلُّ هذه من صُوَر النَّفعِ التي تجعَلُ صاحِبَها يشرُفُ بحُبِّ اللهِ تبارك وتعالى له .
اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين .
– المعاملة الطيبة :
كتب السيد الطنطاوي في صحيفة [ البيان ] الإماراتية يقول :
نَفْع المسلم للآخرين سواء كانوا مسلمين أم غير مسلمين يدعو إليه الإسلام ويؤكد عليه ، وكم من غير المسلمين اعتنقوا الإسلام ليس عن طريق الدعوة المباشرة أو التعريف بالإسلام ، وإنما عن طريق المعاملة الطيبة التي يجدونها عند المسلمين ، وما دخول الأجانب في الإسلام عن طريق دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري في دبي إلا أكبر دليل على ذلك .
ففي شهر رمضان حضرت مؤتمرًا صحافيًّا في الدائرة للإعلان عن الفعاليات الثقافية الدينية خلال الشهر الكريم ، كنا على موعد مع مفاجأة ؛ وهذه المفاجأة كانت عبارة عن إشهار حوالي عشرة أشخاص إسلامهم ، أجمعوا كلهم على أن التعامل مع المسلمين ، والتواصل معهم كان من ضمن أسباب دخولهم في الإسلام واقتناعهم به .
وتحدثت سيدة روسية ، فأشارت إلى أن جارتها المسلمة كان لها الفضل في الإقبال على الإسلام بتعاملها الإنساني الراقي .
أَمْر الملك عز وجل : أَمَرَ الله -سبحانه وبحمده- بفعل الخير ، وعلـَّق عليه الفلاح فقال عز من قائل : ” وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ “. (الحج : 77)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
” إِنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : يَا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي ، قَالَ : يَا رَبِّ كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ، قَالَ : أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ ؟
يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي ، قَالَ : يَا رَبِّ وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ ، وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ؟
قَالَ : أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلانٌ ، فَلَمْ تُطْعِمْهُ ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي ، يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَسْقَيْتُكَ ، فَلَمْ تَسْقِنِي ، قَالَ : يَا رَبِّ كَيْفَ أَسْقِيكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ؟ قَالَ : اسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلانٌ فَلَمْ تَسْقِهِ ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي “.
( رواه مسلم ).
ندعوكم لقراءة : ٢٥ حديثًا نبويًا في الخيرية
– افعلوا الخير :
قال الله تبارك وتعالى :
” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ “. (الحج : 77)
يقول الدكتور محمد سيد طنطاوي في [ الوسيط ] لتفسير هذه الآية :
المراد بالركوع والسجود هنا : الصلاة ، وعبَّر عنها بهما ، لأنهما أهم أركانها ، وناداهم -سبحانه- بصفة الإيمان ، لحضهم على الامتثال لما أُمروا به .
أى : يا من آمنتم بالله تعالى وبملائكته وبكتبه وبرسله وباليوم الآخر ، حافظوا على أداء الصلاة في مواقيتها بخشوع وإخلاص ؛ لأن هذه الصلاة من شأنها أن تنهاكم عن الفحشاء والمنكر ، وأن ترفع درجاتكم عند خالقكم .
وقوله تعالى : وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ ؛ أى : واعبدوا ربكم الذي تولاكم برعايته وتربيته في كل مراحل حياتكم ، عبادة خالصة لوجهه الكريم .
وقوله : وَافْعَلُوا الْخَيْرَ ؛ تعميم بعد التخصيص ، إذ فِعْل الخير يشمل كل قول وعمل يرضي الله -تعالى- : كإنفاق المال في وجوه البر ، وكصلة الرحم ، وكالإحسان إلى الجار وكغير ذلك من الأفعال التي حضت عليها تعاليم الإسلام .
وقوله -تعالى- : لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ؛ تذييل قُصد به التحريض على امتثال ما أمرهم الله -تعالى- به ، والفلاح : الظفر بالمطلوب .
أى : أدوا الصلاة بخشوع ومواظبة ، واعبدوا ربكم عبادة خالصة ، وافعلوا الخير الذي يقربكم من خالقكم ، لكي تنالوا رضاه وثوابه -عز وجل- .
فكلمة «لعل» للتعليل ، ويصح أن تكون على معناها الحقيقي وهو الرجاء ، ولكن على تقدير صدوره من العباد ، فيكون المعنى : وافعلوا الخير حالة كونكم راجين الفلاح ، ومتوقعين الفوز والنجاح .
والمتأمل في هذه الآية الكريمة يراها أنها قد جمعت أنواع التكاليف الشرعية ، وأحاطت بها من كل جوانبها .
قال الآلوسى رحمه الله ، ما ملخصه : وهذه الآية آية سجدة عند الشافعى وأحمد ، لظاهر ما فيها من الأمر بالسجود ، ولحديث عقبة بن عامر قال : قلت يا رسول الله أفضلت سورة الحج على سائر القرآن بسجدتين ؟ قال : نعم ، فمن لم يسجدهما فلا يقرأهما .
وذهب أبو حنيفة ومالك إلى أنها ليست آية سجدة ؛ لأنها مقرونة بالأمر بالركوع ، والمعهود في مثله من القرآن ، كونه أمرًا بما هو ركن للصلاة ، كما في قوله -تعالى- : ” يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ ” ، وما رُوي من حديث عقبة إسناده ليس بالقوى .
– سرور تدخله على مسلم :
قال رسول الله ﷺ :
” أَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ : سُـرُورٌ تُدْخِلُـهُ عَلَى مُسْلِـمٍ “.
( السلسلة الصحيحة للألباني ).
حياتنا الدنيا مليئةٌ بالهموم والأحزان ، فلا تبخل على من حولك بما يدخل السرور عليهم .
– الجزاء من جنس العمل :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
” مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً ، فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ “.
( متفق عليه ).
– ذهب المفطرون بالأجر :
عن أنس رضي الله عنه ، قال :
كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ ، فَمِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا الْمُفْطِرُ ، قَالَ : فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا فِي يَوْمٍ حَارٍّ ، أَكْثَرُنَا ظِلًا صَاحِبُ الْكِسَاءِ ، وَمِنَّا مَنْ يَتَّقِي الشَّمْسَ بِيَدِهِ ، قَالَ : فَسَقَطَ الصُّوَّامُ ، وَقَامَ الْمُفْطِرُونَ ، فَضَرَبُوا الأَبْنِيَةِ وَسَقَوْا الرِّكَابَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” ذَهَبَ الْمُفْطِرُونَ الْيَوْمَ بِالأَجْرِ “.
( متفق عليه ).