القلب السليم
القلب السليم :
قال الله تعالى في كتابه العزيز :
” إِلَّا مَنْ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ “. (الشعراء : 89)
قال الإمام ابن القيم رحمه الله :
القلب السليم : هو النقي من الغل والدغل ، وحقيقته الذي قد سلم لله تعالى وحده فخلص من دغل الشرك وغله ودغل الذنوب والمخالفات ، بل هو المستقيم على صدق حبه وحسن معاملته ، فهذا هو الذي ضمن له النجاة من عذابه والفوز بكرامته ، ومنه أخذ الإسلام فإنه من هذه المادة لأنه الاستسلام والانقياد لله تعالى والتخلص من شوائب الشرك ، فسلم لربه وخلص له كالعبد الذي سلم لمولاه ليس فيه شركاء متشاكسون ؛ ولهذا ضرب سبحانه هذين المثلين للمسلم المخلص الخالص لربه والمشرك به ومنه السلم للسلف وحقيقته العوض المسلم فيه لأن من هو في ذمته قد ضمن سلامته لربه. ثم سمى العقد سلمًا وحقيقته ما ذكرناه .
فإن قيل : فهذا ينتقض بقولهم للديغ سليمًا ؟
قيل : ليس هذا بنقض له بل طرد لما قلناه فإنهم سموه سليمًا باعتبار ما يهمه ويطلبه ويرجو أن يئول إليه حاله من السلامة ، فليس عنده أهم من السلامة ولا هو أشد طلبًا منه لغيرها ؛ فسُمِّى سليمًا لذلك .. وهذا من جنس تسميتهم المهلكة مفازة ؛ لأنه لا شيء أهم عند سالكها من فوزه منها أي نجاته فسميت مفازة لأنه يطلب الفوز منها ، وهذا أحسن من قولهم إنما سميت مفازة وسميت اللديغ سليمًا تفاؤلًا ، وإن كان التفاؤل جزء هذا المعنى الذي ذكرناه وداخل فيه فهو أعم وأحسن .
وقال في الجواب الكافي :
والقَلْبُ السَّلِيمُ هو الَّذِي سَلِمَ مِنَ الشِّرْكِ والغِلِّ والحِقْدِ والحَسَدِ والشُّحِّ والكِبْرِ وحُبِّ الدُّنْيا والرِّياسَةِ ، فَسَلِمَ مِن كُلِّ آفَةٍ تُبْعِدُهُ عَنِ اللَّهِ ، وسَلِمَ مِن كُلِّ شُبْهَةٍ تُعارِضُ خَبَرَهُ ، ومِن كُلِّ شَهْوَةٍ تُعارِضُ أمْرَهُ ، وسَلِمَ مِن كُلِّ إرادَةٍ تُزاحِمُ مُرادَهُ ، وسَلِمَ مِن كُلِّ قاطِعٍ يَقْطَعُ عَنِ اللَّهِ ، فَهَذا القَلْبُ السَّلِيمُ في جَنَّةٍ مُعَجَّلَةٍ في الدُّنْيا ، وفي جَنَّةٍ في البَرْزَخِ ، وفي جَنَّةِ يَوْمِ المَعادِ .
– قلب أبي بكر :
قال الشيخ محمد بن عمر بازمول حفظه الله : جاءني على الواتساب وجزى الله مرسلها خيرًا .
ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺃﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﺍﻟﺼﺪﻳﻖ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﻓﻘﻴﺮًﺍ ؛ ﻛﺄﺑﻲ ﺫﺭ ﺃﻭ ﺃﺑﻲ ﻫﺮﻳﺮﺓ .
ﻟﻜﻨﻪ ﻛﺎﻥَ ﺃﻓﻀﻞَ ﻣﻨﻬﻢ !!
ﻟﻢ ﻳُﻌﺬَﺏ ﻛﺜﻴﺮًﺍ ﻛﺨﺒﺎﺏ ﺃﻭ ﺑﻼﻝ ﺃﻭ ﺳﻤﻴﺔ ﺃﻭ ﻳﺎﺳﺮ .
لكنه ﻛﺎﻥَ ﺃﻓﻀﻞَ ﻣﻨﻬﻢ !!
