من عبق التاريخ

بطل لم يُهزَم

بطل لم يهزم من الأبطال ، ورب الكعبة أبطال ، يجب أن تقرأ عنهم الأجيال ، ونحكي عنهم للأطفال ؛ فقد كانوا رجالًا بين ظهرانيّ رجال ، حققوا انتصاراتٍ كأنها ضربٌ من خيال .

  • تعالوا لنتعرف على واحد من الأبطال :

نبدأ من الآخر ؛ لتعرفوا قدره من فم أعدائه وأعداء الإسلام .. هيا بنا إلى الوراء ..

جلسوا على قبره يرقصون ويتناولون الخمور ، فقال أحدهم : { واللهِ لو تنفس صاحب هذا القبر لما ترك فينا أحدًا على قيد الحياة ولا استقر بنا قرار!! }.

أتعرفون بطلكم هذا ، وبطل الإسلام الفذ ؟

إنه الحاجب المنصور

التاريخ يتحدث عنه وليس أنا ، ويا له من تاريخ مصداق ..

– حين مات القائد الحاجب المنصور فرح بخبر موته بلاد الفرنجة جميعًا ؛ حتى إن القائد الفونسو جاء إلى قبره ، ونصب فوقه خيمة كبيرة ، وبداخلها سرير من الذهب ، ونام هو وزوجته عليه وهما في غاية السعادة والنشوة !!

قائد الجيوش الإسلامية في الأندلس وهو تحت التراب .

وقال الفونسو : { أما تروني اليوم قد ملكت بلاد المسلمين والعرب ، وجلست على قبر أكبر قادتهم؟! }

فقال أحد الموجودين : { والله لو تنفس صاحب هذا القبر لما ترك فينا أحدًا على قيد الحياة ولا استقر بنا قرار!! }

فغضب الفونسو وقام يسحب سيفه على المتحدث حتى أمسكت زوجته بذراعه ، وقالت : { صدق المتحدث ؛ أيفخر مثلنا بالنوم فوق قبره !! والله إن هذا ليزيده شرفًا ؛ حتى بموته لا نستطيع هزيمته ! والتاريخ يسجل انتصارًا له وهو ميت قبحًا بما صنعنا وهنيئًا له النوم تحت عرش الملوك }.

ونحن نقول : { رحمك الله يا من رفعت راية الإسلام خفاقة عالية في ربوع الأندلس }.

ليت شعري ليتهم يتخذون أمثال هؤلاء قدوتهم .

– الحاجب المنصور هو * محمد بن أبي عامر العامري *

– وُلِد سنه 326 هجرية بجنوب الأندلس ..

– دخل متطوعًا في جيش المسلمين وأصبح قائد الشرطة في قرطبة لشجاعته ثم أصبح مستشارًا لحكام الأندلس ؛ لفطنته .. ثم أمير الأندلس وقائد الجيوش .

– خاض بالجيوش الإسلامية أكثر من 50 معركة ، انتصر فيها جميعًا ، ولم تسقط له راية ، من البداية وحتى النهاية ، وحقق الله بانتصاراته كل غاية .

– وطئت أقدامه أراضي لم تطأها أقدام مسلم قط .

– أكبر انتصاراته معركة (ليون) حيث تجمعت القوات الأوربية مع جيوش ليون .. فقتل معظم قادة هذه الدول وأسر جيوشهم وأمر برفع الأذان للصلاة في هذه المدينة الطاغية .

– كان يجمع غبار ملابسه بعد كل معركة ، وبعد كل أرض يفتحها ويُرفع الأذان فيها ، يجمع الغبار في قارورة ،  وأوصى أن تُدفن القارورة معه ؛ لتكون شاهدة له عند الله جل في علاه .

* لله درك يا بطل *

– كانت بلاد الغرب والفرنجة تكن له العداء الشديد ؛ لكثرة ما قتل من أسيادهم وقادتهم ..

– لقد قاتلهم لمدة 25 سنة قتالًا شديدًا ، لا يستريح أبدًا ، ولا يدعهم يرتاحون ..

– كان ينزل من صهوة الجواد ويمتطي جوادّا آخر للحرب ، وكان يدعو الله أن يموت مجاهدًا لا بين غرف القصور .

– وقد مات كما تمنى ؛ إذ وافته المنية وهو في مسيره لغزو حدود فرنسا ، وكان عمره حين مات 60 سنة ، قضى منها أكثر من 25 سنة في الجهاد والفتوحات .

– ذهب المنصور إلى لقاء ربه ، وسيبقى اسمه خالدًا مع أسماء الأبطال في تاريخ المسلمين .

– وكان في نيته فتح مدن فرنسا الجنوبية من خلال اختراق (جبال البيرينيه)

– فهل عرفتم لماذا أقام الفونسو قائد الفرنج خيمة على قبره الآن ؟!

– لقد استُشهد وفي جيبه قارورة تحمل غبار معارك وفتوحات المسلمين .. استشهد وجسده يحمل جروح المعارك التي خاضها لتشهد له عند ربه .

ندعوكم لقراءة : قتلة أبي جهل

  • ومن مقال للدكتور راغب السرجاني ، نلقي ضوءًا أكبر على هذه الشخصية الرائعة الفذة :

 – تولَّى محمد بن أبي عامر الحُكم منذ سنة (366 هـ = 976 م) وحتى وفاته -رحمه الله- في سنة (392 هـ = 1002 م) ، وقد قضى هذه المدَّة في جهاد دائم لا ينقطع مع ممالك النصارى في الشمال ، مع حسن إدارة وسياسة على المستوى الداخلي ، حتى صارت الأندلس في عهده في ذروة مجدها .

