سيرة الحبيب ﷺ

حياة النبي مع أمه ﷺ

حياة النبي مع أمه ﷺ :

( ٩ ) الحلقة التاسعة من سيرة الحبيب ﷺ :

نبدأ بالصلاة والسلام على خير الأنام وآله وصحبه الكرام .

لقد ثبت شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات :

المرة الأولى التي وقعت فيها حادثة شق الصدر لما كان المصطفى صلى الله عليه وسلم في طفولته عند حليمة في بادية بني سعد .

والمرة الثانية عند مبعثه ليتلقى ما يوحى إليه بقلب قوي في أكمل الأحوال من التطهير .

أما المرة الثالثة فكانت عند الإسراء والمعراج ليتأهب للمناجاة .

والمسلم يؤمن بأن شق صدره صلى الله عليه وسلم وغسل قلبه هو من الأمور الخارقة للعادة التي يجب التسليم بها كغيرها من القضايا الإيمانية .

وقد تكلمنا في الحلقة الماضية عن المرة الأولى التي وقعت فيها حادثة شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم في طفولته عند حليمة ‏لنزع العلقة التي قيل له عندها ” هذا حظ الشيطان منك ” ، والحديث في ذلك ثابت في صحيح ‏مسلم وغيره .

فعن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه :
أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى ‏اللَّهُ عليه وسلم أتاه جبريل صلى الله عليه وسلم وهو يلعب مع الغِلمان فأخذه فَصَرَعَه فَشَقَّ عَن قلبِه ، فاستخرج ‏القلب ، فاستخرج منه عَلَقَة ، فقال : هذا حَظُّ الشيطانِ مِنك ، ثم غسله في طَست من ذهب ‏بماء زمزم ، ثم لَأَمَه ثم أعادَهُ في مكانِه ، وجاء الغِلمانُ يَسعَوْنَ إلى أُمِّه ، يعني ظِئرَه ( أي مرضعته ) فقالوا : إنَّ ‏مُحَمَّدًا قد قُتِل ، فاستقبلوه وهو مُنتَقِعُ اللَّوْنِ .. قال أنس رضي الله عنه : ” وقد كُنتُ أرَى أَثَرَ ذلكَ المِخيَطِ في صدرِه “.

فلما علمت حليمة بهذه الحادثة ، خافت على النبي صلى الله عليه وسلم خوفًا شديدًا ، وردَّته لأمه ، مخافة أن يصيبه مكروه .

وقد مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أمه آمنة بنت وهب فلما بلغ ست سنين خرجت به إلى أخواله بني عدي بن النجار بالمدينة تزورهم به ، ومعه أم أيمن تحضنه ( أي ترعاه وتعتني به ) وهم على بعيرين فنزلت به في دار النابغة ، فأقامت به عندهم شهرًا ، ثم رجعت به أمه إلى مكة فلما كانوا بالأبواء توفيت آمنة بنت وهب ، فقبرها هناك ، فرجعت به أم أيمن على البعيرين اللذين قدموا عليهما مكة ، وكانت تحضنه مع أمه ثم بعد أن ماتت .

وبذلك صار المصطفى صلى الله عليه وسلم يتيم الأبوين .

ولم ينس النبي صلى الله عليه وسلم أمه آمنة بعد نبوته ، فقد تأثر بها تأثرًا كبيرًا وأحبها حبًا شديدًا .. فعن بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه :
أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلم غزا غزوةَ الفتح ، فخرج يمشي إلى القبور ، حتى إذا أَتَى أدناها جلس إِلَيهِ كأنَّه يُكَلِّمُ إنسانّا جالسًا يبكي ، قال : فاستقبَلَه عُمر بن الخطاب ، فقال : ما يُبكيك -جعلني اللهُ فداءَك- ؟ قال : سألتُ ربي أن يأذَنَ لي في زيارةِ قبرِ أُمِّ مُحَمَّدٍ ، فَأذِنَ لِي ، فسألتُه أن يأذنَ لي فأستغفر لها فَأَبَى .

هكذا كانت محبته صلى الله عليه وسلم لأمه التي لم ينعم بحنانها والعيش في كنفها إلا قليلًا .. فقد كان يبكي رحمةً لها وشفقةً عليها من النار .

ماتت آمنة بنت وهب ليصير النبي صلى الله عليه وسلم يتيم الأب والأم ويصنعه رب العالمين على عينه .

فمن يا تُرى سيقوم بكفالته وحضانته صلى الله عليه وسلم بعد أمه ؟

هذا ما سنعرفه في الحلقة القادمة بإذن الله .

ندعوكم لقراءة : كيف كانت طفولة النبي ﷺ

زر الذهاب إلى الأعلى