ديننا الإسلام

خطورة الكلمة

خطورة الكلمة :

الكلمة -وما أدراك ما الكلمة- ؛ هي جنة أو نار ؛ فهناك كلمة تُرضي بها العزيز الغفار ، وأخرى تؤدي إلى غضب الرب القهار ؛ مصداقًا لقول نبينا المختار صلى الله عليه وآله وصحبه الأخيار الأطهار وسلم ، القائل فيما ورد عنه :

” إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما يلقي لها بالًا يرفعه الله بها درجات ، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى لا يلقي لها بالًا يهوي بها في جهنم “. (رواه البخاري)

وفي الحديث المتفق على صحته للإمامين للبخاري ومسلم ، قال صلى الله عليه وسلم :
” إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها ؛ يزل بها إلى النار أبعد ما بين المشرق والمغرب “.

ومعنى ” يتبين ” : يفكر أنها خيرٌ أم لا .

ومعنى عنواننا : خطورة الكلمة :

الخطورة هي عِظَم الشأن ، وهي كذلك احتمال وقوع الضرر .

ومن أخطر الكلام الذي يؤدي بصاحبه إلى غضب الجبار جل في علاه : الغيبة والنميمة والبهتان والسخرية من الناس ، والظن السيئ ، وغير ذلك من الكلام الذي يحسبه الناس هينًا وهو عند الله عظيم .

– الغيبة :

قال الله تعالى :

” وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ “. (الحجرات : 12)

وقال الملك عز وجل :

” وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ كُلُّ أُولـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا “. (الإسراء : 36)

واعلم يا عبدالله يا مسلم أنه ينبغي عليك أن تحفظ لسانك عن جميع الكلام إلا كلامًا ظهرت فيه المصلحة ، ومتى استوى الكلام وتركه في المصلحة ، فالسنة الإمساك عنه ؛ لأنه قد ينجر الكلام المباح إلى حرام أو مكروه ، وذلك كثيرٌ في العادة .
والسلامة لا يعدلها شيء .

– النميمة :

النميمة : هي نقل الكلام بين الناس على جهة الإفساد .

قال الله الملك الحق :

” هَمَّازٍ مَّشَّآءٍ بِنَمِيمٍ “. (القلم : 11)

وقال عز من قائل :

” مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ “. (ق : 18)

وقال المعلم صلى الله عليه وسلم :

” لا يدخل الجنة نَمَّام “. (متفق عليه)

– العَضْه :

عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ :
” أَلا أُنَبِّئُكُمْ ما العَضْهُ ؟
هي النَّمِيمَةُ ، القالَةُ بيْنَ النَّاسِ “. (رواه مسلم : 102)

– فتبينوا :

قال الله في كتابه العزيز :

” يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوۤاْ أَن تُصِيبُواْ قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ “. (الحجرات : 6)

يأمر تعالى بالتثبت في خبر الفاسق ليُحتَاط له ؛ لئلا يُحكم بقوله فيكون في نفس الأمر -كاذبًا أو مخطئًا- ، فيكون الحاكم بقوله قد اقتفى وراءه ، وقد نهى الله عن اتباع سبيل المفسدين ، ومن هاهنا امتنع طوائف من العلماء من قبول رواية مجهول الحال لاحتمال فسقه في نفس الأمر ، وقبلها آخرون لأنا إنما أمرنا بالتثبت عند خبر الفاسق ، وهذا ليس بمحقق الفسق ؛ لأنه مجهول الحال .

وقد ذكر كثير من المفسرين أن هذه الآية نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط ، حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم على صدقات بني المصطلق .

وقد رُوِي ذلك من طرق ، ومن أحسنها ما رواه الإمام أحمد في مسنده من رواية ملك بني المصطلق ، وهو الحارث بن ضرار ، والد جويرية بنت الحارث أم المؤمنين ، رضي الله عنها ، قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن سابق ، حدثنا عيسى بن دينار ، حدثني أبي أنه سمع الحارث بن ضرار الخزاعي يقول : قدمت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فدعاني إلى الإسلام ، فدخلت فيه وأقررت به ، ودعاني إلى الزكاة فأقررت بها ، وقلت : يا رسول الله ، أرجع إليهم فأدعوهم إلى الإسلام وأداء الزكاة ، فمن استجاب لي جمعت زكاته ، ويرسل إليّ رسول الله رسولًا لإبان كذا وكذا ليأتيك بما جمعت من الزكاة .

فلما جمع الحارث الزكاة ممن استجاب له ، وبلغ الإبان الذي أراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يبعث إليه ، احتبس عليه الرسول فلم يأته ، فظن الحارث أنه قد حدث فيه سخطة من الله ورسوله ، فدعا بسروات قومه ، فقال لهم : إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان وقّت لي وقتًا يرسل إلي رسوله ليقبض ما كان عندي من الزكاة ، وليس من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الخلف ، ولا أرى حبس رسوله إلا من سخطة كانت ، فانطلقوا فنأتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الوليد بن عقبة إلى الحارث ليقبض ما كان عنده مما جمع من الزكاة ، فلما أن سار الوليد حتى بلغ بعض الطريق فَرَق -أي : خاف- فرجع فأتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال : يا رسول الله ، إن الحارث منعني الزكاة وأراد قتلي .

فضرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- البعث إلى الحارث ، وأقبل الحارث بأصحابه حتى إذا استقبل البعث وفصل عن المدينة لقيهم الحارث ، فقالوا : هذا الحارث ، فلما غشيهم قال لهم : إلى من بُعثتم ؟ قالوا : إليك .. قال : ولم ؟ قالوا : إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان بعث إليك الوليد بن عقبة ، فزعم أنك منعته الزكاة وأردت قتله .

قال : لا والذي بعث محمدًا بالحق ما رأيته بتة ولا أتاني .

فلما دخل الحارث على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : ” منعت الزكاة وأردت قتل رسولي ؟ “.
قال : لا والذي بعثك بالحق ما رأيته ولا أتاني ، وما أقبلت إلا حين احتبس علي رسول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خشيت أن يكون كانت سخطة من الله ورسوله .. قال : فنزلت الحجرات : ” يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوۤاْ أَن تُصِيبُواْ قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ * وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ ٱللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ ٱلأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ ٱلإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ ٱلْكُفْرَ وَٱلْفُسُوقَ وَٱلْعِصْيَانَ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلرَّاشِدُونَ * فَضْلًا مِّنَ ٱللَّهِ وَنِعْمَةً وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ “. (الحجرات : 6-8)

– أكذب الحديث :

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

” إياكم والظنَّ ؛ فإنَّ الظنَّ أكذب الحديث “. (متفق عليه)

قال الصنعاني رحمه الله : { المراد بقوله صلى الله عليه وسلم : (( إياكم والظنَّ )) سوء الظنِّ به تعالى ، وبكلِّ من ظاهره العدالة من المسلمين وقوله : (( فإن الظن أكذب الحديث )) سمّاه حديثًا ؛ لأنَّه حديث النفس ، وإنما كان الظنُّ أكذب الحديث ؛ لأنَّ الكذب مخالفة الواقع من غير استناد إلى أمارة ، وقبحه ظاهر لا يحتاج إلى إظهاره .
وأما الظن فيزعم صاحبه أنه استند إلى شيء ، فيخفى على السامع كونه كاذبًا بحسب الغالب ، فكان أكذب الحديث ، والحديث وارد في حقِّ من لم يظهر منه شتم ولا فحش ولا فجور }.

وقال الملا علي القاري : { إياكم والظن ؛ أي : احذروا اتباع الظن في أمر الدين الذي مبناه على اليقين ، قال تعالى : ” وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا “. (يونس : 36) }.

قال القاضي : { التحذير عن الظن فيما يجب فيه القطع ، أو التحدث به عند الاستغناء عنه أو عما يظن كذبه .. أو اجتنبوا الظن في التحديث والإخبار ، ويؤيده قوله : (( فإنَّ الظنَّ )) في موضع الظاهر زيادة تمكين في ذهن السامع حثًّا على الاجتناب أكذب الحديث }.

  • وعن صفية بنت حيي رضي الله عنها قالت :
    كان النبي صلى الله عليه وسلم معتكفًا ، فأتيته أزوره ليلًا ، فحدثته ، ثم قمت لأنقلب ، فقام معي ليقلبني ، وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد ، فمر رجلان من الأنصار ، فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : على رسلكما ، إنها صفية بنت حيي .
    فقالا : سبحان الله يا رسول الله .
    قال : ” إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم ، وإني خشيت أن يُقذف في قلوبكما شرًا أو قال : شيئًا “.

قال النووي : { الحديث فيه فوائد ، منها بيان كمال شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته ، ومراعاته لمصالحهم ، وصيانة قلوبهم وجوارحهم ، وكان بالمؤمنين رحيمًا ؛ فخاف صلى الله عليه وسلم أن يلقي الشيطان فى قلوبهما فيهلكا ؛ فإنَّ ظنَّ السوء بالأنبياء كفر بالإجماع ، والكبائر غير جائزة عليهم ، وفيه أنَّ من ظنَّ شيئًا من نحو هذا بالنبي صلى الله عليه وسلم كفر .. وفيه استحباب التحرز من التعرض لسوء ظن الناس في الإنسان ، وطلب السلامة ، والاعتذار بالأعذار الصحيحة ، وأنه متى فعل ما قد ينكر ظاهره مما هو حق ، وقد يخفى أن يبين حاله ليدفع ظنَّ السوء }.

  • وعن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” إنَّ الأمير إذا ابتغى الريبة في الناس أفسدهم “.

قال المناوي : { (( إنَّ الأمير إذا ابتغى الريبة )) أي : طلب الريبة ، أي : التهمة في الناس بنية فضائحهم أفسدهم وما أمهلهم ، وجاهرهم بسوء الظن فيها ، فيؤديهم ذلك إلى ارتكاب ما ظن بهم ورموا به ففسدوا ، ومقصود الحديث حث الإمام على التغافل }.

ما أروع هذا الدين ورب الكعبة .

ندعوكم لقراءة : لسانك .. حصانك

– الكلمة الطيبة :

” الكلمة الطيبة صدقة ” ؛ كما قال المعلم صلى الله عليه وسلم .

‏ آمنت أن الكلمة الطيبة توفيق من الله جل في علاه ؛ تأمل إن شئت قوله تعالى :

” وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ “. (الحج : 24)

إن رأيت الكلمات الطيبة تنساب من فمك ؛ فاعلم أن هداية نزلت من السماء عليك .

إياك أن تظن أنك تربيت على هذا وحسب ! أو تزعم أن رُقيّك الحضاري ، أو شهادتك ، أو منصبك دفعك له ، بل هو توفيق رباني .

فكثير من الأشخاص ذوو سماحة ، ولسان طيب ، وله أخ لا يُحسن الكلام الطيب ؛ وقد تربى معه ، وتأدب معه على أيدي أبوين كريمين !

حقًّا ربنا ، أنت الهادي إلى صراط العزيز الحميد ، في القول ، وفي العمل .

– اتقوا الله :

يقول الشيخ محمد حسان :

بكلمة تُشْعَل نار الفتن والحروب !

وبكلمة خُرِّبت البيوت ، وتألمت القلوب ، وبكت العيون !

وبكلمة فُرِّق بين زوجين ، وبكلمة فُرِّق بين الأخ وأخيه ، وبين الوالد وولده ، وبين الولد ووالده !

إن الكلمة أمرها خطير في دين الله ، إن أمانة الكلمة -يا من حَمَّلك الله أمانة الكلمة- أمر عظيم .

يا أيها المسئول ! ويا من حَمَّلك الله أمانة الإعلام ! ويا من منَّ الله عليك بقلم تكتب به ! اتق الله ! ويا من حَمَّلك والله أمانة التربية ! اتق الله ! واعلم أنك مسئول بين يدي الله عن هذه الأمانة العظيمة ، وأنك مسئول عن كل كلمة سطرها قلمك ، وستُسأل هل أردت رضوان الله ورضوان رسول الله أم أردت الدنيا وزينتها ولا حول ولا قوة إلا بالله ؟ فاتق الله واعلم أن كل كلمة تتلفظ بها قد سُطِّرت عليك في كتاب عند رب ؛ ” لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى “. (طه : 52)

يقول الله جل وعلا : ” وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ “. (ق : 16-18)

وقال جل وعلا : ” وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابَاً يَلْقَاهُ مَنشُورًا * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبَا “. (الإسراء : 13-14)

وقال جل وعلا : ” إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا “. (الإسراء : 36)

– حادثة الإفك :

قال الله جل وعلا :

” إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ * لَّوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَـذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ * لَّوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَـئِكَ عِندَ اللَّـهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ * وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّـهِ عَظِيمٌ * وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَـذَا سُبْحَانَكَ هَـذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ * يَعِظُكُمُ اللَّـهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * وَيُبَيِّنُ اللَّـهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ “. (النور : 11-18)

  • وفي السُّنَّة :

في الصحيحين من حديث عائشة قالت : ” كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أراد أن يخرج في سفر أقرع بين نسائه ، فأيتهن وقع سهمها خرجت معه ” ، وفي غزوة بني المصطلق ضرب النبي القرعة بين نسائه فوقع السهم على عائشة رضي الله عنها وأرضاها ، فخرجت عائشة مع الحبيب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .. تقول عائشة : ” وكنت أُحْمَل في هودجي ، وأُنْزَل فيه ، وكان هذا بعد نزول آية الحجاب ” .. والهودج هو : محملٌ أو رحلٌ يوضع على ظهر البعير لتركب فيه المرأة ؛ ليكون سترًا لها ، فكانت عائشة بعد نزول الحجاب تركب في هذا الهودج ، ويُنْزَل هذا الهودج وهي فيه .

فلما انتهى رسول الله من غزوِه وقَفَل -أي : عاد- ، وقرب من المدينة ، وقف الجيش في مكان ، وأرادت هذه الزهرة التي نشأت في بستان الحياء أن تقضي حاجتها ، فانطلقت عائشة بعيدًا عن أعين الجيش لقضاء حاجتها ، فلما عادت إلى هودجها ومكانها التمست صدرها فلم تجد عقدها ، فعادت لتبحث عن عقدها في موضع قضاء شأنها ، فأخرها البحث ، فعادت مرة أخرى فلم تجد بموضع الجيش من داعٍ ولا مجيب ! فجلست عائشة رضي الله عنها في موضعها ، فغلبتها عينها فنامت ، وهي تعتقد أن القوم إذا فقدوها سيرجعون إليها مرةً أخرى ، وكان من وراء الجيش صفوان بن المعطل السلمي رضوان الله عليه ، فاقترب صفوان فرأى سواد إنسان نائم ، فعرفها فقال : { إنا لله وإنا إليه راجعون } ؛ عائشة وقد كان يراها قبل نزول آية الحجاب .

تقول عائشة : ” فاستيقظتُ من نومي على استرجاعه -أي : على قوله : إنا لله وإنا إليه راجعون- فأناخ راحلته فركبتُها ، ووالله ! ما سمعت منه كلمةً غير استرجاعه ، ثم انطلق يقود بي الراحلة ، فأدركنا الجيش وقد نزلوا موغلين في نحر الظهيرة ؛ أي : في وقت شدة الحر ، فهلك في شأني مَن هلك ، وكان الذي تولى كبره عبدالله بن أبي ابن سلول “.

وفي بعض الروايات في غير الصحيحين : قال المنافق الخبيث : من هذه ؟ قالوا : عائشة .. قال : ومن هذا ؟ قالوا : صفوان .. فقال الخبيث المجرم -وما أكثرهم اليوم- : زوج نبيكم تبيت مع رجل حتى الصباح ، ثم جاء يقودها ؟! والله ! ما نجت منه ، وما نجا منها !

( كلمة أوردته المهالك ، ورب الكعبة ).

