الحديد

كلامٌ جديد ، نسمعه ونقرؤه عن الحديد ، من خلال العلم الحديث المفيد ، يتوافق تمامًا مع ما جاء في القرآن المجيد ؛ يقول الله تعالى في كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد :

” لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ “. (سورة الحديد : 25)

– فقه ابن تيمية :

هذا الإمام العَلَم ابن تيمية عليه سحائب الرحمات في مجموع الفتاوى يرد على سائل ، فيقول :

ما يُذكر عن ابن عباس رضي الله عنهما أن آدم عليه السلام نزل من الجنة ومعه خمسة أشياء من حديد السندان والكلبتان والمنقعة والمطرقة والإبرة ، فهو كذب لا يثبت مثله ، وكذلك الحديث الذي رواه الثعلبي عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم :
” إن الله أنزل أربع بركات من السماء إلى الأرض ، فأنزل الحديد والماء والنار والملح ” ، حديث موضوع مكذوب في إسناده سيف بن محمد ، وهو من الكذابين المعروفين .
ثم رجح أن المقصود من الإنزال : المعنى الحقيقي لا المجازي ؛ فقال : ليس في القرآن ولا في السنة لفظ نزول إلا وفيه معنى النزول المعروف ، وهذا هو اللائق بالقرآن ، فإنه نزل بلغة العرب ، ولا تعرف العرب نزولًا إلا بهذا المعنى ، ولو أريد غير هذا المعنى لكان خطابًا بغير لغتها ، ثم هو استعمال اللفظ المعروف له معنى في معنى آخر بلا بيان ، وهذا لا يجوز .
وقال في قوله تعالى : ” وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ “. (الزمر : 6)
لا حاجة إلى إخراج اللفظ عن معناه المعروف لغةً ، فإن الأنعام تنزل من بطون أمهاتها ومن أصلاب آبائها .
ومما يبين هذا أنه لم يستعمل النزول فيما خلق من السفليات ، فلم يقل أنزل النبات ، ولا أنزل المرعى ، وإنما استعمل فيما يخلق في محل عال ، وأنزله الله من ذلك المحل كالحديد والأنعام .

وبهذا يعلم السائل أن الصحيح أن الحديد أُنزل إلى الأرض ، ولم يكن من أجزائها . (انتهى)

– إدراك العلم الإنساني :

ويؤكد العلماء المحدثون أن الآية الكريمة تؤكد أن ( الحديد ) قد أُنزل إنزالًا ، كما أُنزلت جميع صور الوحي السماوي‏ ، وأنه يمتاز ببأسه الشديد ، وبمنافعه العديدة للناس ،‏ وهو من الأمور التي لم يصل العلم الإنساني إلى إدراكها إلا في أواخر الخمسينيات من القرن الميلادي العشرين ‏.

والآية التي نحن بصددها تثير بعض الأسئلة : كيف أُنزل الحديد ؟ وما هو وجه المقارنة بين إنزال وحي السماء وإنزال الحديد ؟ ذلك أن الله قال في الآية نفسها : ” وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ ” ، ” وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ ” .. وما هو بأسه الشديد ؟ وما هي منافعه للناس ؟

– ورد ذكر الحديد في القرآن الكريم في ست آيات ، جاءت وفق التالي‏ :

وكل هذه الآيات تشير إلى عنصر الحديد ، ما عدا آية سورة ( ق ) التي جاءت لفظة‏ { حَدِيد } فيها في مقام التشبيه للبصر ، بمعنى أنه نافذ قوي ، يبصر به ما كان خافيًا عنه في الدنيا ‏.

– قول جمهور المفسرين :

هذا ، وجمهور المفسرين على أن المراد بـ ( الإنزال ) في قوله تعالى : ” وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ ” الخلق والإيجاد ، على نحو قوله عز وجل : ” وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ ۚ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِّن بَعْدِ خَلْقٍ “. (الزمر من الآية : 6)

جاء في تفسير ( الجلالين ) :

{ ” وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ ” أي : أنشأناه‏ ، وخلقناه‏ }.

– دراسات علمية :

وتفيد الدراسات العلمية أن التركيب الكيميائي لأرضنا يصل إلى ( ‏35.9 %‏ ) من مجموع كتلة الأرض ، المقدرة بحوالي ستة آلاف مليون مليون مليون طن ،‏ وعلى ذلك ، فإن كمية الحديد في الأرض تقدر بأكثر من ألفي مليون مليون مليون طن ، ويتركز الحديد في قلب الأرض ، أو ما يُعرف باسم لب الأرض‏ ،‏ وتصل نسبة الحديد فيه إلى (‏ 90 % )‏ ونسبة النيكل‏ -وهو من مجموعة الحديد- إلى ( 9 % )‏ وتتناقص نسبة الحديد من لب الأرض إلى الخارج باستمرار حتى تصل إلى (‏ 5.6 % )‏ في قشرة الأرض ‏.

وإلى أواخر الخمسينيات من القرن العشرين المنصرم ، لم يكن لأحد من العلماء إمكانية التصور ، أن هذا القدر الهائل من الحديد قد أُنزل إلى الأرض من السماء إنزالًا حقيقيًّا‏ !‏

كيف أنزل ؟ وكيف تسنى له اختراق الغلاف الصخري للأرض بهذه الكميات المذهلة ؟ وكيف أمكنه الاستمرار في التحرك بداخل الأرض حتى وصل إلى لبها ؟ وكيف شكل كلًا من لب الأرض الصلب ولبها السائل على هيئة كرة ضخمة من الحديد والنيكل ، يحيط بها وشاح منصهر من التركيب نفسه ، ثم أخذت نسبته في التناقص باستمرار في اتجاه قشرة الأرض الصلبة ؟

– العماليق :

لجأ المفسرون إلى تفسير ( الإنزال ) في الآية على أنه بمعنى الخلق والإيجاد والتقدير والتسخير‏ ؛‏ لأنه لما كانت أوامر الله تعالى وأحكامه تلقى من السماء إلى الأرض ، جعل الكل ( نزولًا ) منها‏ ،‏ وهذا معنى صحيح‏ ،‏ ولكن في أواخر القرن العشرين ثبت لعلماء الفلك والفيزياء‏ الفلكية ، أن الحديد لا يتكون في الجزء المدرك من الكون إلا في مراحل محددة من حياة النجوم ، تسمى بـ ( العماليق الحمر )‏ و ( العماليق العظام ‏) والتي بعد أن يتحول لبها بالكامل إلى حديد ، تنفجر على هيئة المستعرات العظام‏ ، وبانفجارها تتناثر مكوناتها بما فيها الحديد في صفحة الكون ، فيدخل هذا الحديد -بتقدير من الله سبحانه- في مجال جاذبية أجرام سماوية ، تحتاج إليه مثل أرضنا الابتدائية ، التي وصلها الحديد الكوني‏ ، وهي كومة من الرماد ، فاندفع إلى قلب تلك الكومة بحكم كثافته العالية وسرعته المندفع بها ، فانصهر بحرارة الاستقرار في قلب الأرض وصهرها‏ ، ومايزها إلى سبع أرضين ‏!‏

وبهذا ثبت أن الحديد في أرضنا‏ ،‏ بل في مجموعتنا الشمسية بالكامل قد أُنزل إليها إنزالًا حقيقيًّا‏ .

وفي دراسة لتوزيع العناصر المختلفة في الجزء المدرك من الكون ، لوحظ أن غاز الأيدروجين هو أكثر العناصر شيوعًا ؛ إذ يكوِّن أكثر من ( ‏74 % )‏ من مادة الكون المنظور ‏، ويليه في الكثرة غاز الهيليوم ، الذي يكوِّن حوالي (‏ 24 % )‏ من مادة الكون المنظور ، وأن هذين الغازين -وهما يمثلان أخف العناصر ، وأبسطها بناء- يكونان معًا أكثر من (‏ 98 %‏ ) من مادة الجزء المدرك من الكون ‏، ‏بينما باقي العناصر المعروفة لنا ، وهي ثلاثة ومائة ‏( 103) عنصر ، تُكَوِّن مجتمعة أقل من (‏ 2 %‏ ) من مادة الكون المنظور ‏.

وقد أدت هذه الملاحظة إلى استنتاج منطقي ، وهو أن نوى غاز الأيدروجين هي لبنات بناء جميع العناصر المعروفة لنا ، وأنها جميعًا قد تخلقت باندماج نوى هذا الغاز البسيط مع بعضها البعض في داخل النجوم بعملية تُعرف باسم عملية الاندماج النووي ، تنطلق منها كميات هائلة من الحرارة ، وتتم بتسلسل من أخف العناصر إلى أعلاها وزنًا ذريًّا ، وتعقيدًا في البناء‏ .

