حديث الرويبضة

حديث الرويبضة :

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

” سيأتي على الناس سنوات خدّاعات ، يُصَدق فيها الكاذب ويُكذَّب فيها الصادق ، ويُؤتمن فيها الخائن ويُخوَّن فيها الأمين ، وينطق فيها الرويبضة ” ، قيل وما الرويبضة يا رسول الله ؟

قال : ” الرجل التافه يتكلم في أمر العامة “. (رواه أحمد وابن ماجه / انظر الصحيحة للألباني : 1887)

هذا الحديث علم آخر من أعلام النبوة ، وخبر صادق من الذي لا ينطق عن الهوى ، وإخبار بغيب لم يقع كيف يقع حين يقع ، وهو واقع لا محالة ، وقد وقع كما أخبر ووصف صلوات ربي وسلامه عليه ، والأمر كما قال تعالى : ” وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ”. (النجم : 3-4)

فبيّن صلى الله عليه وسلم أنه بين يدي الساعة تتغير الأحوال ، وتتبدل المفاهيم ، وتنقلب الموازين ، ويعيش الناس في خديعة كبيرة ، لا يعرفون صادق الناس من كاذبهم ، ولا أمين القوم من خائنهم .

– انقلبت الموازين :

لله در الشاعر القائل :

خنافسُ الأرض تجـري في أعِنَّتِها … وسـابحُ الخيل مربوطٌ إلى الوتـدِ

وأكرمُ الأُسْدِ محبـوسٌ ومُضطهدٌ … وأحقرُ الدودِ يسعى غير مضطهـدِ

وأتفهُ الناس يقضي في مصالحهمْ … حكمَ الرويبضـةِ المذكورِ في السنَدِ

فكم شجاعٍ أضـاع الناسُ هيبتَهُ … وكمْ جبانٍ مُهـابٍ هيبـةَ الأسَدِ

وكم فصيحٍ أمات الجهلُ حُجَّتَهُ … وكم صفيقٍ لهُ الأسـماعُ في رَغَدِ

وكم كريمٍ غدا في غير موضعـهِ … وكم وضيعٍ غدا في أرفعِ الجُــدَدِ

در الزمان على الإنسان وانقلبت … كل الموازين واختلت بمستندِ

– الأمة تشكو :

قال بعضهم :

ما أنا الشاكي ولكن أمة … أصبحت تشكو كما يشكو اليتامى

تبصــر الشر ولا تنكره … وعن المعــروف -جبنًا- تتعـامى

وتداري كل أفــاك ولــو … بث في أبنائــها الــرأي الحــرامـا

وترجي من أعاديها الهدى … وتواليــهم قضــاء واحتــكــامـا

كم صفيق الوجه صفقنا له … وسفــيه قـــد جعــلنـــاه إمـامــا

وشريف القصد شهرنا به … وظــلمــناه اعـتــداء واتـهــامــا

– صدق النبوة :

هذا الحديث النبوي الشريف يدلل على صدق نبوة رسول الإسلام العظيم محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو الصادق المصدوق ؛ فقد وقع الأمر على ما أخبر تمامًا ، فهو غيب لا يُعلم إلا من خلال الوحي .

وها نحن نرى ونسمع ، فلقد فُتحت أبواب القنوات الفضائية على مصاريعها لكل من هبّ ودب ، من عديمي الفهم ، قليلي العلم ، سقيمي العقل ، عليلي القلب ، بل ولكل زنديق يريد أن يطعن في دين الله تحت أي مسمى كان .

ندعوكم لقراءة : وما ينطق عن الهوى

– هو النبي لا كَذِب :

هذا هو نبينا الصادق المصدوق صلوات ربي وسلامه عليه الذي لا ينطق عن الهوى يخبر -منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا من الزمان- أن أمورًا جسامًا ستقع في مستقبل الأيام والأعوام ، تختل معها المفاهيم ، وتنقلب معها الموازين ، وتسير الأمور على خلاف القواعد والأصول ، فالصادق يُكذَّب والكاذب يُصدَّق ، والأمين يُخَوّن والخائن يُؤتًمن ، والصالح يُهان ، والفاجر يُكرَّم ، والعالِم يُكمَّم ، والتافِهُ الرويبضة الذي لا قيمة له ولا وزن ولا علم يُمَكَّن !