ﻟﻢ ﻳﺼﺐْ ﺑﺪﻧﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻐﺰﻭﺍﺕِ ؛ ﻛﻄﻠﺤﺔ ﺃﻭ ﺃﺑﻲ ﻋﺒﻴﺪﺓ ﺃﻭ ﺧﺎﻟﺪ ﺑﻦ ﺍﻟﻮﻟﻴﺪ .
ﻟﻜﻨﻪ ﻛﺎﻥَ ﺃﻓﻀﻞَ ﻣﻨﻬﻢ !!
ﻟﻢ يمت ﺷﻬﻴﺪًﺍ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞِ ﺍﻟﻠﻪ ؛ ﻛﻌﻤﺮ ﺑﻦ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ، ﺃﻭ ﺣﻤﺰﺓ ﺑﻦ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻤﻄﻠﺐ ، ﺃﻭ ﻣﺼﻌﺐ ﺑﻦ ﻋﻤﻴﺮ ، ﺃﻭ ﺳﻌﺪ ﺑﻦ ﻣﻌﺎﺫ .
ﻟﻜﻨﻪ ﻛﺎﻥَ ﺃﻓﻀﻞَ ﻣﻨﻬﻢ !!
ﻣﺎ ﺍﻟﺴﺮُّ ﺍﻟﻌﺠﻴﺐُ ﺍﻟﺬﻱ ﺻﻨﻊَ ﻟﻪ ﻫﺬﻩ ( ﺍﻟﻌﻈﻤﺔ ) ؟!
ﻳﻘﻮﻝ ﺑﻜﺮُ ﺑﻦ ﻋﺒﺪﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻤﺰﻧﻲ :
ﻣﺎ ﺳﺒﻘﻬﻢ ﺃﺑﻮ ﺑﻜﺮ ﺑﻜﺜﺮﺓِ ﺻﻼﺓٍ ﻭ ﻻ ﺻﻴﺎﻡٍ ، ﻭ ﻟﻜﻦ ﺑﺸﻲﺀٍ ( ﻭﻗﺮَ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻪ ) !!
ﺇﻧﻬﺎ ﺃﻋﻤﺎﻝُ ﺍﻟﻘﻠﻮﺏ !!
ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺘﻲ ﺑﻠﻐﺖْ ﺑﺄﺑﻲ ﺑﻜﺮ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﺇﻟﻰ ﺣﻴﺚ ﻻ ﺗﺒﻠﻎُ ﺍﻵﻣﺎﻝ ﻭﺍﻟﻬﻤﻢ .
ﺃﻋﻤﺎﻝُ ﺍﻟﻘﻠﻮﺏ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺟﻌﻠﺖْ ﺇﻳﻤﺎﻧﻪ ﻟﻮ ﻭُﺯﻥ ﺑﺈﻳﻤﺎﻥ ﺃﻫﻞ ﺍﻷﺭﺽ ﻟﺮﺟﺢَ .
ﻟﻘﺪ ﺗﻌﻠﻤﻨﺎ ﺃﻥّ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥَ :
ﻋﻤﻞُ ﻗﻠﺐٍ ، ﻭﻗﻮﻝُ ﻟﺴﺎﻥٍ ، ﻭﻓﻌﻞُ ﺍﻟﺠﻮﺍﺭﺡِ ﻭﺍﻷﺭﻛﺎﻥ .
ﻟﻜﻨﻨﺎ ﺍﺟﺘﻬﺪﻧﺎ ﻓﻲ ﺻﻮﺭِ ﺍﻷﻋﻤﺎﻝِ ﻭﻋﺪﺩﻫﺎ ، ﻭﻗﻮﻝ ﺍﻟﻠﺴﺎﻥ ، ﻭﻋﻤﻞ ﺍﻟﺠﻮﺍﺭﺡ .
ﻭﺃﻫﻤﻠﻨﺎ ﻟﺒـَّﻬﺎ ﻭﺟﻮﻫﺮﻫﺎ ؛ ﻭﻫﻮ ( ﻋﻤﻞ ﺍﻟﻘﻠﺐ ).