فشمسنا تتكون أساسًا من غاز الأيدروجين ، الذي تندمج نواه مع بعضها البعض لتكون غاز الهيليوم ، وتنطلق طاقة هائلة تبلغ عشرة ملايين درجة مئوية ‏،‏ ويتحكم في هذا التفاعل‏ -بقدرة الخالق العظيم- عاملان هما : زيادة نسبة غاز الهيليوم المتخلق بالتدريج .‏.‏ وتمدد الشمس بالارتفاع المطرد في درجة حرارة لبها ‏.‏

وباستمرار هذه العملية تزداد درجة الحرارة في داخل الشمس تدريجيًا ،‏ وبازديادها ينتقل التفاعل إلى المرحلة التالية ، التي تندمج فيها نوى ذرات الهيليوم مع بعضها البعض ، منتجة نوى ذرات الكربون (‏ 12 ) ،‏ ثم الأوكسجين (‏ 16 ) ،‏ ثم النيون (‏ 20 ) ،‏ وهكذا‏ .

وفي نجم عادي مثل شمسنا ، التي تقدر درجة حرارة سطحها بحوالي ستة آلاف درجة مئوية ، وتزداد هذه الحرارة تدريجيًا في اتجاه مركز الشمس ، حتى تصل إلى حوالي (‏ 15 )‏ مليون درجة مئوية ،‏ يقدر علماء الفيزياء الفلكية أنه بتحول نصف كمية الأيدروجين الشمسي تقريبًا إلى الهيليوم ، فإن درجة الحرارة في لب الشمس ستصل إلى مائة مليون درجة مئوية ،‏ ما يدفع بنوى ذرات الهيليوم المتخلقة إلى الاندماج في المراحل التالية من عملية الاندماج النووي ، مكونة عناصر أعلى في وزنها الذري ، مثل الكربون ، ومطلقة كمًّا أعلى من الطاقة‏ .

ويقدر العلماء أنه عندما تصل درجة حرارة لب الشمس إلى ستمائة مليون درجة مئوية ، يتحول الكربون إلى صوديوم ومغنيسيوم ونيون ‏، ثم تنتج عمليات الاندماج النووي التالية عناصر الألمنيوم ‏،‏ والسيليكون ‏، والكبريت ، والفوسفور‏ ،‏ والكلور ‏، والأرجون ‏،‏ والبوتاسيوم ‏، والكالسيوم على التوالي ‏، مع ارتفاع مطرد في درجة الحرارة ، حتى تصل إلى ألفي مليون درجة مئوية حين يتحول لب النجم إلي مجموعات التيتانيوم‏ ،‏ والفناديوم ‏،‏ والكروم‏ ،‏ والمنغنيز ، والحديد .

ولما كان تخليق هذه العناصر يحتاج إلى درجات حرارة مرتفعة جدًا ، لا تتوافر إلا في مراحل خاصة من مراحل حياة النجوم ، تُعرف باسم ( العماليق الحمر ) و ( العماليق العظام ) وهي مراحل توهج شديد في حياة النجوم ؛‏ فإنها لا تتم في كل نجم من نجوم السماء‏ ، ولكن حين يتحول لب النجم إلى الحديد ، فإنه يستهلك طاقة النجم بدلًا من إضافة مزيد من الطاقة إليه ‏؛‏ وذلك لأن نواة ذرة الحديد هي أشد نوى العناصر تماسكًا ،‏ وهنا ينفجر النجم على هيئة ما يسمى باسم ( المستعر الأعظم ) من النمط الأول أو الثاني حسب الكتلة الابتدائية للنجم‏ ،‏ وتتناثر أشلاء النجم المنفجر في صفحة السماء لتدخل في نطاق جاذبية أجرام سماوية ، تحتاج إلى هذا الحديد‏ تمامًا ، كما تصل النيازك الحديدية إلى أرضنا بملايين الأطنان في كل عام ‏.

ولما كانت نسبة الحديد في شمسنا لا تتعدى (‏ 0.0037 %‏ ) من كتلتها ، وهي أقل بكثير من نسبة الحديد في كل من الأرض والنيازك الحديدية التي تصل إليها من فسحة الكون‏ ،‏ ولما كانت درجة حرارة لب الشمس لم تصل بعد إلى الحد الذي يمكنها من انتاج السيليكون ‏، أو المغنيسيوم‏ ،‏ فضلًا عن الحديد ،‏ كان من البدهي استنتاج أن كلًا من الأرض والشمس قد استمد ما به من حديد من مصدر خارجي عنه في فسحة الكون ‏، وأن أرضنا حينما انفصلت عن الشمس لم تكن سوى كومة من الرماد المكون من العناصر الخفيفة ‏،‏ ثم رجمت هذه الكومة بوابل من النيازك الحديدية ، التي انطلقت إليها من السماء ، فاستقرت في لبها بفضل كثافتها العالية وسرعاتها الكونية ، فانصهرت بحرارة الاستقرار ‏، وصهرت كومة الرماد وما يزنها إلى سبع أرضين‏ :‏ لب صلب على هيئة كرة ضخمة من الحديد‏ ( 90 % )‏ والنيكل‏ ( 9 % )‏ وبعض العناصر الخفيفة من مثل الكبريت ‏، والفوسفور ‏،‏ والكربون ‏( 1 % )‏ يليه إلى الخارج‏ لب سائل له نفس التركيب الكيميائي تقريبًا ،‏ ويكون لب الأرض الصلب والسائل معًا حوالي (‏ 31 %‏ ) من مجموع كتلة الأرض ‏،‏ ويلي لب الأرض إلى الخارج وشاح الأرض المكون من ثلاثة نُطُق -جمع نطاق-‏ ثم الغلاف الصخري للأرض‏ ،‏ وهو مكون من نطاقين ‏،‏ وتتناقص نسبة الحديد من لب الأرض إلى الخارج باستمرار ، حتى تصل إلى (‏ 5.6 %‏ ) في قشرة الأرض ، وهي النطاق الخارجي من غلاف الأرض الصخري ‏.

من هنا ساد الاعتقاد بأن الحديد الموجود في الأرض ، والذي يشكل (‏ 35.9 %‏ ) من كتلتها لا بد وأنه قد تكون في داخل عدد من النجوم المستعرة من مثل العماليق الحمر ،‏ والعماليق العظام ، والتي انفجرت على هيئة المستعرات العظام ، فتناثرت مكوناتها في صفحة الكون ، ونزلت إلى الأرض على هيئة وابل من النيازك الحديدية ،‏ وبذلك أصبح من الثابت علميًّا ، أن حديد الأرض قد أُنزل إليها من السماء ‏،‏ وأن الحديد في مجموعتنا الشمسية كلها قد أُنزل كذلك إليها من السماء ‏، وهي حقيقة لم يتوصل العلماء إلى فهمها إلا في أواخر الخمسينيات‌‏ من القرن العشرين ‏، وقد جاء ذكرها في سورة الحديد ‏.

ولا يمكن لعاقل أن يتصور ورودها في القرآن الكريم ، الذي أُنزل منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا على نبي أمي صلى الله عليه وسلم‏ ،‏ وفي أمة كانت غالبيتها الساحقة من الأميين ،‏ يمكن أن يكون له من مصدر غير الله الخالق ، الذي أنزل هذا القرآن بعلمه ، وأورد فيه مثل هذه الحقائق الكونية ؛ لتكون شاهدة إلى قيام الساعة بأن القرآن الكريم كلام الله الخالق ،‏ وأن رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم‏ ما كان ” وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ “. (النجم : 3-5)

ندعوكم لقراءة : الجبال

– البأس الشديد للحديد :

الحديد عنصر فلزي عرفه القدماء‏ فيما عرفوا من الفلزات من مثل الذهب ‏، ‏والفضة ، والنحاس ، وغيرها من المعادن ، وهو أكثر العناصر انتشارًا في الأرض ‏( 35.9 % )‏ ويوجد أساسًا في هيئة مركبات الحديد من مثل أكاسيد ،‏ وكربونات‏ ،‏ وكبريتيدات ‏،‏ وكبريتات ، وسيليكات ذلك العنصر ، ولا يوجد على هيئة الحديد النقي إلا في النيازك الحديدية وفي جوف الأرض ‏.

والحديد عنصر فلزي شديد البأس ، وهو أكثر العناصر ثباتًا ؛ وذلك لشدة تماسك مكونات النواة في ذرته ، التي تتكون من ستة وعشرين بروتونًا ،‏ وثلاثين نيوترونًا ،‏ وستة وعشرين إليكترونًا ؛‌‏ ولذلك تمتلك نواة ذرة الحديد أعلى قدر من طاقة التماسك بين جميع نوى العناصر الأخرى ؛‏ ولذا فهي تحتاج إلى كميات هائلة من الطاقة لتفتيتها ، أو للإضافة إليها‏ .