  • ويعلق الشيخ محمد حسان على الحادثة بقوله :

قال قولة عفنة خبيثة شريرة ، وتلقفت هذه الكلمات أبواق الدعاية وعصابات الإرجاف والنفاق ، وانطلق المنافقون والمرجفون يرددون هذه الكلمات ؛ لتنال من عرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

رُحماك .. رحماك يا الله !

رسول الله يُتَّهم في عرضه وهو الطاهر الذي فاضت طهارته على العالمين !

رسول الله يُتَّهم في صيانة حرمته وهو القائم على صيانة الحرمات في أمته !

إذا أردتَ أن تتعرف على خطورة الكلمة بحق فاعلم أنه بسبب كلمات قليلة كاذبة طيَّرها رأس النفاق ، وتلقفتها أبواق الدعاية ، بثت هذه الكلمات لتنال من عرض أطهر قائد ، وأشرف مُرَبٍّ عَرَفَته الدنيا ، لتنال من عرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم !!

– ألد الخصام :

هناك صنفٌ من الناس يجيد الكلام المعسول المخلوط بالسُّم القاتل ، ونيته كلها سوء ؛ من أجل إيذاء الآخرين على مستوى الأفراد والجماعات ؛ ولا ينبئك مثل خبير ؛ يقول الله جل وعلا :

” وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ “. (البقرة : 204-205)

– اتقوا الله :

اتقوا الله ولا تصدوا عن سبيل الله !

اتقوا الله ! ولا تحاربوا الله ورسوله بحجة أنكم تحاربون الإرهاب ، وأنكم تريدون أن تقضوا على التطرف !

ولله در شاعرنا القائل فيمن يحاربون الدين وهم من أبناء جلدتنا :

قالوا تطرف جيلنا لما سما قدرًا … وأعطى للطهارة موثقا

ورمَوه بالإرهاب حين أبى الخنا … ومضى على درب الكرامة وارتقى

أوَ كان إرهابًا جهادُ نبينا … أم كان حقًّا بالكتاب مُصَدَّقا

أتَطَرُّفٌ إيماننا بالله في عصرٍ … تطرف في الهوى وتزندقا ؟!

إن التطرف أن نذم محمدًا … والمقتدين به وأن نمدح عَفْلَقا

إن التطرف أن نرى من قومنا … مَنْ صانَعَ الكفرَ اللئيمَ وأطرقا

إن التطرف أن نبادل كافرًا … حُبًّا ونمنحه الولاءَ مُحَقَقَا

إن التطرف وصمة في وجه مَن … حوَّلوا البوسنة رمادًا مُحرِقا

شتان بين النهر يعذُب ماؤه … والبحر في الملح الأجاج تمزقا

– حرب الكلمة :

نشهد الآن حربًا ضروسًا على الإسلام وعلى نبي الإسلام من دول الغرب ، ويؤازرهم -بكل أسف- مسلمون ، يحملون أسماء إسلامية فقط .

هي حرب الكلمة بكل أشكالها وصورها ؛ مقروءة ومسموعة ومرئية ، بل ومرسومة ؛ كما تابعنا جميعًا الرسوم المسيئة ، والله يعصم رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم من الناس حيًّا وميتا ، بأبي وأمي وروحي صلى الله عليه وسلم .

وعندنا ، وفي بلادنا الإسلامية يتركون الحبل على غاربه لكل ناعق ، يلقي التهم جُزافًا دون بينة أو دليل ، فيُترك المجال فسيحًا لكل من شاء أن يقول ما شاء في أي وقت شاء ، ثم يمضي آمنًا مطمئنًا ليصبح نجمًا تلفزيونيًا بارعًا تُصور صوره ، وتُترجم كلماته !

ومن ثم أكد الإسلام على خطورة الكلمة ، فبكلمة -أيها المسلم الحبيب- تدخل دين الله ، وبكلمة تخرج من دين الله ، وبكلمة تنال رضوان الله ، وبكلمة تنال سخط الله .

قال تعالى :

” مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ “. (ق : 18)

زر الذهاب إلى الأعلى