ﻭ ﻟﻜـﻞِّ ﻋﺒﺎﺩﺓٍ ﺣﻘﻴﻘﺔٌ ﻭ ﺻﻮﺭﺓ ؛
ﻓﺼﻮﺭﺓُ ﺍﻟﺼﻼﺓ : ﺍﻟﺮﻛﻮﻉُ ﻭ ﺍﻟﺴﺠﻮﺩُ ﻭﺑﻘﻴﺔ ﺍﻷﺭﻛﺎﻥ ..
ﻭ ﻟﺒﻬﺎ ( ﺍﻟﺨﺸﻮﻉ ).
ﻭﺻﻮﺭﺓُ ﺍﻟﺼﻴﺎﻡ : ﺍﻟﻜﻒُّ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻔﻄﺮﺍﺕ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﺠﺮ ﺇﻟﻰ المغرﺏ ..
ﻭ ﻟﺒﻪ ( اﻟﺘﻘﻮﻯ ).
ﻭﺻﻮﺭﺓُ ﺍﻟﺤﺞ : ﺍﻟﺴﻌﻲ ﻭﺍﻟﻄﻮﺍﻑ ﻭﺍﻟﻮﻗﻮﻑ ﺑﻌﺮﻓﺔ ﻭﻣﺰﺩﻟﻔﺔ ﻭ ﺭﻣﻲ ﺍﻟﺠﻤﺮﺍﺕ ..
ﻭ ﻟﺒﻪ ( ﺗﻌﻈﻴﻢُ ﺷﻌﺎﺋﺮ ﺍﻟﻠﻪ ).
ﻭﺻﻮﺭﺓُ ﺍﻟﺪﻋﺎﺀ : ﺭﻓﻊُ ﺍﻟﻴﺪﻳﻦ ﻭﺍﺳﺘﻘﺒﺎﻝُ ﺍﻟﻘﺒﻠﺔ ﻭﺃﻟﻔﺎﻅُ ﺍﻟﻤﻨﺎﺟﺎﺓ ﻭﺍﻟﻄﻠﺐِ ..
و ﻟﺒﻪ : ( ﺍﻻﻓﺘﻘﺎﺭُ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ ).
ﻭﺻﻮﺭﺓُ ﺍﻟﺬِّﻛﺮ : ﺍﻟﺘﺴﺒﻴﺢُ ﻭﺍﻟﺘﻬﻠﻴﻞُ ﻭﺍﻟﺘﻜﺒﻴﺮُ ﻭﺍﻟﺤﻤﺪُ ..
وﻟﺒﻪ ( ﺇﺟﻼﻝُ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ ﻭﻣﺤﺒﺘﻪ ﻭﺧﻮﻓﻪ ﻭﺭﺟﺎﺅﻩ ).
ﺇﻥّ ﺍﻟﺸﺄﻥّ ﻛﻞ ﺍﻟﺸﺄﻥ ..
ﻓﻲ ﺃﻥ ( ﺃﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﻘُﻠﻮﺏ ) ﻗﺒﻞ ( ﺃﻋﻤﺎﻝِ ﺍﻟﺠﻮﺍﺭﺡ ).
ﻓﻐﺪًﺍ ﺇﻧﻤﺎ ﴿ ﺗُﺒْﻠَﻰ ﺍﻟﺴَّﺮَﺍﺋِﺮُ ﴾.
ﻭﻏﺪًﺍ ﺇﻧﻤﺎ ﻳُﺤَﺼَّﻞ ﴿ ﻣَﺎ ﻓِﻲ ﺍﻟﺼُّﺪُﻭﺭِ ﴾.
ﻭﻏﺪًﺍ ﻻ ﻳﻨﺠﻮ ﴿ ﺇِﻟَّﺎ ﻣَﻦْ ﺃَﺗَﻰ ﺍﻟﻠَّﻪَ ﺑِﻘَﻠْﺐٍ ﺳَﻠِﻴﻢ ﴾.
ﻭ ﻏﺪًﺍ ﻻ ﻳﺪﺧﻞ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﺇﻻ ﴿ ﻣَﻦْ ﺧَﺸِﻲَ ﺍﻟﺮَّﺣْﻤَﻦَ ﺑِﺎﻟْﻐَﻴْﺐِ ﻭﺟَﺎﺀَ ﺑِﻘَﻠْﺐٍ ﻣُﻨِﻴﺐٍ ﴾.
ﺇﺫﺍ ﻛﺎﻧﺖْ ﻣﻔﺎﻭﺯُ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺗُﻘﻄَﻊ ﺑـ ( ﺍﻷﻗﺪﺍﻡ ) ..
ﻓﻤﻔﺎﻭﺯُ ﺍﻵﺧﺮﺓِ ﺗُﻘﻄَﻊُ ﺑـ ( ﺍﻟﻘﻠﻮﺏ ).
ندعوكم لقراءة : النية في الإسلام
– السلامة من خمسة :
ولله در القائل :
سَلامَةُ القَلْبِ لا تَتِمُّ لَهُ سَلامَتُهُ مُطْلَقًا حَتّى يَسْلَمَ مِن خَمْسَةِ أشْياءَ :
مِن شِرْكٍ يُناقِضُ التَّوْحِيدَ ، وبِدْعَةٍ تُخالِفُ السُّنَّةَ ، وشَهْوَةٍ تُخالِفُ الأمْرَ ، وغَفْلَةٍ تُناقِضُ الذِّكْرَ ، وهَوًى يُناقِضُ التَّجْرِيدَ والإخْلاصَ .
وَهَذِهِ الخَمْسَةُ حُجُبٌ عَنِ اللَّهِ ، وتَحْتَ كُلِّ واحِدٍ مِنها أنْواعٌ كَثِيرَةٌ ، تَتَضَمَّنُ أفْرادًا لا تَنْحَصِرُ .
ويقول الدكتور محمد سيد طنطاوي في [ الوسيط ] :
«إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ» ؛ أى : واسترني -يا إلهي- ولا تفضحني يوم القيامة ، يوم لا ينتفع الناس بشيء من أموالهم ولا من أولادهم ، ولكنهم ينتفعون بإخلاص قلوبهم لعبادتك ، وبسلامتها من كل شرك أو نفاق ، وبصيانتها من الشهوات المرذولة ، والأفعال القبيحة .
وهكذا نرى في قصة إبراهيم : الشجاعة في النطق بكلمة الحق ، حيث جابه قومه وأباه ببطلان عبادتهم للأصنام .
ونرى الحجة الدامغة التي جعلت قومه لا يجدون عذرًا يعتذرون به عن عبادة الأصنام سوى قولهم : وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ .
ونرى الثناء الحسن الجميل منه على ربه -عز وجل- : الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ . وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ . وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ .
ونرى الدعاء الخاشع الخالص الذي يتضرع به إلى خالقه -عز وجل- ، لكي يرزقه العلم والعمل ، وبأن يحشره مع الصالحين ، وأن يجعل له أثرًا طيبًا بعد وفاته بين الأمم الأخرى ، وبأن يجعله من الوارثين لجنة النعيم ، وبأن يستره بستره الجميل يوم القيامة ، يوم لا ينفع الناس شيء سوى إخلاص قلوبهم وعملهم الصالح ، وهي دعوات يرى المتأمل فيها شدة خوف إبراهيم -وهو الحليم الأواه المنيب- من أهوال يوم الحساب .
نسأل الله -تعالى- بفضله وكرمه ، أن يجنبنا إياها ، وأن يسترنا بستره الجميل .
– قالوا عن القلب السليم :
قال محمد بن سيرين : القلب السليم أن يعلم أن الله حق ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور .
وقال ابن عباس : ( إلا من أتى الله بقلب سليم ) حيي يشهد أن لا إله إلا الله .
وقال مجاهد ، والحسن ، وغيرهما : ( بقلب سليم ) ، يعني : من الشرك .
وقال سعيد بن المسيب : القلب السليم : هو القلب الصحيح ، وهو قلب المؤمن ؛ لأن قلب الكافر و المنافق مريض ، قال الله : ” فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ “. (البقرة : 10)
وقال أبو عثمان النيسابوري : هو القلب الخالي من البدعة ، المطمئن إلى السنة .