  • غزوات المنصور ابن أبي عامر :

– غزا محمد بن أبي عامر في حياته أربعًا وخمسين غزوة ، لم يُهزَم أبدًا في واحدة منها ، بل كان الأغرب من ذلك هو أن يصل في فتوحاته إلى أماكن في مملكة ليون وفي بلاد النصارى لم يصل إليها أحدٌ من قبلُ ، بل لم يصل إليها الفاتحون الأوائل ؛ مثل : موسى بن نصير وطارق بن زياد ، فقد وصل الحاجب المنصور إلى منطقة الصخرة ؛ تلك المنطقة التي لم تُفتح من قِبَل المسلمين من قبلُ ، واستطاع -رحمه الله- أن يغزو النصارى في عقر دارهم ، وها هو ذا قد وصل إلى خليج بسكاي والمحيط الأطلسي في الشمال ، وفي كل هذه الغزوات لم تنكسر له فيها راية ، ولا فلَّ له جيش ، ولا أُصيب له بعث ، ولا هلكت سرية .

– وكان من المتعارف عليه قبل ذلك أن الجهاد في الصوائف فقط ، إلاَّ أن الحاجب المنصور كانت له في كل عام مرتان يخرج فيهما للجهاد في سبيل الله ، عُرفت هاتان المرتان باسم الصوائف والشواتي .

– غزوة شانت يعقوب :

كانت أعظم هذه الغزوات قاطبة غزوة «شانت ياقب» ، وشانت ياقب هو النطق العربي في ذلك الوقت لـ«سانت يعقوب» أي القديس يعقوب ، وكانت هذه المدينة في أقصى الشمال الغربي من شبه الجزيرة الأيبيرية ، وهي منطقة على بعدها الشديد عن أهل الأندلس في ذلك الوقت كانت شديدة الوعورة ؛ ولذلك لم يصل إليها فاتح مسلم قبل المنصور بن أبي عامر ، هذا بالإضافة إلى أن هذه المدينة على وجه التحديد كانت مدينة مقدسة عند النصارى ، فكانوا يأتونها من مختلف بقاع الأرض ليزوروا قبر هذا القديس ؛ حتى إن ابن عذاري المراكشي قال : إنها «أعظم مشاهد النصارى الكائنة ببلاد الأندلس وما يتصل بها من الأرض الكبيرة ، وكانت كنيستها عندهم بمنزلة الكعبة عندنا ؛ فبها يحلفون ، وإليها يحجون من أقصى بلاد رومة وما وراءها ».

وكان ملوك نصارى الشمال كلما هاجم ابن أبي عامر عواصمهم فروا إلى هذه المنطقة القاصية الوعرة ؛ يحتمون فيها من بأس المسلمين ؛ ولهذا قرَّر ابن أبي عامر أن يذهب إلى هذه المدينة ، وأن يحطم أسوارها وحصونها ؛ ولِيُعْلِمَ هؤلاء أن ليس في شبه الجزيرة كلها مكان يمكنهم أن يحتموا فيه من بطش ابن أبي عامر .

وقصة هذه المدينة هي ما يُقال عن يعقوب صاحب هذا القبر ، من أنه كان أحد حواريِّي سيدنا عيسى ابن مريم الاثني عشر ، وأنه كان أقربهم إليه ؛ حتى سموه أخاه للزومِه إيَّاه ، فكانوا يُسَمُّونه أخا الرب -تعالى الله عمَّا يصفون علوًّا كبيرًا- ومنهم مَنْ يزعم أنه ابن يوسف النجار ، وتقول الأسطورة إن صاحب هذا القبر كان أسقف بيت المقدس ، وأنه جاب الأرض داعيًا إلى عقيدته حتى وصل إلى تلك الأرض البعيدة ، ثم إنه عاد إلى أرض الشام ، وقُتل بها ، فلما مات نقل أصحابه رفاته إلى آخر مكان بلغه في رحلته الدعوية .

وفي صائفة سنة (378 هـ) -وهي غزوته الثامنة والأربعون- قاد ابن أبي عامر قواته متجهًا بها نحو الشمال قاصدًا شانت ياقب ، وفي الوقت نفسه بدأ الأسطول الأندلسي الذي أعده المنصور لهذه الغزوة تحرُّكَه من الموضع المعروف بقصر أبي دانس غربي الأندلس ، وفي الطريق انضم إلى المنصور ابن أبي عامر عدد كبير من أمراء نصارى الإسبان ؛ نزولًا على ما بينه وبينهم من معاهدات تُوجب عليهم أن يشتركوا معه في المعارك ، ثم اتجه إلى شانت ياقب مخترقًا الطرق الجبلية الوعرة ، حتى وصل إلى هذه المدينة ، بعد فتح كل الحصون والبلاد التي في طريقه ، وغنم منها وسبى ، ثم وصل ابن أبي عامر إلى مدينة شانت ياقب ولم يجد فيها إلاَّ راهبًا بجوار قبر القديس يعقوب ، فسأله عن سبب بقائه ، فقال : أؤانس يعقوب ؛  فأمر بتركه وعدم المساس به ، وأمر بتخريب حصون هذه المدينة .

– رحم الله هذا البطل المسلم الذي لا يعرفه الكثيرون من أهل الأرض ، ولكن أهل السماء يعرفونه حق المعرفة .

– يا لهم من أبطال .. ويا لهم من رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه .

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى