العجب العجاب

المسنون في الغرب

المسنون في الغرب :

المسنون مُكَرَّمون في الإسلام ؛ فقد وصَّى بهم ربنا ذو الجلال والإكرام ، ورسولنا البر الرحيم عليه الصلاة وأزكى السلام ، فهم ينالون كل الرعاية والاهتمام ، من الأبناء والأهل الكرام ، ونادرًا ما يقابلون بعض الأولاد العاقين اللئام .
لهم منا كل التقدير والاحترام ، وتعظيم سلام ، وذلك على الدوام .

وفي الغرب لا يهتمون بذوي القربى والأرحام .. ويقتلون المسنين من ذوي الأوجاع والأسقام ، بدعوى إنهاء المعاناة والآلام !

إن إهتمام الإسلام بالمسنين عمومًا وبالوالدين خصوصًا ، كان من أهم ما تباهي به الأسرة المسلمة ، وهو يعد من لوازم استقرارها وتوازنها ، وتعاطفها وتعاونها .

قال الله سبحانه وتعالى :

” وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوۤاْ إِلَّا إِيَّاهُ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا “. (الإسراء : 23-24)

أما حضارة الغرب المادية فلها شأن آخر مخالف ؛ ففي زمن طغيان المادة ، تحتاج البشرية إلى من يذكرها بالمعاني الإنسانية السامية ، والقيم الإسلامية الرفيعة ؛ فالحيوانات في تلك الحضارة الغربية والغريبة تتفوق أحيانًا على رعاية المسنين ، ولاسيما المرضى والعجزة ! فقد انتهت صلاحياتهم ، ولم يعد لهم ما يقدمونه لبلادهم ؛ ولذلك أُهملوا ورُمِي بهم في زوايا قديمة انتظارًا لانتهاء أجلهم ، والخلاص من مشاكلهم ومتاعبهم ، وهم الذين أفنوا شبابهم في خدمة بلادهم ، ورعاية أولادهم !

– شهادة حق :

يقول النائب الديمقراطي الأمريكي كلودبير :

{ إن وضع المسنين في أمريكا عارٌ وطني مرعب }.

وأضاف قائلًا :

{ لا أحدٌ يدرك حتى الآن أبعاد هذه المشكلة المرعبة ، ولا يرى أحد أن يعترف بما يجري ، لقد تجاهلنا المشكلة لأنها مخيفة ، لدرجة تمنعنا من الاعتراف بوجودها ، ولا نريد أن نصدق أن مثل هذه الأشياء ، يمكن أن تحدث في دولة متحضرة }.

وتضيف الدكتورة ( سوزان ستايتمتر ) أستاذة الدراسات العائلية في جامعة ( ملاوير ) فتقول : { لقد تعودنا طوال تاريخنا على الإساءة إلى المسنين ، إننا نميل إلى العنف البدني ، وقد أصبح هذا جزءًا ثابتًا من طبيعة عائلات كثيرة تسيء للمسنين ، بالعنف والاضطهاد ، وأصبح إهمالهم وعدم الرفق بهم ، أو حتى نجدتهم من الأمور الشائعة في المجتمعات الأوربية }.

– في رحاب الإسلام :

الحياةَ في رحاب الإسلام ما أجملها ، حيث الطريق الصحيح الذي يُنير للمسلم دُنياه ، ويَحفظه مِن عذاب النار في أُخراه ، هذا الطريق يَسلكه مَن عَمَّر الإيمانُ قلبَه ؛ فإن الإيمان هو جوهرُ الدِّين ، والعقيدةُ الصحيحة هي قاعدتُه السليمة التي يَنهض عليها ، وهي الدافع القوي إلى العمل الصالح ، والانحرافُ عن العقيدة الصحيحة مَهْلكة وضَياع ، والفردُ بلا عقيدة ربَّانيَّة يكُون فريسةً للأوهام والشكوك ، التي ربَّما تتراكم فتحجُب عنه الرؤية الصحيحة لدُروب الحياة ورسالتِه فيها ، والمجتمعُ الذي لا تَسُوده عقيدةٌ ربَّانيَّة هو مجتمع بهيميٌّ وَحْشيٌّ هَمِجيٌّ ، يَفقد كلَّ مقوِّمات السعادة والطمأنينة ، وإنْ كان يملكُ كلَّ مقومات الحياة المادِّيَّة ، والتي كثيرًا ما تقودُه إلى الدَّمار والانحلال الاجتماعي والأخلاقي ، كما هو مُشاهَد في بعض المجتمعات الغربيَّة ، التي تملك قوة مادِّيَّة ولا تملك عقيدة إيمانيَّة صحيحة .

لقد وَفَّرَتِ المجتمعاتُ الغربيَّة لأصحابها الرفاهيةَ والمتعة والطعامَ والشراب ، ولكنها دمَّرت الإنسانيَّة والطمأنينة الاجتماعيَّة والأمان وسائر القِيَم الأخلاقيَّة ، فقد قَطعَت الأرحامَ ، وما عَرفَت للوالدين حقًّا ولا فضلًا ، بل سنَّتْ لهم سُنَّة أن يُلقَوا في دُور المسنِّين حتى يتوفَّاهم الله ، ولا مانع مِن أن يتَّصل بهم أبناؤهم في المناسبات ، أو يُرسلوا إليهم برقيَّات تهنئة !

من هنا ، وفي صراعات هذا العصر الذي يُغرق حياةَ المسلم بالمسائل التافهة : مِن لهوِ الحياة ولغْوها ، ليس هناك مِن عمل أنفعَ وأشرَف مِن أن يتعلَّم الإنسانُ أمورَ دِينه ، وأركان إيمانه ومقتضياته ، وأن يَتعرَّف على معاني ومَزالق التيه والضلال ، ويحترس منها ، ويُعلِّمها غيرَه مِن إخوانه المسلمين .

– القتل الرحيم :

هل تتصورون أنه يوجد في بلاد الغرب المتحضر -كما يزعمون- ، وهو زعمٌ لا ينهض على قدمين ، هناك عندهم ( القتل الرحيم ) ؛ وهو حيلة شيطانية تستهدف أصحاب الأمراض المزمنة وكبار السن لها جذور تمتد لعشرات السنين ؛ فقد أُلِّفَتْ في إنجلترا عام (1936م) جمعية باسم ( القتل بدافع الرحمة ) ، طالبت السلطات بإباحة الإجهاز على المريض الميئوس من شفائه ، وتكرر الطلب ، فرُفض ، كما تكونت جمعية لهذا الغرض في أمريكا ، وباء مشروعها بالفشل سنة (1938م) ، وما زالت هذه الدعوة تكسب أنصارًا في هذه البلاد ، فانتشرت انتشارًا كبيرًا في أمريكا ودول الغرب ، ووصل الحدُّ ببعض هذه الدول إلى وضع تشريعات قانونية تسمح بهذا القتل ، ولا تجرِّم مرتكبيه من الأطباء وغيرهم ؛ مثل هولندا .

ووصل الحدُّ ببعض الأطباء إلى اختراع الأجهزة التي تسهِّل الانتحار للراغبين فيه ، وأُعدَّت البرامج التلفازية لترويجه ، ونُشرت الكتب التي تؤيده وتدعو إليه .

  • حجج فاسدة :

يستند المؤيدون للقتل الرحيم في المجتمع الأوربي إلى عدة حجج ؛ منها :

أن الإنسان حرٌّ في تقرير مصيره ، وله حق التصرف في جسده كما يشاء ؛ فله حق الحياة وحق الموت ، وحقٌّ أن يُقتل إن هو طلب ذلك ، وأن القتل الرحيم من شأنه أن يريح المريض من معاناته وآلامه ، كما أن القتل الرحيم بمنزلة مساعدة على الانتحار .

الحشائش الضارة : ويقولون : إن حياة بعض كبار السن والمرضى لا تساوي عدمها ، وخير لهم أن يموتوا ، وإن قيمة الحياة تُقاس بمقدار مساهمة الإنسان إبداعًا وإنتاجًا !!

