العدو الأول :
قال الرب الجليل في محكم التنزيل :
« إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ». (فاطر : 6)
الشيطان الرجيم ، هو العدو الأول للإنسان الكريم ؛
ففي البداية ، رفض إبليس السجود لآدم ، قال الله تعالى :
« وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ». (البقرة : 34)
وعلَّلَ ذلك بأن آدم خُلق من طين ؛ قال الله عز وجل :
« وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا ». (الإسراء : 61)
- بين آدم وإبليس في الجنة :
اختلف المفسرون في الكيفية التي وسوس بها الشيطان لآدم وحواء عليهما السلام .
فقال ابن مسعود وابن عباس وجمهور العلماء : أغواهما مشافهة .
ودليل ذلك قوله تعالى : « وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ ». (الأعراف : 21)
( تفسير القرطبي ).
وقال البيضاوي :
{ واختلف في أنه تمثل لهما قفاولهما بذلك ، أو ألقاه إليهما عن طريق الوسوسة ، واختلف كيف توصل إلى الوسوسة إليهما بعدما قيل له : ” فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ “. (الحجر : 34)
فقيل : إنه مُنع الدخول على جهة التكريم ، كما كان يدخل مع الملائكة ، ولم يُمنَع أن يدخل ذليلًا حقيرًا ابتلاءً لآدم وحواء ، وقيل : قام عند الباب فناداهما .
وقيل : دخل في فم الحية حتى دخلت به }. اهـ .
- آيات وتحذيرات من العدو الأول :
ورَد ذِكر إبليس في القرآن الكريم في إحدى عشرة آية من آيات القرآن الكريم ، بينما ورد ذكر الشيطان على جهة الإفراد والجمع في ثمانٍ وثمانين آية .
فيها إخبار عن إضلاله لآدم وحواء ، وتحذير من اتباع خطواته ، وعن أمره بالفحشاء ، والوعد بالفقر ، وعن تخبط ابن آدم بالمسّ ، وفي التعوّذ منه ، واستذلاله للمؤمنين بسبب بعض ذنوبهم ، وتخويفه لأنصاره وأوليائه ، وذمّ صحبة الشيطان ، وعن عزمه واجتهاده في إضلال بني آدم ، وأمور وأحوال كثيرة بين طرفي النقيض ؛ الشيطان ومحاولاته التي لا تنقطع لإضلال بني آدم ، وابن آدم ومحاولاته الحثيثة في الاستعاذة منه والابتعاد عن غوايته .
يقول الله تبارك وتعالى في سورة ( ص ) :
« وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَىٰ يَوْمِ الدِّينِ * قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ * إِلَىٰ يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ * قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ * قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ * لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ * قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ». (ص : 78-86)
- قال ابن كثير في التفسير :
” قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ “.
هذه القصة ذكرها الله ، تعالى في سورة ” البقرة ” وفي أول ” الأعراف ” وفي سورة ” الحجر ” و [ في ] سبحان ” و ” الكهف ” ، وهاهنا وهي أن الله سبحانه أعلم الملائكة قبل خلق آدم -عليه السلام- بأنه سيخلق بشرًا من صلصال من حمأ مسنون وتقدم إليهم بالأمر متى فرغ من خلقه وتسويته فليسجدوا له إكرامًا وإعظامًا واحترامًا وامتثالا لأمر الله -عز وجل- .. فامتثل الملائكة كلهم ذلك سوى إبليس ولم يكن منهم جنسًا كان من الجن فخانه طبعه وجبلته أحوج ما كان إليه فاستنكف عن السجود لآدم وخاصم ربه -عز وجل- فيه وادعى أنه خير من آدم فإنه مخلوق من نار وآدم خلق من طين والنار خير من الطين في زعمه .
وقد أخطأ في ذلك وخالف أمر الله ، وكفر بذلك فأبعده الله وأرغم أنفه وطرده عن باب رحمته ومحل أنسه وحضرة قدسه وسماه ” إبليس ” إعلامًا له بأنه قد أبلس من الرحمة وأنزله من السماء مذمومًا مدحورًا إلى الأرض .
فسأل الله النظرة إلى يوم البعث فأنظره الحليم الذي لا يعجل على من عصاه .
فلما أمن الهلاك إلى يوم القيامة تمرد وطغى وقال : ( لأغوينهم أجمعين * إلا عبادك منهم المخلصين ) كما قال : ( أرأيتك هذا الذي كرمت علي لئن أخرتن إلى يوم القيامة لأحتنكن ذريته إلا قليلا ) [ الإسراء : 62 ] ، وهؤلاء هم المستثنون في الآية الأخرى وهي قوله تعالى : ( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلا ) [ الإسراء : 65 ].
- نهاية الأمر :
تُرَى ، ماذا يقول الشيطان في نهاية الأمر ، بعد أن فعل الأفاعيل مع آدم وزوجه وذريته ؟
الشَّيْطَانُ الذي هو العدو الأول للإنسان وسبب لكل شر وقع ويقع وسيقع في العالم كله ؛ شرقه وغربه ، شماله وجنوبه .
يخاطب هذا اللعين أهل النار ويتبرأ منهم ، ويقول لهم : { إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ } ، ووعده حق سبحانه وبحمده ؛ كما جاء على لسان رسله عليهم السلام .
ويتابع بقوله : { وَوَعَدْتُكُمْ } الخير ، والنتيجة ؛{ فَأَخْلَفْتُكُمْ } ؛ لأن أمانيَّ كانت باطلة .
{ وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ } ؛ أي : من حجة على تأييد قولي ، { إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي } أي : هذا نهاية ما عندي أني دعوتكم إلى مرادي وزينته لكم ، فاستجبتم لي .
{ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ } فأنتم السبب وعليكم المدار في موجب العقاب ، { مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ } أي : بمغيثكم من الشدة التي أنتم بها { وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ } كل له قسط من العذاب .
وهو في النهاية يعترف فيقول : { إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ }.
تصوروا يا من تتبعون الشيطان أن هذا كلامه لما قُضي الأمر بأمر صاحب الأمر ﷻ .
هل يليق بعاقل أن يقع في حبائل الشيطان ( العدو الأول للإنسان ) بعد أن قرأ وسمع ما جاء في آي القرآن ؟!
إنها الحجة البالغة ورب الكعبة .
يقول هذا اللعين : فلا تلوموني ولوموا أنفسكم !!
يقول الله تبارك وتعالى واصفًا هذا الذي سيحدث يوم القيامة :
« وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ». (إبراهيم : 22)