هي زوج النبي العدنان ، الحصان الرزان ؛ كما قال ابن ثابت حسان .
أنزل الله فيها عشر آيات من القرآن ؛ تبرئة لما لحق بها من البهتان .
ألقى ربها عليها رداء العفة والطهر والإيمان ، وكانت حياتها رحلة علم وبر وإحسان ، وهي أميرة الفصاحة والبيان ؛ كأنها نهرٌ دائم الجريان ، هي الصديقة بنت الصديق وأخت عبد الرحمن .
أبوها -سوى الأنبياء- ليس له مثيل في زمانٍ أو مكان ، وأمها المؤمنة المخبتة أم رومان .
حفظت أمنا القرآن الكريم ، وروت أحاديث كثيرة عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، وكانت حُجَّة في الفقه والمواريث ، وكم صححت من أحاديث .
قال عنها أبو نعيم الأصبهاني في ترجمتها :
الصديقة بنت الصديق ، العتيقة بنت العتيق ، حبيبة الحبيب ، وأليفة القريب ، سيد المرسلين محمدٍ الخطيب .
المبرأة من العيوب ، المعراة من ارتياب القلوب ؛ لرؤيتها جبريل رسول علام الغيوب . (الحلية لأبي نعيم 2/43)
– زواج الحصان الرزان من حضرة النبي ﷺ :
رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم صورتها في الرؤيا بأنها زوجته ، وحمل جبريل صورتها إليه على قطعة حرير خضراء ، وأخبره بأنها زوجته ( وهي الحميراء ) ، في الدنيا والآخرة كما وعد رب الأرض والسماء ؛ جاء هذا الخبر في سير أعلام النبلاء .
ولم يتزوج رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم بكرًا غيرها ؛ فعاشت في رحاب الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم تنهل من أخلاقه وعلمه وحلمه وهديه ودله ؛ فكانت شمسًا في دنيا الناس ، ولم لا وقد تعلمت على يدي سيد الناس .
سابقها رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين ، سبقته مرة وسبقها مرة ؛ ” وقال هذه بتلك ” ، بأبي وأمي وروحي صلى الله عليه وسلم .
كانت تحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتغار عليه غيرة شديدة .
قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” هذا جبريل يقرئك السلام ” ؛ قالت : وعليه السلام ورحمة الله وبركاته .. ترى ما لا أرى ؛ تريد رسول الله صلى الله عليه وسلم .
من بركاتها -رضي الله عنها – أن الله عز وجل أنزل بسببها آية التيمم تيسيرًا على المسلمين ؛ ففرح المسلمون لذلك فرحًا شديدًا ، وورد في ذلك حديث رواه الشيخان ..
عَنْ ….. ، زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ -أَوْ بِذَاتِ الْجَيْشِ- انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي ، فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْتِمَاسِهِ ، وَأَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ ، فَأَتَى النَّاسُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَقَالُوا أَلاَ تَرَى مَا صَنَعَتْ ….. أَقَامَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالنَّاسِ ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ .. فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِي قَدْ نَامَ فَقَالَ حَبَسْتِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالنَّاسَ ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ .. فَقَالَتْ ….. فَعَاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ ، وَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ ، وَجَعَلَ يَطْعُنُنِي بِيَدِهِ فِي خَاصِرَتِي ، فَلاَ يَمْنَعُنِي مِنَ التَّحَرُّكِ إِلاَّ مَكَانُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى فَخِذِي ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ أَصْبَحَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ فَتَيَمَّمُوا .. فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ .. قَالَتْ فَبَعَثْنَا الْبَعِيرَ الَّذِي كُنْتُ عَلَيْهِ ، فَأَصَبْنَا الْعِقْدَ تَحْتَهُ .
– آية التيمم :
” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا ۚ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا “. (النساء : 43)
عاشت رضي الله عنها وأرضاها خمسًا وستين سنة ؛ منها تسع سنوات في بيت أبيها ، وتسعًا في بيت النبوة ، وسبعًا وأربعين بعد وفاة الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم .
تُوفيت -رضي الله عنها- ليلة الثلاثاء لسبع عشرة خلت من شهر رمضان 58 هـ ، وصلى عليها أبو هريرة رضي الله عنه ، ودُفنت بالبقيع .
رضي الله عنها وعن أمهات المؤمنين جميعًا .
إنها الحصان الرزان أمنا وأم المؤمنين : عائشة بنت أبي بكر -رضي الله عنها- .
ندعوكم لقراءة : أمهات المؤمنين
المزيد .. لمن يريد :
– أمنا عائشة ( رضي الله عنها ) :
هذه عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها التي قالوا فيها ما قالوا ، وهي أعظم النساء ، ومن فضلها أن النبي لم يأتِه الوحي في فراش امرأة إلا في فراش عائشة ، وأنه مات في يومها وفي بيتها وبين سحرها ونحرها ، وجمع الله بين ريقه وريقها في آخر ساعة من ساعاته في الدنيا وأول ساعة من الآخرة ، ودُفن في بيتها .
رضي الله عن أمنا عائشة أم المؤمنين الطاهرة الشريفة العفيفة الصِدّيقة بنت الصديق ، ورضي الله عن أبيها الصديق ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه أجمعين .
– قصيدة : حصان رزان
عن أمنا عائشة رضي الله عنها
( حسان بن ثابت ) :
حَصانٌ رَزانٌ ما تُزِنُّ بِريبَةٍ … وَتُصبِحُ غَرثى مِن لُحومِ الغَوافِلِ
عَقيلَةُ حَيٍّ مِن لُؤَيِّ بنِ غالِبٍ … كِرامِ المَساعي مَجدُهُم غَيرُ زائِلِ
مُهَذَّبَةٌ قَد طَيَّبَ اللَهُ خَيمَها … وَطَهَّرَها مِن كُلِّ سورٍ وَباطِلِ
فَإِن كُنتُ قَد قُلتُ الَّذي قَد زَعَمتُمُ … فَلا رَفَعَت صَوتي إِلَيَّ أَنامِلي
فَكَيفَ وَوِدّي ما حَيِيتُ وَنُصرَتي … لِآلِ رَسولِ اللَهِ زَينِ المَحافِلِ
لَهُ رَتَبٍ عالٍ عَلى الناسِ كُلِّهِم … تَقاصَرُ عَنهُ سَورَةَ المُتَطاوِلِ
فَإِنَّ الَذي قَد قيلَ لَيسَ بِلائِطٍ … وَلَكِنَّهُ قَولُ اِمرِئٍ بِيَ ماحِلِ