حِب رسول الله ﷺ :
هو ابن شراحيل -أو شرحبيل- بن كعب بن عبد العزى بن يزيد بن امرئ القيس بن عامر بن النعمان .
الأمير الشهيد النبوي المسمى في سورة الأحزاب ، أبو أسامة الكلبي ، ثم المحمدي ، سيد الموالي ، وأسبقهم إلى الإسلام ، وحِب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبو حبه ، وما أحب -صلى الله عليه وسلم- إلا طيبًا ، ولم يُسَمِّ الله -تعالى- في كتابه صحابيًّا باسمه إلا هو .
هو الحِب ، ويا له من حِب ، كان النبي له الأب ، ثم حُرِّم التبني من قِبَل الرب ، رعاه النبي حتى كبر وشبّ ، وكان عاقلًا وافر اللُّب .
هو الصحابي الوحيد الذي ذُكر اسمه في القرآن الكريم ، ويا له من تكريم ، أن يذكره ربه العظيم .
ولقد ذُكر العديد من الصّحابة في القرآن بأوصافهم كأبي بكر ، وعبد الله بن أمّ مكتوم -رضي الله عنهما- ، وذكر الكثير من أسماء الأنبياء أيضًا ، إلّا أنّه لم يذكر اسم أحد من الصّحابة تصريحًا سوى هذا الصّحابي .
ورد اسمه صريحًا في الآية السابعة والثلاثين من سورة الأحزاب .
وعن سيرته يُذكر أن أمه كانت قد ذهبت إلى أهلها لتزورهم ، وبينما هي هناك أغارت عليهم خيل ، فسرقوا ما سرقوه ، وسبوا ما سبوه ، وكان من بينهم أمه ، ثم قاموا بعرضها للبيع في سوق للعبيد ، واحتملوا زيدًا وهو غلام ، فأتوا به سوق عكاظ ، فعرضوه للبيع ، فاشتراه حكيم بن حزام ، ثم أهداه إلى عمته خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وأرضاها ، ووهبته السيدة خديجة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل الهجرة ، فلبث عنده مدة ، ثم جاء عمّه وأبوه يرغبان في فدائه ، فقال ﷺ : « إنّ الأمر يعود للفتى إن أراد رجوعًا رجع ، وإن أراد بقاءً بقي ، خيراه فإن اختاركما فهو لكما دون فداء ».
وعندما خيروه أن يعود مع أبيه أو يبقى مولى عند رسول الله ، اختار البقاء مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهذا قبل النبوة ، فتعجب أبوه واستنكر عليه هذا ، أيعقل أن يختار العبودية عند شخص على العودة مع أبيه إلى بيته حرًا طليقًا !
قال لهما : والله لم أر من محمد شيئًا يزعجني قط ، فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم إلى حجر الكعبة وأعلن أنّه قد تبنّاه ؛ تخفيفًا لما في نفوس والده ، وقال : « يا معشر قريش اشهدوا أنّه ابني يرثني وأرثه » ، وأصبح يقال له : ابن محمد ، إلى أن جاء الإسلام بتحريم التبني ؛ فعاد اسمه كما كان ، قال تعالى : ” ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا “. (الأحزاب : 5)
ولهذا فقد كان لهذا الصحابي في قلب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حب كبير وشديد ، ولكن بعد أن فقد نسبه لرسول الله وطلاقه زينب بنت جحش ، أراد الله أن يعوضه عن ذلك خيرًا وأن يخفف عنه ، فأكرمه بذكر اسمه دون أحد من الصحابة .
استشهد بطلنا الهمام خلال معركة مؤتة من العام الثامن الهجري ، فقد خرج الجيش إلى منطقة مؤتة في الشام لملاقاة الروم ، ولإدراك الرسول صلى الله عليه وسلم أهمية المعركة ؛ قام باختيار ثلاثة جنود شجعان ، فرسانًا في النهار رهبانًا في الليل ، وعند وداع الجيش ، ولاه على الجيش ، فإن أصيب ، فجعفر بن أبي طالب ، فإن أصيب جعفر فعبدالله بن رواحة ، واستشهد بطلنا -رضي الله عنه- في المعركة ، واستشهد جميع القادة الثلاثة ، فأمسك خالد بن الوليد بزمام الأمور ، وقام بحيلة أربكت جيش الأعداء ، ومكنته من الانسحاب بالجيش بأمان .
– وهذه قصته في الإصابة لابن حجر :
ذكر الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في الإصابة ملخص قصته رضي الله عنه فقال : زارت أمه سعدى قومها ، وهو معها ، فأغارت خيل لبني القين بن جسر في الجاهلية على أبيات بني معن ، فاحتملوا زيدًا وهو غلام ، فأتوا به سوق عكاظ ، فعرضوه للبيع ، فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة بأربعمائة درهم ، فلما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهبته له ، قال : فحج ناس من كلب ، فرأوه فعرفهم وعرفوه ، فقال : أبلغوا أهلي… ، فانطلقوا ، فأعلموا أباه ، ووصفوا له موضعًا ، فخرج حارثة وكعب أخوه بفدائه ، فقدما مكة ، فسألا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فقيل : هو في المسجد ، فدخلا عليه ، فقالا : يا ابن عبد المطلب ، يا ابن سيد قومه ، أنتم أهل حرم الله ، تفكون العاني ، وتطعمون الأسير ، جئناك في ولدنا عبدك ، فامنن علينا ، وأحسن في فدائه ، فإنا سندفع لك ، قال : وما ذاك ؟ قالوا : فلان ابن فلان ( وسموه للنبي صلى الله عليه وسلم ) ، فقال : أو غير ذلك ؟ ادعوه فخيروه ، فإن اختاركم ، فهو لكم بغير فداء ، وإن اختارني ، فوالله ما أنا بالذي أختار على من اختارني فداء ، قالوا : زدتنا على النصف ، فدعاه ، فقال : هل تعرف هؤلاء ؟ قال : نعم ، هذا أبي ، وهذا عمي ، قال : فأنا من قد علمت ، وقد رأيت صحبتي لك ، فاخترني ، أو اخترهما ، فقال : ما أنا بالذي أختار عليك أحدًا ، أنت مني بمكان الأب ، والعم ، فقالا : ويحك أتختار العبودية على الحرية ، وعلى أبيك ، وعمك ، وأهل بيتك ؟! قال : نعم ، إني قد رأيت من هذا الرجل شيئًا ما أنا بالذي أختار عليه أحدًا .
فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ، أخرجه إلى الحِجر ، فقال : اشهدوا أن هذا ( وسماه ) ابني ، يرثني وأرثه ، فلما رأى ذلك أبوه ، وعمه ، طابت أنفسهما ، وانصرفا ، فدُعي .… ابن محمد ؛ حتى جاء الله بالإسلام . (انتهى)
ولما جاء الإسلام ، حرّم التبني بقوله : ” وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ * ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ “. (الأحزاب : 4-5)
– وقفات مع حِب رسول الله :
- قال عبدالله بن عمر رضي الله عنهما : فرض عمر -وهو أميرًا للمؤمنين- لأسامة أكثر مما فرض لي ، فكلمته في ذلك ، فقال : إنه كان أحب إلى رسول الله منك ، وإن أباه كان أحب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أبيك .
- قال الواقدي : عقد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لزيد على الناس في غزوة مؤتة ، وقدّمه على الأمراء ، فلما التقى الجمعان كان الأمراء يقاتلون على أرجلهم ، فأخذ زيد اللواء فقاتل وقاتل معه الناس حتى قُتل طعنًا بالرماح رضي الله عنه .. قال : فصلى عليه رسول الله ، أي دعا له ، وقال : ” استغفروا لأخيكم ، قد دخل الجنة وهو يسعى “. ( كانت مؤتة في جمادى الأولى سنة ثمان وهو ابن خمس وخمسين سنة )
- لما بلغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم – قتل زيد ، وجعفر ، وابن رواحة ، قام -صلى الله عليه وسلم- فذكر شأنهم ، فبدأ بزيد ، فقال : ” اللهم اغفر لزيد ، اللهم اغفر لزيد ، ثلاثًا ، اللهم اغفر لجعفر وعبد الله بن رواحة “.
- لما جاء مصاب زيد وأصحابه أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منزله بعد ذلك ، فلقيته بنت زيد ، فأجهشت بالبكاء في وجهه ، فلما رآها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بكى حتى انتحب ، فقيل : ما هذا يا رسول الله ؟ قال : ” شوق الحبيب إلى الحبيب”. (رواه مسدد وسليمان بن حرب عنه)