سيرة الحبيب ﷺ

الجهر بالدعوة إلى الإسلام

الجهر بالدعوة إلى الإسلام :

( ٢٤ ) الحلقة الرابعة والعشرون من سيرة الحبيب ﷺ :

هيا بنا أولًا نُصَلِّ على النبي الكريم صلى الله عليه وسلم .

في الحلقة السابقة عرفنا أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بالدعوة السرية للإسلام ، من أجل بناء قاعدة داخلية قوية ، إلى أن تأتي مرحلة الجهر بالدعوة إلى الإسلام ، فيكون قوام الدين مجموعة من الرجال يمكنها تَحَمُّل تَبِعات الدعوة إلى هذا الدين .

وأُنزِلَت على النبى ﷺ الآية الكريمة : ” وَأَنذِرۡ عَشِیرَتَكَ ٱلۡأَقۡرَبِینَ “.
فماذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟

أَعدَّ النبي ﷺ وليمة ( أي طعام كثير يكفي عدد كبير من الناس ) ودعا أسياد بني هاشم من أجل دعوتهم للإسلام ، وكانوا نحو خمسٍ وأربعين من أشراف مكة ، ولمَّا انتهوا من الطعام ، وقف النبي ﷺ لِيُحَدِّثهم ، فوقف أَمَامه ” أبا لهب ” ( عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ، ورفض دعوته ، واستهزأ به وسخر منه ﷺ .

وقد كان ابنا أبي لهب زوجين لابنتين من بنات النبي صلى الله عليه وسلم ، عقدا عليهما فقط دون الدخول بهما .

فأمَّا ” رُقَيَّة ” رضي الله عنها فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد زوَّجها من ” عُتبة بن أبي لهب “.
وأما ” أُم كُلثوم ” رضي الله عنها ، وهي أصغر من رقية ، فقد زوَّجها النبي صلى الله عليه وسلم من ” عُتَيبَة بن أبي لهب “.

وذلك أنَّ تَزَوُّج المسلم بكافرة ، وتزويج المسلم ابنته لكافر لم يكن مُحَرَّمًا أول الأمر ، وإنما نزل تحريم ذلك متأخرًا .

والذي جاء في السِّيَر أنَّ ابنا أبي لهب طلَّقا بنتي النبي صلى الله عليه وسلم قبل دخولهما عليهما ، وذلك بأمرٍ من عدو الله أبي لهب ، وكان ذلك بعد نزول سورة ” المسد “.

ولمَّا نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم الآية : ” وَأَنذِرۡ عَشِیرَتَكَ ٱلۡأَقۡرَبِینَ ” ، صعد ﷺ على جبل الصَّفَا ، فجعل يُنادي :
” يا بَنِي فِهْرٍ ! يا بَنِي عَدِيٍّ ! يا بَنِي عَبْدِ مَنافٍ ! يا بَنِي عبدِ المُطَّلِبِ! “.

فأسرع الناس إليه، حتى اجتمعوا فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولًا لينظر ما هو ، فجاء أبو لهب وقُرَيش ، فقال رسول الله ﷺ : ” أَرَأَيْتُكم لو أخبرتُكم أنَّ خَيلًا بالوادي تُرِيدُ أن تُغِيرَ عليكم ، أَكُنتم مُصَدِّقِيَّ؟”.
قالوا : نَعَم ، ما جَرَّبنَا عَلَيْكَ إلَّا صِدقًا .
قالَ : ” فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ “.
وقال ﷺ : ” إنما مَثَلِي ومَثَلُكم ، كمَثَلِ رَجُلٍ رأى العَدُوَّ ، فانطلق يُرِيدُ أهلَه ، فخَشِيَ أن يسبقوه إلى أهلِه ، فجعل يَهْتِفُ : يا صَبَاحاهُ ، يا صَبَاحاهُ ، أُتِيتُم أُتِيتُم “.
ودعاهم ﷺ إلى الحق ، وأنذرهم من عذاب الله ، فَخَصَّ وعَمَّ ، فقال :
” يا مَعشَرَ قُرَيشٍ ! اشْتَرُوا أنفُسَكم من اللهِ ، لا أُغْنِي عنكم من اللهِ شيئًا ، يا بني عبدِ مَنَافٍ ! اشْتَرُوا أنفسَكم من اللهِ ، لا أُغْنِي عنكم من اللهِ شيئًا ، يا عباسُ بنَ عبدِ المُطَّلِبِ ! لا أُغْنِي عنكَ من اللهِ شيئًا ، يا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رسولِ اللهِ ! لا أُغْنِي عنكِ من اللهِ شيئًا ، يا فاطمةُ بنتَ مُحَمَّدٍ ! سَلِينِي من مالي ما شِئْتِ لا أُغْنِي عنكِ من اللهِ شيئًا “.

فقال أبو لهب : تَبًّا لكَ سَائِرَ اليَومِ ، ألِهذا جَمَعتَنَا ؟!
فأنزل الله عز وجل فيه قوله :
” تَبَّتۡ یَدَاۤ أَبِی لَهَبࣲ وَتَبَّ (١) مَاۤ أَغۡنَىٰ عَنۡهُ مَالُهُۥ وَمَا كَسَبَ (٢) ” ، ومعناها أنَّ الهلاك والعذاب لأبي لهب .

وهذه الآية فيها إعجاز رائع لأنها تُؤَكِّد موت أبي لهب على الكفر .. وكان من الممكن أن يَتَّبع أبو لهب النبي صلى الله عليه وسلم ، ولو ظاهرًا ، ويُسلم ليُكذّب القرآن أمام الناس ، لكنه لم يفعل لأن القرآن كلام رب العزة لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، فلا يمكن لمخلوق تغييره .. قال تعالى : ” وَمَنۡ أَصۡدَقُ مِنَ ٱللهِ حَدِیثࣰا “.
وفعلًا يموت أبو لهب على الكفر .

فماذا سيحدث بعد ذلك ؟؟
سنعرف في الحلقة القادمة إن شاء الله .

ندعوكم لقراءة : تعذيب المشركين للمسلمين 1

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى