حكايات عصرية

حكاية رمزية

حكاية رمزية :

وصلتني هذه الرسالة ، وما أدري إن كانت حقيقية أم حكاية رمزية ، وظني أنها رمزية ؛ لتوصيل رسالة إيجابية إلى كل الأبناء الأعزاء .

وها هي الحكاية كما هي :

دخل رجل عجوز إلى المحكمة ؛ ليقدم شكواه ، فقال له القاضي : شكواك ضد من ؟

فقال العجوز : ضد ابني فلان .

نظر القاضي إلى من معه من القضاة مستغربًا كلام العجوز ، وسأله : وما شكواك بالضبط ؟

قال العجوز : أطلب من ولدي مصروفًا شهريًّا حسب استطاعته .

قال القاضي : هذا من حقك على ابنك دون نقاش أو جدال .

قال الأب العجوز : يا حضرة القاضي رغم أني غني وغير محتاج إلى المال إطلاقًا إلا أني أريد أن آخذ مصروفًا شهريًّا من ابني .

استغرب القاضي كثيرًا وتعاطف مع الموقف وأخذ بيانات الابن واسمه وعنوان سكنه ، وأمر بإحضاره على الفور .

واجتمع الابن بأبيه أمام المحكمة .

عندها توجه القاضي إلى الابن بالسؤال قائلًا : هل هذا أبوك ؟

قال : نعم سيدي القاضي ، إنه والدي .

فقال له القاضي : هل تعلم أن أباك تقدم بشكوى ضدك يطالبك بمرتب شهري وبمبلغ زهيد حسب قدرتك ؟

قال الابن متعجبًا : كيف يطلب مني مصروفًا وهو يملك الكثير ولا يحتاج نقود أحد ؟!

فقال القاضي : هذا طلب أبيك ، وهو حر فيما يطلب .

فقال الأب العجوز : سيادة القاضي ، لو حكمتم لي بدينار واحد في كل شهر سأكون سعيدًا ، شرط أن أقبضه من يده دون تأخير .

فقال القاضي : نعم سيكون لك ذلك بكل تأكيد .

فدعا الأب للقاضي بالصحة والتوفيق .

وهنا أصدر القاضي حكمه على الابن قائلًا : حكمت المحكمة على فلان بإعطاء أبيه مصروفًا شهريًّا وقدره دينار واحد فقط حسب رغبة الأب دون انقطاع ، على أن يكون هذا المصروف مدى الحياة ، وعلى أن يسلم المبلغ من يد الابن ليد الأب مباشرة دون وجود أي وسيط بينهما .

وقبل أن يترك الأب والابن قاعة المرافعة ، قال القاضي للأب أمام ابنه : اسمح لي أن اسألك ، لماذا فعلت ذلك وشكوت ابنك وطلبت مبلغًا زهيدًا رغم أنك غني ، ولست بحاجة إلى المال ؟

قال العجوز وهو يبكي بمرارة : يا سيدي القاضي إني أشتاق إلى رؤية ابني هذا ، وقد أخذته مشاغله الكثيرة مني ولا أراه أبدًا رغم أن قلبي متعلق به تعلقًا شديدًا ، فهو لا يكلمني حتى على الهاتف .
من أجل ذلك تقدمت بهذه الشكوى مكتفيًا بلقاء واحد كل شهر ؛ فبكى القاضي ومن معه ، وقال للأب : واللهِ ، لو ذكرت السبب الحقيقي منذ البداية ؛ لأمرت بحبسه وجلده أيضًا .

فقال الأب العجوز وهو يبتسم : يا سيادة القاضي وهذا الحكم سيؤلم قلبي أيضًا .

ليت الأبناء يدركون حجم معزتهم في قلوب آبائهم قبل فوات الأوان .

قال الله تبارك وتعالى :

” وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا “. (الإسراء : 23)

الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي : ﴿ وقضى ﴾ وأمر ﴿ وقضى ربك أن لا تعبدوا إلاَّ إيَّاه وبالوالدين إحسانا ﴾ وأمرَ إحسانًا بالوالدين ﴿ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا ﴾ يقول : إن عاش أحد والديك حتى يشيب ويكبر أو هما جميعًا ﴿ فلا تقل لهما أف ﴾ لا تقل لهما رديئًا من الكلام ولا تستثقلنَّ شيئًا من أمرهما ﴿ ولا تنهرهما ﴾ لا تواجههما بكلامٍ تزجرهما به ﴿ وقل لهما قولًا كريمًا ﴾ ليِّنًا لطيفًا .

ندعوكم لقراءة : قمة البر

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى