هو الصوام ، القوام ، أحد الصحب الكرام ، من العُبَّاد الزُّهَّاد ، ومن رواة الحديث العظام .
سكن مصر مع أبيه الداهية الهُمَام .
كان بينه وبين أبيه اثنتا عشرة سنة على التمام .
يا سلام على هذا الكلام ، الجديد على الأفهام .
هو من خيار أصحاب النبي ﷺ كما هو معروف ، ومن عُبَّاد الصحابة وزهادهم ، وعلمائهم .
وكان رضي الله عنه قد روى عن رسول الله ﷺ أحاديث كثيرة .
قال أبو هريرة رضي الله عنه : ما كان أحد أكثر رواية للحديث مني إلا ما كان منه ( رضي الله عنه وعن أبيه ) ؛ فإنه كان يكتب ولا أكتب ، مع كثرة حديث أبي هريرة .
ولكن الرواية عنه قلّت ؛ لأنه سكن في مصر ، ولم يكن الوارد إليها كثيرًا ، بخلاف أبي هريرة ، فقد استوطن المدينة ، والناس يرِدون إليها ، ويفدون إليها من كل مكان .
وكان بينه وبين أبيه اثنتا عشرة سنة ؛ يكبره أبوه باثنتي عشرة سنة فقط !
وخبره معروف حينما زوَّجه أبوه امرأة من أشراف قريش وخيارهم ، وبعد مرور أسبوع ، سألها أبوه عن أحوالهما ، فقالت : نِعْمَ الرجل ، لم يطأ لنا فراشًا ، ولم يكشف لنا سترًا !!
كان مشغولًا بقيام الليل وصيام النهار . فشكاه إلى النبي ﷺ .
كان صوامًا قوامًا ؛ يصلي إلى الفجر ، ويصوم كل يوم ، وخبره في ذلك مشهور .
ترعرع في أسرة ميسورة الحال تعنى بالتجارة الخارجية .
كان مثالًا رائعًا للفضيلة والانقطاع للعبادة والنسك ، جمع بين العلم والعمل ، واشْتُهِرَ بكثرة الحديث والاجتهاد ، وصحّ عنه كثرة صيام النهار وقيام الليل والزهد والعمل للآخرة ، حتى كبر وضعف وكُفَّ بصرُه ، فندم على عدم أخذه برخصة النبي صلى الله عليه وسلم ، إذ قال له : ” بلغني أنك تقول : لأقومَنَّ الليل وأصومَنَّ النهار ما عشت ” ، فقال : لقد قلتُه ، فقال له ﷺ : ” لا تفعل ، فصُمْ وأفطِرْ ، وقُمْ ونَمْ “.
صلى الله على المعلم ، صلى الله عليه وسلم .
وهكذا أفنى عبدالله حياته بين جمع العلم ونَشْرِهِ ، والجهاد والتعبد في المسجد .
اشْتْهِرَ بأنه كان يقاتل بسيفين ، شهد فتوح الشام مع أبيه ، ولما كانت معركة صِفِّين بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان ( رضي الله عنهما ) وقف إلى جانب معاوية خوفًا من أنْ يكون عاقًّا لأبيه ، ولم يُشْهِر سيفه ، ثم اعتزل القتال ، وتفرغ للعبادة والعلم .
حفظ القرآن أولًا بأول وتدبرَّ معانيه ، وكانت له عناية كبيرة بالحديث النَّبوي ، ولما كان يجيد القراءة والكتابة أباح له النبي صلى الله عليه وسلم كتابة الحديث ، قال أبو هريرة رضي الله عنه : « ما كان أحد أكثر مني حديثًا إلا عبدالله ؛ فإنه كان يكتب ولم أكن أكتب ».
جمع ما كتب في صحيفة سمّاها «الصحيفة الصادقة» ، وقيل : إنها اشتملت على ألف حديث ، وُجِدَ بعضٌ منها في مسند الإمام أحمد بن حنبل ، وكانت صحيفته من الدلائل على كتابة الحديث النبوي منذ البعثة الشريفة ، وكان فوق هذا يجيد السريانية فاطلع على التوراة لتفسير قصص القرآن .
رُزِق عبدالله تلاميذ كثيرين ، أشهرهم التابعي الجليل سعيد بن المُسيَّب أحد الفقهاء السبعة .
وقد وصل من مروياته سبعمائة حديث ، ورد في الصحيحين منهما خمسة وأربعون حديثًا ، وكان لمسند ابن حنبل النصيب الأكبر منها.
اختلف الرواة في مكان وفاة هذا الصحابي الجليل ، وذلك لكثرة سعيه في الجهاد ونشر العلم ، فقيل : تُوفي -رضوان الله عليه- بمصر التي فتحها أبوه ، وقيل : توفي في مكة مسقط رأسه ، وقيل : توفي في عسقلان بفلسطين ، عن عمر يبلغ اثنتين وسبعين سنة .
أسلم الصوام القوام قبيل أبيه ، ومما يُذكر عنه أن اسمه قبل إسلامه كان ( العاص ) ، فغيَّره رسول الله ﷺ إلى ( عبدالله ).
و كان هو الصحابي الوحيد الذي يكتب الحديث خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم .
روي عنه أنه استأذن النبي صلى الله عليه و سلم فقال : يا رسول الله أكتب ما أسمع في الرضا والغضب ؟
قال ﷺ : ” نعم فإني لا أقول إلا حقًّا “.
وكان الصَّوَّام القَوَّام طويلًا ، أحمر الوجه ، عظيم الساقين ، سمينًا عظيم البطن ، وقد أصابه العمى آخر عمره .
خرج عبدالله مع أبيه في فتح مصر ، ولشجاعته ومهارته كان يضرب بسيفين ، وكان أحد شهود الصلح مع المقوقس ، وابتنى دارًا بجوار المسجد .
ويُعد عبدالله هو مؤسس المدرسة العلمية المصرية ، إذ كان يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويفتي في جامع الفسطاط مسجد عمرو بن العاص ، وأخذ عنه خلق كثير من المصريين والشاميين والحجازيين .