ويتميز الحديد من بين جميع العناصر المعروفة بأعلى قدر من الخصائص المغناطيسية ‏، والمرونة ‏-القابلية للطرق والسحب والتشكل-‏ والمقاومة للحرارة ، ولعوامل التعرية الجوية‏ ، فالحديد لا ينصهر قبل (‏ 1536‏ ) درجة مئوية ، ويغلي عند (‏ 3023‏ ) درجة مئوية تحت الضغط الجوي العادي عند سطح البحر‏ ،‏ وتبلغ كثافة الحديد (‏ 7.874‏ ) جرام للسنتيمتر المكعب عند درجة حرارة الصفر المطلق‏ .

– منافع الحديد :

للحديد منافع جمة وفوائد أساسية لجعل الأرض صالحة للعمران بتقدير من الله سبحانه ‏،‏ ولبناء اللبنات الأساسية للحياة التي خلقها سبحانه وتعالى ، فكمية الحديد الهائلة في كل من لب الأرض الصلب ، ولبها السائل تلعب دورًا مهمًا في توليد المجال المغناطيسي للأرض‏ ، وهذا المجال هو الذي يمسك بكل من الغلاف الغازي والمائي والحيوي للأرض ‏، وغلاف الأرض الغازي يحميها من الأشعة والجسيمات الكونية ومن العديد من أشعات الشمس الضارة ،‏ ومن ملايين الأطنان من النيازك‏ ، ويساعد على ضبط العديد من العمليات الأرضية المهمة من مثل دورة كل من الماء ‏،‏ والأوكسجين‏ ، وثاني أكسيد الكربون ‏، والأوزون وغيرها من العمليات اللازمة لجعل الأرض كوكبًا صالحًا للعمران ‏.

والحديد لازمة من لوازم بناء الخلية الحية في كل من النبات والحيوان والانسان ؛ إذ تدخل مركبات الحديد في تكوين المادة الخضراء في النباتات‏ ( الكلوروفيل ‏)‏ وهو المكون الأساسي للبلاستيدات الخضراء ، التي تقوم بعملية التمثيل الضوئي اللازمة لنمو النباتات ‏،‏ ولإنتاج الأنسجة النباتية المختلفة من مثل الأوراق والأزهار ، والبذور والثمار ، والتي عن طريقها يدخل الحديد إلى أنسجة ودماء كل من الإنسان والحيوان .‏.‏ وعملية التمثيل الضوئي هي الوسيلة الوحيدة لتحويل طاقة الشمس إلى روابط كيميائية ، تُخْتَزن في أجساد جميع الكائنات الحية‏ ،‏ وتكون مصدرًا لنشاطها أثناء حياتها ‏،‏ وبعد تحلل أجساد تلك الكائنات بمعزل عن الهواء ، تتحول إلى مختلف صور الطاقة المعروفة ‏-القش ‏،‏ والحطب‏ ،‏ والفحم النباتي ‏،‏ والفحم الحجري ، والغاز الفحمي ، والنفط ،‏ والغاز الطبيعي ، وغيرها- .

والحديد يدخل في تركيب بروتينات نواة الخلية الحية الموجودة في المادة الحاملة للشفرة الوراثية للخلية ‏-الصبغيات-‏ كما يوجد في سوائل الجسم المختلفة‏ ، ‏وهو أحد مكونات الهيموجلوبين ، وهي المادة الأساسية في كريات الدم الحمراء ، ويقوم الحديد بدور مهم في عملية الاحتراق الداخلي للأنسجة والتمثيل الحيوي بها‏ .. ويوجد في كل من الكبد‏ ، والطحال ، والكلى ، والعضلات ، والنخاع الأحمر ، ويحتاج الكائن الحي إلى قدر محدد من الحديد ، إذا نقص تعرض للكثير من الأمراض ، يأتي في مقدمتها فقر الدم .. والحديد عصب الصناعات المدنية والعسكرية ، فلا تكاد تقوم صناعة معدنية في غيبة عنصر الحديد‏ ، وصدق الباري حين قال : ” هَـٰذَا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ ۚ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ “. (لقمان : 11)

( عن موقع : الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة ).

Exit mobile version