وهذا نراه رأي العين -ورب الكعبة- ونعيشه ليل نهار على مستوى العالم ، وخصوصًا بعدما أصبح العالم كقرية صغيرة .

ومما يزيد المشكلة عمقًا ومساحة أن يكون هذا وأمثاله ممن يتناول أمور الجماهير ، فيساهم في تضليل الرأي العام ، وتوجيه العامة إلى مستوى طرحه التافه ، أو يدل على عجز الناس وجهلهم ؛ فوُسِّد أمرهم لرويبضة ، وكان الأصل خلاف ذلك ؛ ولذلك أطلق النبي صلى الله عليه وسلم على هذه السنين بأنها سنوات خداعات ، بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم .

– اختلال المفاهيم :

يقول الشيخ محمد بن صالح المنجد :

اختلال المفاهيم يحدث في كل زمان ، وقد حدث في أواخر عصر الصحابة بظهور الخوارج والشيعة ، ثم زاد الأمر بزيادة الفرق المنحرفة ، واختلت المفاهيم فيما يتصل بالتوحيد وأصل الإيمان ، وهدى الله من هدى من عباده ، ومسّكهم بالسنة ، وثبّتهم عليها .

وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بوقوع ذلك ، في الأمة :

فعن حُذَيْفَةَ ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَيْنِ قَدْ رَأَيْتُ أَحَدَهُمَا ، وَأَنَا أَنْتَظِرُ الْآخَرَ ، حَدَّثَنَا : أَنَّ الْأَمَانَةَ نَزَلَتْ فِي جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ ، ثُمَّ نَزَلَ الْقُرْآنُ ، فَعَلِمُوا مِنَ الْقُرْآنِ ، وَعَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ ، ثُمَّ حَدَّثَنَا عَنْ رَفْعِ الْأَمَانَةِ قَالَ :

يَنَامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الْأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ ، فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ الْوَكْتِ ، ثُمَّ يَنَامُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الْأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ ، فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ الْمَجْلِ كَجَمْرٍ دَحْرَجْتَهُ عَلَى رِجْلِكَ فَنَفِطَ ، فَتَرَاهُ مُنْتَبِرًا ، وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ -ثُمَّ أَخَذَ حَصًى فَدَحْرَجَهُ عَلَى رِجْلِهِ- ، فَيُصْبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ لَا يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّي الْأَمَانَةَ حَتَّى يُقَالَ : إِنَّ فِي بَنِي فُلَانٍ رَجُلًا أَمِينًا .

حَتَّى يُقَالَ لِلرَّجُلِ : مَا أَجْلَدَهُ مَا أَظْرَفَهُ مَا أَعْقَلَهُ وَمَا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ .

وَلَقَدْ أَتَى عَلَيَّ زَمَانٌ وَمَا أُبَالِي أَيَّكُمْ بَايَعْتُ ، لَئِنْ كَانَ مُسْلِمًا لَيَرُدَّنَّهُ عَلَيَّ دِينُهُ ، وَلَئِنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا أَوْ يَهُودِيًّا لَيَرُدَّنَّهُ عَلَيَّ سَاعِيهِ ، وَأَمَّا الْيَوْمَ فَمَا كُنْتُ لِأُبَايِعَ مِنْكُمْ إِلَّا فُلَانًا وَفُلَانًا . (رواه البخاري : 6497 ، ومسلم : 143)

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ : سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتُ ، يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الأَمِينُ ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ ، قِيلَ : وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ ؟ قَالَ : الرَّجُلُ التَّافِهُ يتكلم فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ . (رواه ابن ماجة : 4036 وغيره ، وصححه الألباني)

وإذا علم المؤمن ذلك أفاده الاطمئنان ، وعدم اليأس ، فإن الدين قائم منصور ، ولا تزال طائفة من الأمة على الحق ظاهرين ، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم .

وكلما عظمت الغربة ، عظم أجر المتمسك بدينه ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :
” إن من ورائكم زمان صبر للمتمسك فيه أجر خمسين شهيدًا منكم “. (رواه الطبراني من حديث ابن مسعود ، وصححه الألباني في [صحيح الجامع] رقم : 2234)

Exit mobile version