ديننا الإسلام

الفقير المتعفف

الفقير المتعفف :

مدح الله سبحانه وتعالى الفقراء المتعففين بقوله :

” لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ۗ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ “. (الآية 273 من سورة البقرة)

وإن كانت هذه الآية الكريمة نزلت في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل الصُّفة ، فإن العبرة بعمومها .

الفقراء المتعففون موجودون في كل زمان ومكان ، تحسبهم أغنياء من التعفف ، نراهم ولا نشعر بحاجتهم على الإطلاق ؛ لأنهم رضوا بما آتاهم الله من فضله مهما كان قليلًا ، لا يسألون الناس إلحافًا ؛ أي إلحاحًا .

والقناعة كنزٌ لا يفنى ، ولله درُّ الشاعر القائل :

أفادتنا القناعةُ أيَّ عزٍّ … ولا عزًّا أعز من القناعة

فخذْ منها لنفسِك رأسَ مالٍ … وصيِّر بعدَها التقوَى بضاعة

تحزْ حالين: تغنى عن بخيلٍ … وتسعدُ في الِجنانِ بصبرِ ساعة

  • قال أهل التفسير :

اجعلوا صدقاتكم لفقراء المسلمين الذين لا يستطيعون السفر ؛ طلبًا للرزق لاشتغالهم بالجهاد في سبيل الله ، يظنهم مَن لا يعرفهم غير محتاجين إلى الصدقة ؛ لتعففهم عن السؤال ، تعرفهم بعلاماتهم وآثار الحاجة فيهم ، لا يسألون الناس بالكُليَّة ، وإن سألوا اضطرارًا لم يُلِحُّوا في السؤال .

وما تنفقوا مِن مالٍ في سبيل الله فلا يخفى على الله شيء منه ، وسيجزي عليه أوفر الجزاء وأتمَّه يوم القيامة .

نزلت هذه الآية الكريمة في أهل الصُّفَّةِ وهم أربعمائة من المهاجرين أُرصِدوا لتعلم القرآن والخروج مع السرايا .

وكانوا -رضوان الله عليهم- لا يسألون الناس شيئًا فيلحفون «إلحافا» ؛ أي لا سؤال لهم أصلًا فلا يقع منهم إلحاف وهو الإلحاح .

وقد ذم الإسلام الجشع والطمع والسؤال ، ففي صحيح مسلم عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

” لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله تعالى وليس على وجهه مزعة لحم “.

وقد بيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم من تحل له المسألة ، ففي صحيح مسلم عن قبيصة بن مخارق الهلالي رضي الله عنه قال : تحملت حمالة ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله ، فقال :
” أقم عندنا حتى تأتينا الصدقة ، فنأمر لك بها ، ثم قال : يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة : رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك ، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قوامًا من عيش -أو قال : سدادًا من عيش- ، ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجا من قومه : لقد أصابت فلانًا فاقة ، فحلت له المسألة حتى يصيب قوامًا من عيش -أو قال : سدادًا من عيش- فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحتًا ، يأكلها صاحبها سحتًا “.

فهؤلاء الثلاثة فقط هم الذين تحل لهم المسألة : تحمل الحمالة للصلح ، إصابة الجائحة في المال ، الفاقة والفقر المدقع .

فإن كان السائل من هؤلاء ، فالمسألة جائزة دون قيد بنص الحديث .

أما غير هؤلاء فلا يجوز له سؤال الناس -أصلًا- ولو في غير المسجد ، فإذا فعل ذلك في المسجد كان إثمًا زائدًا .

ندعوكم لقراءة : الإنفاق في سبيل الله

– الضمان الاجتماعي :

الإسلام الحنيف حريص كل الحرص على تقرير مبدأ الإنفاق في سبيل الله .

ولم يُردْ منه مجرد الإنفاق بإخراج الغني بعض ماله لغيره أيًّا كان ذلك الغير ، وإنما أراد بالإنفاق ما يُحقِّق الضمان الاجتماعي بين الأغنياء وذوِي الفقر والحاجة الذين لم يكن لديهم قوة عملية يدفعون بها حاجتهم ، ويُنقذون أنفسهم من مخالب الفقر والحاجة .

– الأهل والأقارب :

من أجمل ما قرأت لأحد الدعاة :

لا يكاد يَشتبه أحد في تحديد دائرة أهله وأقاربه ، ولا في تحديد دائرة المشروعات النافعة ؛ فهما دائرتان واضحتان لا لَبْس فيهما ولا خَفاء .

– دائرة الفقر والمسكنة :

ويواصل الداعية كلامه عن دائرة أخرى ، فيقول لا فض فوه :

نعم يقع الاشتباه عند كثيرٍ من الناس في دائرة الفقر والمسكنة ، هذه الدائرة التي يتزيَّا بزي أهلها الحقيقيين كثيرٌ من المحترفين ، سوَّلت لهم نفوسهم البطالة ، فمدُّوا أيديهم بالسؤال ، واتَّخذوا مشروعية الصدقة في الإسلام سبيلًا للجمع عن طريق التمسكن ، وللظهور بمظهر الفقراء المستحقين ، وبذلك استغلوا بماءِ وجوههم عاطفةَ الناس !

هؤلاء ليسوا في واقعهم إلا أرباب نهبٍ وسلبٍ ، عن طريق استخدام الغش والخديعة التي تَصرف الناس عن حقيقة أمرهم ، وليسوا إلا عناصر بطالة وهدْمٍ لكرامة الجماعة التي يجب أن تعيش وَحداتها على أساس من العزة والتعفُّف والرِّفعة .

إن هذا الصِّنف كَثُر في هذه الأيام ، وتفنَّن في مظاهر العجز ودواعي السؤال ، وكان منهم مَن يتعارَج ، ومن يتعامى ، ومن يَزعم أنه خرَج من مستشفى القصر وليس معه أجرة القطار ، ولا أُجرة المأوى ، ولا ثمن الخُبز ، هؤلاء كذَبة فجَرة ، فقَدوا ماءَ الوجه ، وحُرِموا فضيلة الحياء ، واستطابوا هذه الوسيلة الوضيعة لجمْع المال بغير كدٍّ وعملٍ .

– مَنْ يستحق العطف :

المسكين الذي يستحقُّ العطف ويجب له البذل ، هو مَن قعَد به المرض عن السعي والعمل ، وهو مَن سعى إلى عملٍ ، فسُدَّت في وجهه السُّبل ، هذا هو المسكين ، ومع هذا فشأنه أن تدل عليه حالتُه ، فيَعطف عليه أهل الخير والسخاء ؛ ” لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ “. (البقرة : 273)

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

” ليس المسكين الذي تردُّه التمرة والتمرتان ، ولا اللقمة واللقمتان ؛ إنما المسكين الذي يتعفف “. (متفق عليه)

وفي رواية في الصحيحين :

” ليس المسكين الذي يطوف على الناس ترده اللقمة واللقمتان ، والتمرة والتمرتان ؛ ولكن المسكين الذي لا يجد غِنىً يُغنيه ، ولا يُفطَن به فيُتَصَدَق عليه ، ولا يقوم فيسأل الناس “. (متفق عليه)

اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك ، وأغننا بفضلك عمن سواك .

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى