القالة بين الناس
القالة بين الناس :
من أعجب العجب أن ترى أناسًا يتفننون في الوقيعة بين الناس حتى لو كانوا من أقرب الناس إليهم !!
هم يجيدون نقل الكلام بقصد الإفساد ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
وهذا الأمر سماه رسولنا المعلم ، صلى الله عليه وسلم : ( العضْه ).
فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
” ألا هل أُنَبِّئُكم ما العَضْهُ ؟ هي النَّميمة القَالَةُ بين النّاس “.
( رواه مسلم ).
يحذر المعلم ، صلى الله عليه وسلم ، أُمَّتَه مِن المَشي بينَ النَّاس بالنَّمِيمَة ، بنَقْل حديث بعضهم في بعض على وَجه الإفساد بينَهم ، ويا لها من مفسدة ، يعاني منها كثير من المسلمين .
افتتح المعلم صلى الله عليه وسلم حديثه بصيغة الاستفهام ؛ ليكون أَوْقَع في نفوس الحاضرين ، وأَدْعَى للانتباه ، فسألهم : «ما العَضْهُ» ؛ أي : ما الكذب والافتراء ؟ وفُسِّر أيضًا بالسحر .
ثم أجاب المعلم الذي لا ينطق عن الهوى ، صلى الله عليه وسلم ، عن هذا السؤال بنفسه موضحًا أن العَضْهَ هو نَقْل الخُصُومة بين الناس ؛ لأن ذلك يفعلُ ما يفعَلُه السِّحر مِن الفساد ، والإضرار بالناس ، وتَفْريق القُلُوب بين المُتَآلِفَيْنِ ، وقَطْع الصِّلَة بين المُتَقَارِبَيْنِ ، ومَلْء الصُّدُور غَيْظًا وحِقْدًا ، كما هو المُشَاهَدُ بين النَّاس .
وليعلم الجميع أن إفساد العلاقات بين الناس يهدم الدين والدنيا ؛ فالنميمة جَدُّ خطيرة ، وهي بين الناس مثيرة ، وللأسف هي كثيرةٌ كثيرة.
- احذروا الحالقة :
الحذار .. الحذار ، من الحالقة ، التي تحلق الدين ، وتودي بالنمامين ، إلى سجين ، اقرأوا معي حديث سيد المرسلين :
عن أبي الدرداء رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
” أَلَا أَدُلُّكُم على أَفْضَلَ من درجةِ الصلاةِ والصيامِ والصدقةِ ؟ قالوا : بلى يا رسولَ اللهِ .. قال : إصلاحُ ذاتِ البَيْنِ ، فإنَّ فسادَ ذاتِ البَيْنِ هي الحالِقَةُ .. لا أقولُ إنها تَحْلِقُ الشَّعْرَ ولكن تَحْلِقُ الدِّينَ “.
( أخرجه أبو داود ، والترمذي ، وأحمد ، باختلاف يسير عندهم ، وصححه الألباني ).
وفي الموسوعة الحديثية شرحٌ بديع لهذا الحديث الشريف ، قالوا فيه :
أقامَ الإسلامُ عَلاقةَ المسلمينَ على التواصُلِ والمحبَّة والتناصُحِ في اللهِ ، وقِوامُ المجتَمعِ يَقومُ على التَّعارفِ والتعاوُنِ بينَ الناسِ ؛ فإذا حَكمتِ العَلاقاتِ البَغضاءُ والتَّشاحُن ؛ فإنَّ هذا يُنذِرُ بخَرابِ المجتَمعاتِ وضِياع الدِّينِ .
وفي هذا الحَديثِ يقولُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم لأصحابِه رضيَ اللهُ عَنهم : “ألَا” استفتاحُ السُّؤالِ بـ(ألا) ؛ للتَّنبيهِ والتَّحفيزِ إلى الأمْرِ الذي سَيذكُره ، “أُخبِرُكم” ، أي : عَن عَملٍ “بأفضلَ مِن دَرجةِ الصِّيامِ والصَّلاةِ والصَّدَقة؟” قالَ الصَّحابةُ : “بَلى”! قالَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : “إصْلاحُ ذاتِ البَينِ” ، أي : السَّعيُ في إصلاحِ العَلاقاتِ بينَ الناسِ ورَفعِ ما بَينَهم مِن خُصوماتِ ودَفعِهم إلى الأُلفةِ والمحبَّةِ ، وهوَ الأمرُ الأفضلُ في المنفَعةِ بينَ الناسِ وإقامةِ المجتمَعاتِ ، وهو المعامَلاتُ والتواصُل ؛ وذلكَ لأنَّ إصلاحَ ذاتِ البَينِ فيهِ مَنفعةٌ ظاهِرةٌ ومُباشرةٌ للجَميعِ .
ثمَّ قال صلَّى الله عليه وسلَّم :
“وفَسادُ ذاتِ البَينِ” ، أي : إنَّ فسادَ ذاتِ البَينِ وتركَ السَّعيِ في الإصلاحِ يؤدِّي إلى “الحالِقة” ، أي : القاطِعة والمُنْهية التي تأتِي على كلِّ شيءٍ وتحلِقُه وتقطَعُه من جُذورِه ، سواءٌ مِن أمورِ الدِّين أو الدُّنيا ؛ لأنَّها تُؤدِّي إلى التشاحُنِ بينَ الناسِ والتهاجُرِ وربَّما التقاتُل ، هذا غَيرُ ما فيها مِن الأثرِ القَلبيِّ السيِّئِ على الإنسانِ ، فيُفسِد قلبَه على إخوانِه ؛ فلا يكونُ للدِّين والعِبادات أثرٌ ظاهرٌ في نَفْسِه أو مجتمَعِه .
وفي الحديثِ : الحثُّ والترغيبُ على إصلاحِ العَلاقاتِ بينَ الناسِ .
وفيهِ : بيانُ أنَّ إفسادَ العلاقاتِ بينَ الناسِ يَهدمُ الدِّينَ والدُّنيا .
قال صاحب [ عون المعبود ] :
وقوله عليه الصلاة والسلام : «فإن فساد ذات البين هي الحالقة» ، أي هي الخصلة التي من شأنها أن تحلق الدين وتستأصله كما يستأصل الموسى الشعر .
وقال ابن منظور :
الحالقة أي التي من شأنها أن تحلق أي تهلك وتستأصل الدين كما تستأصل الموسى الشعر .
( لسان العرب ).
- يصدق ويأثم !!
هل يصدق المسلم ويأثم ؟
نعم .
وكيف ؟
إذا أدى الصدق إلى مفسدة ، وقطيعة لذات البين مؤكدة : فالنمام صادق في نقله ؛ يأثم على ما يترتب من مفسدة بفعله .
- ليس كذَّابًا :
في الصحيحين من حديث أم كلثوم بنت عقبة -رضي الله عنها- أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول :
” ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرًا ويقول خيرًا “.
( رواه البخاري : 2546 ، ومسلم : 2605 ).
- النميمة مدمرة :
لله در القائل :
الخلاف بين الناس أمر طبيعي ؛ لاختلاف أخلاقِهِم ، وتَبايُنِ أفكارِهِم ، وقُوَّةِ مَدارِكِهِم مِنْ ضَعْفِها ، فيقع النِّزاعُ بين الأبَ وأولادِه ، وبين المَرْءِ وَزَوْجِه ، وبين الأخِ وإِخْوَتِه ، وبين الجِيران ، وبين الشُّرَكاءِ في التجارة ، وبين الموظفين في العمل ، وبين الكفلاء ومكفوليهم ، سواء كان ذلك في الأموالِ ، أو الأقوالِ ، أو الأفعالِ، أو الدِّماءِ ، وسائِرِ التَّصَرُّفات .
وَرُبَّما تَطَوَّرَ النِّزَاع إلى خِلافٍ حادٍّ لا تُحْمَدُ عُقْباه ؛ بسبب سعي الوُشَاةِ والنَّمَّامين .
– ومن آثار النميمة ، أنها :
طريق موصل إلى النَّار .
تُذْكي نار العداوة بين المتآلفين .
تؤذي وتضرُّ ، وتؤلم ، وتجلب الخصام والنُّفور .
عنوان الدَّناءة ، والجبن ، والضِّعف ، والدَّسُّ ، والكيد ، والملق ، والنِّفاق .
مزيلة كلُّ محبَّة ، ومبعدة كلُّ مودَّة ، وتآلف ، وتآخ .
عارٌ على قائلها ، وسامعها .
تحمل على التجسس ، وتتبع أخبار الآخرين .
تُؤدي إلى قطع أرزاق الآخرين .
تُفرِّق وتُمزِّق المجتمعات الملتئمة .
النَّمِيمَة تحلق الدين ؛ كما ورد في الحديث المذكور آنفًا .
النَّمِيمَة تمنع نزول القطر من السماء :
روى كعبٌ : أنَّه أصاب بني إسرائيل قحطٌ ، فاستسقى موسى صلَّى الله عليه وسلم مرَّاتٍ فما أجيب ، فأوحى الله تعالى إليه أنِّي لا أستجيب لك ولا لمن معك ، وفيكم نمَّامٌ ، قد أصرَّ على النَّمِيمَة ، فقال موسى : يا رب من هو حتَّى نخرجه من بيننا ؟
فقال : يا موسى أنهاكم عن النَّمِيمَة ، وأكون نمَّامًا ؟! فتابوا بأجمعهم فسُقُوا .
النَّمِيمَة تجعل صاحبها ذليلًا محتقرًا :
اتبع رجلٌ حكيمًا سبعمائة فرسخ في سبع كلمات ، فلما قدم عليه قال : إنِّي جئتك للذي آتاك الله تعالى من العلم ، أخبرني عن السماء وما أثقل منها ؟ وعن الأرض وما أوسع منها ؟ وعن الصخر وما أقسى منه ؟ وعن النَّار وما أحرَّ منها ؟ وعن الزمهرير وما أبرد منه ؟ وعن البحر وما أغنى منه ؟ وعن اليتيم وما أذلَّ منه ؟ فقال له الحكيم : البهتان على البريء أثقل من السموات ، والحق أوسع من الأرض ، والقلب القانع أغنى من البحر ، والحرص والحسد أحرُّ من النار ، والحاجة إلى القريب إذا لم تنجح أبرد من الزمهرير ، وقلب الكافر أقسى من الحجر ، والنَّمام إذا بان أمره أذل من اليتيم .
النَّمِيمَة تحرم صاحبها دخول الجنة .
النَّمِيمَة تفسد الدين والدنيا :
قال أبو الفرج ابن الجوزي : النَّمِيمَة تفسد الدين والدنيا ، وتغيِّر القلوب ، وتولِّد البغضاء ، وسفك الدماء ، والشتات .
( عن موقع : طريق الإسلام ).
- الإسلام والإصلاح بين الناس :
والإسلامُ يَسْعَى إلى تَضْييقِ نِطاقِ الخِلاف ، ورَفْعِه إنْ أَمْكَنَ : فشَرَعَ الإصلاحَ بين الناس ، وحثَّ عليه ، ورغَّب فيه ، فهو خَيْرُ ما يتناجى فيه المُتناجون :
” لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا “. (النساء : 114)
قال الطبري رحمه الله : هُوَ الْإِصْلَاحُ بَيْنَ الْمُتَبَايِنَيْنِ أَوِ الْمُخْتَصِمَيْنِ بِمَا أَبَاحَ اللَّهُ الْإِصْلَاحَ بَيْنَهُمَا ؛ لِيَتَرَاجَعَا إِلَى مَا فِيهِ الْأُلْفَةُ وَاجْتِمَاعُ الْكَلِمَةِ ، عَلَى مَا أَذِنَ اللَّهُ وَأَمَرَ بِهِ .
وفي النهاية ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عالي المقام : ” لا يدخل الجنة نَمَّام “. (متفق عليه)