الغلام المؤمن الهمام

الغلام المؤمن الهمام :

بسم الله ، رب الغلام ، نبدأ هذا الكلام ، أيها السادة الكرام ؛ فهو غلام عالي المقام ، نال كل تقدير واحترام ؛ لأنه اعتصم بالله حق الاعتصام ، وعلى طريق الحق استقام ، قصته تُحكَى على مدار الليالي والأيام ، وها هي قصة أصحاب الأخدود يذكرها ربنا الملك القدوس السلام :

في سورة البروج ، وهي مفصلة فيما رواه الإمام مسلم -رحمه الله- في صحيحه : عَنْ صُهَيْبٍ -رضي الله عنه- أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ” كَانَ مَلِكٌ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، وَكَانَ لَهُ سَاحِرٌ ، فَلَمّا كَبِرَ ، قَالَ لِلْمَلِكِ : إِنّي قَدْ كَبِرْتُ ، فَابْعَثْ إِلَيّ غُلاَمًا أُعَلّمْهُ السّحْرَ ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ غُلاَمًا يُعَلّمُهُ ، فَكَانَ فِي طَرِيقِهِ إِذَا سَلَكَ رَاهِبٌ ، فَقَعَدَ إِلَيْهِ ، وَسَمِعَ كَلاَمَه ، فَأَعْجَبَهُ ، فَكَانَ إِذَا أَتَىَ السّاحِرَ ، مَرّ بِالرّاهِبِ ، وَقَعَدَ إِلَيْهِ ، فَإِذَا أَتَىَ السّاحِرَ ضَرَبَهُ ، فَشَكَا ذَلِكَ إِلَىَ الرّاهِبِ ، فَقَالَ : إِذَا خَشِيتَ السّاحِرَ ، فَقُلْ : حَبَسَنِي أَهْلِي ، وَإِذَا خَشِيتَ أَهْلَكَ ، فَقُلْ : حَبَسَنِي السّاحِرُ ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ ؛ إِذْ أَتَىَ عَلَىَ دَابّةٍ عَظِيمَةٍ ، قَدْ حَبَسَتِ النّاسَ ، فَقَالَ : الْيَوْمَ أَعْلَمُ آلسّاحِرُ أَفْضَلُ أَمِ الرّاهِبُ أَفْضَلُ ؟ فَأَخَذَ حَجَرًا ، فَقَالَ : اللّهُمّ إِنْ كَانَ أَمْرُ الرّاهِبِ أَحَبّ إِلَيْكَ مِنْ أَمْرِ السّاحِرِ ، فَاقْتُلْ هَذِهِ الدّابّةَ ، حَتّىَ يَمْضِيَ النّاسُ ، فَرَمَاهَا ، فَقَتَلَهَا ، وَمَضَىَ النّاسُ ، فَأَتَىَ الرّاهِبَ ، فَأَخْبَرَهُ ، فَقَالَ لَهُ الرّاهِبُ : أَيْ بُنَيّ أَنْتَ الْيَوْمَ أَفْضَلُ مِنّي ، قَدْ بَلَغَ مِنْ أَمْرِكَ مَا أَرَىَ ، وَإِنّكَ سَتُبْتَلَىَ ، فَإِنِ ابْتُلِيتَ ، فَلاَ تَدُلّ عَلَيّ ، وَكَانَ الْغُلاَمُ يُبْرِئُ الأَكْمَهَ ، وَالأَبْرَصَ ، وَيُدَاوِي النّاسَ مِنْ سَائِرِ الأَدْوَاءِ ، فَسَمِعَ جَلِيسٌ لِلْمَلِكِ كَانَ قَدْ عَمِيَ ، فَأَتَاهُ بِهَدَايَا كَثِيرَةٍ ، فَقَالَ : مَا هَا هُنَا لَكَ أَجْمَعُ ، إِنْ أَنْتَ شَفَيْتَنِي ، فَقَالَ : إِنّي لاَ أَشْفِي أَحَدًا ، إِنّمَا يَشْفِي اللّهُ ، فَإِنْ أَنْتَ آمَنْتَ بِاللّهِ ، دَعَوْتُ اللّهَ ، فَشَفَاكَ ، فَآمَنَ بِاللّهِ ، فَشَفَاهُ اللّهُ ، فَأَتَىَ الْمَلِكَ ، فَجَلَسَ إِلَيْهِ كَمَا كَانَ يَجْلِسُ ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ : مَنْ رَدّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ ؟ قَالَ : رَبّي ، قَالَ : وَلَكَ رَبّ غَيْرِي ؟ قَالَ : رَبّي وَرَبّكَ اللّهُ ، فَأَخَذَهُ ، فَلَمْ يَزَلْ يُعَذّبُهُ ؛ حَتّىَ دَلّ عَلَىَ الْغُلاَمِ ، فَجِيءَ بِالْغُلاَمِ ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ : أَيْ بُنَيّ قَدْ بَلَغَ مِنْ سِحْرِكَ مَا تُبْرِئُ الأَكْمَهَ ، وَالأَبْرَصَ ، وَتَفْعَلُ ، وَتَفْعَلُ ، فَقَالَ : إِنّي لاَ أَشْفِي أَحَدًا ، إِنّمَا يَشْفِي اللّهُ، فَأَخَذَهُ ، فَلَمْ يَزَلْ يُعَذّبُهُ ؛ حَتّىَ دَلّ عَلَى الرّاهِبِ ، فَجِيءَ بِالرّاهِبِ ، فَقِيلَ لَهُ : ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ ، فَأَبَىَ ، فَدَعَا بِالْمِئْشَارِ ، فَوَضَعَ الْمِئْشَارَ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ ، فَشَقّهُ ؛ حَتّىَ وَقَعَ شِقّاهُ ، ثُمّ جِيءَ بِجَلِيسِ الْمَلِكِ ، فَقِيلَ لَهُ : ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ ، فَأَبَى ، فَوَضَعَ الْمِئْشَارَ فِي مَفْرِقِ رَأْسِهِ ، فَشَقّهُ بِهِ ؛ حَتّىَ وَقَعَ شِقّاهُ ، ثُمّ جِيءَ بِالْغُلاَمِ ، فَقِيلَ لَهُ : ارْجِعْ عَنْ دِينكَ ، فَأَبَىَ ، فَدَفَعَهُ إِلَىَ نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ ، فَقَالَ : اذْهَبُوا بِهِ إِلَىَ جَبَلِ كَذَا وَكَذَا ، فَاصْعَدُوا بِهِ الْجَبَلَ ، فَإِذَا بَلَغْتُمْ ذِرْوَتَهُ ، فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ ، وَإِلاّ فَاطْرَحُوهُ ، فَذَهَبُوا بِهِ ، فَصَعِدُوا بِهِ الْجَبَلَ ، فَقَالَ : اللّهُمّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ ، فَرَجَفَ بِهِمُ الْجَبَلُ ، فَسَقَطُوا ، وَجَاءَ يَمْشِي إِلَىَ الْمَلِكِ ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ : مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ ؟ قَالَ : كَفَانِيهِمُ اللّهُ ، فَدَفَعَهُ إِلَىَ نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ ، فَقَالَ : اذْهَبُوا بِهِ ، فَاحْمِلُوهُ فِي قُرْقُورة ، فَتَوَسّطُوا بِهِ الْبَحْرَ ، فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ ، وَإِلاّ فَاقْذِفُوهُ ، فَذَهَبُوا بِهِ ، فَقَالَ: اللّهُمّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ ، فَانْكَفَأَتْ بِهِمُ السّفِينَةُ ، فَغَرِقُوا ، وَجَاءَ يَمْشِي إِلَىَ الْمَلِكِ ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ : مَا فَعَلَ أَصْحَابُكَ ؟ قَالَ : كَفَانِيهِمُ اللّهُ ، فَقَالَ لِلْمَلِكِ : إِنّكَ لَسْتَ بِقَاتِلِي ؛ حَتّىَ تَفْعَلَ مَا آمُرُكَ بِهِ ، قَالَ : وَمَا هُوَ ؟ قَالَ : تَجْمَعُ النّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ ، وَتَصْلُبُنِي عَلَىَ جِذْعٍ ، ثُمّ خُذْ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِي ، ثُمّ ضَعِ السّهْمَ فِي كَبِدِ الْقَوْسِ ، ثُمّ قُلْ : بِاسْمِ اللّهِ ، رَبّ الْغُلاَمِ ، ثُمّ ارْمِنِي ، فَإِنّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ ، قَتَلْتَنِي ، فَجَمَعَ النّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ ، وَصَلَبَهُ عَلَىَ جِذْعٍ ، ثُمّ أَخَذَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ ، ثُمّ وَضَعَ السّهْمَ فِي كَبِدِ الْقَوْسِ ، ثُمّ قَالَ : بِاسْمِ اللّهِ ، رَبّ الْغُلاَمِ ، ثُمّ رَمَاهُ ، فَوَقَعَ السّهْمُ فِي صُدْغِهِ ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِي صُدْغِهِ فِي مَوْضِعِ السّهْمِ ، فَمَاتَ ، فقال النّاسُ : آمَنّا بِرَبّ الْغُلاَمِ ، آمَنّا بِرَبّ الْغُلاَمِ ، آمَنّا بِرَبّ الْغُلاَمِ ، فَأُتِيَ الْمَلِكُ ، فَقِيلَ لَهُ : أَرَأَيْتَ مَا كُنْتَ تَحْذَرُ ؟
قَدْ -وَاللّهِ- نَزَلَ بِكَ حَذَرُكَ ، قَدْ آمَنَ النّاسُ ، فَأَمَرَ بِالأُخْدُودِ فِي أَفْوَاهِ السّكَكِ ، فَخُدّتْ ، وَأَضْرَمَ النّيرَانَ ، وَقَالَ : مَنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ دِينِهِ ، فَأَحْمُوهُ فِيهَا ، أَوْ قِيلَ لَهُ : اقْتَحِمْ ، فَفَعَلُوا ؛ حَتّىَ جَاءَتِ امْرَأَةٌ وَمَعَهَا صَبِيّ لَهَا ، فَتَقَاعَسَتْ أَنْ تَقَعَ فِيهَا ، فَقَالَ لَهَا الْغُلاَمُ : يَا أُمّهِ ، اصْبِرِي ، فَإِنّكِ عَلَىَ الْحَقّ “.

” وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلۡبُرُوجِ (1) وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡمَوۡعُودِ (2) وَشَاهِدٖ وَمَشۡهُودٖ (3) قُتِلَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡأُخۡدُودِ (4) ٱلنَّارِ ذَاتِ ٱلۡوَقُودِ (5) إِذۡ هُمۡ عَلَيۡهَا قُعُودٞ (6) وَهُمۡ عَلَىٰ مَا يَفۡعَلُونَ بِٱلۡمُؤۡمِنِينَ شُهُودٞ (7) وَمَا نَقَمُواْ مِنۡهُمۡ إِلَّآ أَن يُؤۡمِنُواْ بِٱللَّهِ ٱلۡعَزِيزِ ٱلۡحَمِيدِ (8) ٱلَّذِي لَهُۥ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ شَهِيدٌ (9) إِنَّ ٱلَّذِينَ فَتَنُواْ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ وَٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ ثُمَّ لَمۡ يَتُوبُواْ فَلَهُمۡ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمۡ عَذَابُ ٱلۡحَرِيقِ (10) إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّلِحَٰتِ لَهُمۡ جَنَّتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡكَبِيرُ (11) إِنَّ بَطۡشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12) إِنَّهُۥ هُوَ يُبۡدِئُ وَيُعِيدُ (13) وَهُوَ ٱلۡغَفُورُ ٱلۡوَدُودُ (14) ذُو ٱلۡعَرۡشِ ٱلۡمَجِيدُ (15) فَعَّالٞ لِّمَا يُرِيدُ (16) هَلۡ أَتَىٰكَ حَدِيثُ ٱلۡجُنُودِ (17) فِرۡعَوۡنَ وَثَمُودَ (18) بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِي تَكۡذِيبٖ (19) وَٱللَّهُ مِن وَرَآئِهِم مُّحِيطُۢ (20) بَلۡ هُوَ قُرۡءَانٞ مَّجِيدٞ (21) فِي لَوۡحٖ مَّحۡفُوظِۭ (22) “.

ندعوكم لقراءة : رجل خلد عمله

” والسماء ذات البروج “
أقسم الله تعالى بالسماء ذات المنازل التي تمر بها الشمس والقمر .

” واليوم الموعود “
وبيوم القيامة الذي وعد الله الخلق أن يجمعهم فيه .

” وشاهد ومشهود “
وشاهد يشهد ، ومشهود يشهد عليه .

ويقسم الله -سبحانه- بما يشاء من مخلوقاته ، أما المخلوق فلا يجوز له أن يقسم بغير الله ، فإن القسم بغير الله شرك .

” قُتل أصحاب الأخدود “
هلك وعذب ولعن الذين شقوا في الأرض شقًّا عظيمًا ، لتعذيب المؤمنين .

” النار ذات الوقود “
وأوقدوا النار الشديدة ذات الوقود .

“إذ هم عليها قعود “
إذ هم قعود على الأخدود ملازمون له .

” وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود “
وهم على ما يفعلون بالمؤمنين من تنكيل وتعذيب حضور .

” وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد “
وما أخذوهم بمثل هذا العقاب الشديد إلا أن كانوا مؤمنين بالله العزيز الذي لا يغالب ، الحميد في أقواله وأفعاله وأوصافه .

” الذي له ملك السماوات والأرض والله على كل شيء شهيد “
الذي له ملك السموات والأرض ، وهو -سبحانه- على كل شيء شهيد ، لا يخفى عليه شيء .

” إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق “
إن الذين حرقوا المؤمنين والمؤمنات بالنار ؛ ليصرفوهم عن دين الله ، ثم لم يتوبوا ، فلهم في الآخرة عذاب جهنم ، ولهم العذاب الشديد المحرق .

” إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير “
إن الذين صدقوا الله ورسوله وعملوا الأعمال الصالحات ، لهم جنات تجري من تحت قصورها الأنهار ، ذلك الفوز العظيم .

” إن بطش ربك لشديد “
إن انتقام ربك من أعدائه وعذابه لهم لعظيم شديد .

” إنه هو يبدئ ويعيد “
إنه هو يبدئ الخلق ثم يعبده .

” وهو الغفور الودود “
وهو الغفور لمن تاب ، الودود المحب لأوليائه .

” ذو العرش المجيد “
ذو العرش العظيم .

” فعال لما يريد “
فعال لما يريد ، لا يمتنع عليه شيء يريده .

” هل أتاك حديث الجنود “
هل بلغك -يا محمد- خبر الجموع الكافرة المكذبة لأنبيائها .

” فرعون وثمود “
فرعون وثمود ، وما حل بهم من العذاب والنكال ، لم يعتبر القوم بذلك .

” بل الذين كفروا في تكذيب “
بل الذين كفروا في تكذيب متواصل كدأب من قبلهم .

” والله من ورائهم محيط “
والله قد أحاط بهم علما وقدرة ، لا يخفى عليه منهم ومن أعمالهم شيء ، وليس القرآن كما زعم المكذبون المشركون بأنه شعر وسحر ، فكذبوا به .

“بل هو قرآن مجيد”
بل هو قرآن عظيم كريم .

” في لوح محفوظ “
في لوح محفوظ ، لا يناله تبديل ولا تحريف .

Exit mobile version