ويقولون أيضًا : ما قيمة الحياة عندما يصبح الإنسان معتمدًا على غيره في قضاء حوائجه ؟!

كما يستند هؤلاء إلى العامل الاقتصادي ، ويرون أن التخلص من بعض المرضى وكبار السن فيه توفيرٌ مادي على المجتمع والدولة ، فمن الواجب تخليص المجتمع من الحشائش الضارة !!

ندعوكم لقراءة : قمة البر

– إهمال مقيت :

يقول الأستاذ عبد المحسن رحماني في مقال له :

لا يختلف اثنان حول مدى افتقار النظام الليبرالي العالمي للقيم الروحية والأخلاقية ، والمنطلق أساسًا من الفلسفة الفردية النفعية ، الأمر الذي جعل من القيم والأخلاق الفطرية مجرد قيم عامة لا ترى فيها الماكينة الاقتصادية الليبرالية كأولوية ضمن أهدافها ، الأمر الذي جعل من التعامل مع فئة المسنين مجرد صفقات ضمن سوق الخدمات ، ففي إسبانيا على سبيل المثال غالبية دور الرعاية تديرها شركات خاصة ؛ إذ تقدر بحوالي 75 بالمئة من مجموع دور الرعاية هناك ، وهذا أحد أوجه الليبرالية البشعة ومما يرتبط بهذا أيضًا ، كيفية التعامل مع هاته الفئة بأسلوب تخطيطي وتسييري ضعيف وغير مدروس ، فمثلًا مثلت قضية استقبال المرضى بفيروس كورونا من هاته الفئة الهشة في المستشفيات قضية رأي عام ، ولكن بعد حصول مأساة حقيقية في عدة بلدان غربية ، ومثال ذلك ما صرحت به ممرضة تعمل في شمال ستوكهولم -عاصمة السويد أرقى الدول في جودة الحياة- حيث قالت : { إنه في بدايات ظهور الوباء ، طلبوا منا ألا نرسل أي شخص إلى المستشفى ، حتى لو كان المريض في عمر 65 عامًا ، وأمامه سنوات عديدة ليعيشها… }.

وفي دول غربية أخرى يتم منع دور الرعاية والعاملين في التمريض من استخدام الأوكسجين للمرضى إلا بموافقة الطبيب وعند الضرورة ، أو في المراحل الأخيرة من حياة المرضى عندما يشارفون على الموت ، كل هذا جعل بعض المفكرين والمسؤولين يعترفون بهذه المأساة ، لكن بعد ماذا ، ومن ذلك ما صرح به وزير صحة كيبك السابق ريجين هربرت ؛ حيث قال : { أهملنا الرعاية بالمسنين لمدة طويلة جدًّا }.

ولعل تصريح هذا الوزير يدفعنا دفعًا للحديث عن مكانة كبير السن في الإسلام ، وكيف أكرمت الحضارة الإسلامية ولا زالت مجتمعات العالم الإسلامي تكرم هذه الفئة .

وحسبنا الآن التذكير بثلاثة أحاديث أحسبهم والله أعلم أصلًا في هذا الباب :

  • الحديث الأول :

قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

« لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا ، وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا ».
( صححه الألباني ).

  • الحديث الثاني :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

« إن مِنْ إجْلالِ الله إكْرامَ ذِي الشَّيْبَةِ المُسْلِمِ ، وحامِلِ القُرْآنِ غَيْرِ الغالِي فيهِ والجافِي عَنهُ ، وإِكْرامَ ذِي السُّلْطانِ المُقْسِطِ ».
( صحيح الجامع : 2199 ).

  • الحديث الثالث :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

« رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يَصَلِّ عَلَيَّ وَرَغِمَ أنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ، ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ ، وَرغِمَ أنْفُ رَجُلٍ أَدْرَكَ عِنْدَهُ أَبَوَاهُ الكِبَرَ فَلَمْ يُدْخِلاهُ الجَنَّةَ ».
( صحيح الجامع : 3510 ).

زر الذهاب إلى الأعلى