من عبق التاريخ

الطيب والخبيث

الطيب والخبيث :

صدق من قال : { المال ببركته ، وليس بكثرته }.

يقول العلامة الراحل الشيخ محمد متولي الشعراوي :

دائمًا ما أقص هذه القصة للتأكيد على أن الآباء لا يضمنون الغنى والستر لأولاهم ، بل بالعكس يعطونهم خيرًا زيادة ، وهذه هي الكثرة التي يفهمونها ، وهي خبيثة ، { لما يأخذ فدانين بدلًا من فدان } ، لكنه { لو أخذ فدانًا ، فيه بركة لكان أفضل من الفدانين }.

” قُل لَّا يَسْتَوِي ٱلْخَبِيثُ وَٱلطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ ٱلْخَبِيثِ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ “. (المائدة : 100)

لا يغرنك كثرة الخبيث .

حينما بويع أبو جعفر المنصور ، الخليفة العباسي ، بالخلافة ذهب الناس يهنئونه بخلافة المؤمنين ، ودخل عليه مقاتل بن سليمان ، وكان أحد الواعظين .

هنا قال أبو جعفر لنفسه : جاء ليعكر علينا صفو يومنا ، سأبدأه قبل أن يبدأني ، وقال له : عظنا يا مقاتل .
قال مقاتل : أعظك بما رأيت أم بما سمعت ؟
ذلك أن السمع أكثر من الرؤية ، فالرؤية محدودة ومقصورة على ما تدركه العين ، لكن السمع متعدد ؛ لأن الإنسان قد يسمع أيضًا تجارب غيره من البشر .
قال أبو جعفر : تكلم بما رأيت .
قال: يا أمير المؤمنين ، مات عمر بن عبد العزيز وقد ترك أحد عشر ولدًا ، وخلّف ثمانية عشر دينارًا ، كُفِّن منها بخمسة ، واشتروا له قبرًا بأربعة ، ثم وزع الباقي على ورثته .

ومات هشام بن عبد الملك ، فكان نصيب إحدى زوجاته الأربع ثمانين ألف دينار ، غير الضياع والقصور .
كان نصيب الزوجات الأربع هو ثلاثمائة وعشرون ألف دينار ، وهذا هو ثُمن التركة فقط .
والله يا أمير المؤمنين لقد رأيت بعيني هاتين في يوم واحد ، ولدًا من أولاد عمر بن عبد العزيز يحمل على مائة فرس في سبيل الله ، وولدًا من أولاد هشام بن عبد الملك يسأل الناس في الطريق .

إذن فعلى كلٍّ منا أن يعرف أنه لم يدخل الدنيا بثروة ، وعليه أن يتأدب مع الله ويرعى حق الله ، ولا يتدخل في قسمة الله . (انتهى)

  • وقد سأل الناس عمر بن عبد العزيز وهو على فراش الموت :
    ماذا تركت لأبنائك يا عمر ؟
    قال : تركت لهم تقوى الله ، فإن كانوا صالحين فالله تعالى يتولى الصالحين ، وإن كانوا غير ذلك فلن أترك لهم ما يعينهم على معصية الله تعالى !

كثير من الناس يسعى ويكد ويتعب ؛ ليؤمن مستقبل أولاده ظنًّا منه أن وجود المال في أيديهم بعد موته أمان لهم ، وغفل عن الأمان العظيم الذي ذكره الله في قرآنه الكريم : ” وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا”. (النساء : 9)

– عمر وابنته :

ذُكِرَ أن ابنة عمر بن عبد العزيز دخلت عليه ذات مرة وهي تبكي ، وكانت طفلة صغيرة آنذاك ، وكان يوم عيد للمسلمين ، فسألها : ما يبكيك ؟
قالت : كل الأطفال يرتدون ثيابًا جديدة ، وأنا ابنة أمير المؤمنين أرتدي ثوبًا قديمًا !!
فتأثر عمر لبكائها ، وذهب إلى خازن بيت المال ، وقال له : أتأذن لي أن أصرف راتبي عن الشهرالقادم ؟
فقال له الخازن : ولِمَ يا أمير المؤمنين ؟
فحكى له عمر !

فقال الخازن ː لا مانع ، وَ لكن بشرط !

فقال عمر : وما هذا الشرط ؟!
فقال الخازن : أن تضمن لي أن تبقى حيًّا حتى الشهر القادم ؛ لتعمل بالأجر الذي تريد صرفه مسبقًا .
فتركه عمر وعاد .
فسأله أبناؤه : ماذا فعلت يا أبانا ؟
قال : أتصبرون وندخل جميعًا الجنة ، أم لا تصبرون ويدخل أبوكم النار ؟
قالوا : نصبر يا أبانا !

{ ليتنا نمتلك الثلاثة : الخازن .. وعمر .. وأبناء عمر }.

اللهم توفنا مسلمين ، وألحقنا بالصالحين .

ندعوكم لقراءة نماذج رشيدة لإنفاق المال : أهل البر والإحسان 1

– وهذه نبذة عن :

  • مقاتل بن سليمان :

هو أبو الحسن مقاتل بن سليمان بن بشير الأزدي البلخى ، من أعلام المفسرين صاحب التفسير المسمى [ تفسير مقاتل ].

أصله من بلخ في أفغانستان «حاليًا» ، وانتقل إلى البصرة ، ودخل بغداد ، فحدَّث بها ، لكن كان متروكًا ؛ أي كان متروك الحديث .

وتفسيره للقرآن كامل ، اعتنى فيه ببيان القرآن بالقرآن ، وبذكر أسباب النزول ، كما اعتنى ببيان المبهمات ، وغيرها من علوم القرآن.

وطُبِع هذا التفسير بمصر بتحقيق الدكتور عبدالله شحاته رحمه الله ، وقَدَّم له بذكر تاريخ التفسير ، ودراسة خاصة عن مقاتل وتفسيره.

قال في دراسته :
{ وتفسير مقاتل يتميز بالبساطة والسهولة ، والإحاطة التامة بمعاني الآيات ونظائرها في القرآن ، وما يتعلق بها في السنة .
إنه أشبه بالسهل الممتنع .
وفى رأيي : أن تفسير مقاتل لا نظير له في بابه ، من جهة الإحاطة بالمعنى ، في عبارة سهلة محدودة ، ثم اختيار أقوى الآراء في الآية ، وأولاها ، بدون سرد للخلاف }.

تُوفي مقاتل بن سليمان 150 هـ / 767 م ، بالبصرة .

  • أبو جعفر المنصور :

فهو أبو جعفر عبدالله المنصور بن مُحمد بن عَلي بن عبد الله بن العباس بن عَبْد المُطلّب بن هَاشم القُرشيّ ، المولود في ( 95 هـ / 714 م ، والمتوفى في 158 هـ / 775 م ).

وهو الخليفة العباسي الثاني ، وهُو المؤسس الحقيقي للدولة العباسيةِ ، وباني بغداد ، وقد بُويع بالخلافة في شهر ذي الحجة عام 136 هـ بعد وفاة أخيه أبي العباس عبدالله السفاح ، وكان السفاح أصغر منه سنًا ، ولكن تولى الخلافة قبله امتثالًا لوصية أخيهم إبراهيم الإمام ؛ وكان السبب في هذا هو أن السفاح أمه عربية حرة ، وكانت أم المنصور أَمة بربرية تُدعى سلامة .

وُلِدَ المنصور في الحميمة من أرض الشراة من البلقاء الواقعة في الشام في جنوب الأردن تحديدًا في صفر في عام 95 هـ ، ونشأ بها ثم ارتحل إلى الكوفة مع عائلته بعد أن ألقى مروان بن محمد القبض على أخيه إبراهيم الإمام ، وقد ساعد أخاه أبا العباس السفاح في السيطرة على الدولة الإسلامية ، وفي تثبيت حكم بني العباس ، وقد ولّاه السفاح أرمينية وأذربيجان والجزيرة الفراتية ، وأيضًا استعان به في إخماد الثورات التي قامت عليهم في بدايات الدولة العباسية ، وقد عهد له السفاح بالخلافة من بعده .

وبعد وفاة السفاح في أواخر عام 136 هـ أصبح المنصور هو الخليفة ، وبويع له في البلاد في أول عام 137 هـ .

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى