العجب العجاب

الاستعمار

الاستعمار : خرابٌ أم عَمَار ؟!

المعنى يقول إنه : عمار !

ونحن نطلق على من احتل بلادنا لفظ : استعمار !
كيف ذلك يا أحرار ؟!

لقد نهب الخيرات ، وفَرَّق الجماعات ، واستباح الحُرُمات .

هو استخراب يا سادة ، هو استغراب يا قادة .

إن معنى الاستعمار في مفهوم الإسلام هو إصلاح الأرض وعمارتها ، وتزجية معاش الناس فيها ، وتحقيق التمكين عليها ، وتعبيد الفعل البشري لله سبحانه وتعالى ؛ كما قال الله سبحانه : ” هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأرض وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا … “. (هود : 61)

يقول القرطبي : ( واستعمركم فيها ) ؛ أي : وجعلكم عمارًا فيها .

هذا هو المفهوم الصحيح لكلمة الاستعمار ، وتعبر عن معنى طيب جميل جَذَّاب ، ولا تعبر عن أي شكل من أشكال السيطرة التي يمارسها مجتمع على آخر ، أو غزو دولة على دولة أخرى لأجل سرقة ثرواتها ، واستعباد مجتمعها .

– تضليل الرأي العام :

يستخدم الاحتلال الغربي ( البغيض إلى قلوب المخلصين ) كلمة ( الاستعمار ) لتضليل الرأي العام للشعوب المحتلة ؛ لأنها تعبر عن طلب التعمير والعمران ، ونشر الحضارة والسعي للتطور والتقدم المادي ، ونحو ذلك من المعاني الجميلة الجذابة .
( ناس كذَّابة ).

وما فعله الغرب بعد سيطرته على العالم الإسلامي يتناقض ومعاني هذا الاسم الجميل ( نعم معناه جميل حقًّا ) ؛ لأن الغرب بعدما سيطر على العالم الإسلامي حارب الإسلام والمسلمين ، وسرق ثرواتهم ، وقتل الأطفال والشيوخ ، وفتح محاكم التفتيش في الأندلس ، وقتل العلماء المسلمين ، مثل مجزرة كبكب في تشاد ؛ فقد قتلت فرنسا 400 عالم من علماء المسلمين سنة 1917م .

وهذا ديدنهم في كل زمان ومكان ، ونحن ننام على الآذان .

– الاحتلال لغةً واصطلاحًا :

  • الاحتلال لغةً :

جاء في معجم المعاني بأنه الاستيلاء على أراضي البلاد ، والدخول إليها غزوًا وقهرًا .

  • واصطلاحًا :

يُقصد به احتلال دولة ما ، والمكث فيها لمدة زمنية طويلة ، وفرض السيطرة على موارد الأرض والشعب .

لذلك علينا أن نستخدم كلمة احتلال بدلًا من كلمة استعمار .

– الاحتلال الغربي البغيض :

تعرض العالم الإسلامي لهجمات كثيرة متوحشة ، وبدأ التوسع الغربي مع بداية عصر النهضة في أوروبا في القرنين الـخامس عشر والسادس عشر .

بدأ البرتغاليون بإطلاق حملاتهم البحرية بعد اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح عام 1498م على يد فاسكو دي جاما ، ووصل النفوذ البرتغالي إلى سواحل شرقي إفريقيا ، واحتل البرتغاليون الساحل الشرق أفريقي .

وهناك ظهرت حركات المقاومة ضد الاحتلال ، وأيضًا الخلافة العثمانية التي دخلت الصراع مع المحتلين واتخذت قاعدة لها في عدن لمهاجمة البرتغاليين في المحيط الهندي والخليج العربي .

وقد نجحت الخلافة العثمانية في تخفيف الضغط البرتغالي على التجار المسلمين والإمارات الإسلامية الساحلية .

وفي عام 1698م أرسل سلطان عمان الإمام سيف بن سلطان أسطولًا بحريًا إلى ساحل شرق إفريقيا ، واستطاع أن يطرد البرتغاليين من ممبسا .

ودائمًا ما يساعد الاحتلال الأوروبي الأحباش ضد المسلمين في شرق إفريقيا ، وبعد هزيمة الأحباش على يد الإمام أحمد الغازي دخلت البرتغال المعركة بمساعدة الأحباش وتمكن القائد الإسلامي أحمد الغازي من قتل قائد الحملة الصليبية ( فاسكو دي جاما ) وأصبحت منطقة القرن الإفريقي ساحة للصراع بين المحتلين وأبناء الإسلام ، ووقعت الصومال وحدها تحت ثلاثة أنواع من الاحتلال من ثلاث دول أوروبية وهي : إيطاليا وبريطانيا وفرنسا .

وقسَّموا أرض الصومال إلى خمسة أقسام :

الصومال البريطاني : ويشمل زيلع وبربرة .

الصومال الإيطالي : ويشمل عصب وبنادر ومصوع .

الصومال الفرنسي : يشمل منطقة جيبوتي ، وهي أوبوك وتاجورا وأمياد .

الصومال الإثيوبي : يضم إقليم هرر ومنطقة أوغادين .

الصومال الكيني : ويشمل إقليم ( إن دي أف ).

– تاريخ الاستخراب :

امتدت ظاهرة الاستعمار تاريخيًا في جميع أنحاء العالم وعبر الزمن .

مارس الاستعمار القديم والعصور الوسطى من قِبَل الفينيقيين والإغريق والصليبيين وغيرهم .

بدأ الاستعمار بالمعنى الحديث أو الإمبريالية في القرن الخامس عشر تزامنًا مع ( عصرالاستكشاف ) بقيادة البرتغاليين ، ثم بالاستكشاف الإسباني للأمريكتين وسواحل إفريقيا والشرق الأوسط والهند وشرق آسيا .

كانت الإمبراطوريتان البرتغالية والإسبانية أول إمبراطوريتين عالميتين ؛ لأنهما كانتا أول من امتدتا عبر قارات مختلفة ، وغطت مناطق شاسعة حول العالم .

– إنجلترا وفرنسا :

وفي القرنين السادس عشر والسابع عشر أنشأت إنجلترا وفرنسا ، والجمهورية الهولندية أيضًا إمبراطورياتهم في ما وراء البحار في منافسة مباشرة مع بعضهم البعض .

شهدت نهاية القرن الثامن عشر ومنتصف القرن التاسع عشر الحقبة الأولى من إنهاء الاستعمار ، عندما حصلت معظم المستعمرات الأوروبية في الأمريكتين ، ولا سيما مستعمرات إسبانيا وفرنسا الجديدة والمستعمرات الثلاثة عشر ، على استقلالها من عاصمتها .

وجهت مملكة بريطانيا العظمى ( التي توحدت بين اسكتلندا وإنجلترا ) ، وفرنسا والبرتغال وهولندا انتباههم إلى العالم القديم ، وخاصة جنوب إفريقيا والهند وجنوب شرق آسيا ، حيث تم بالفعل إنشاء مستوطنات ساحلية .

أدت الثورة الصناعية الثانية في القرن التاسع عشر إلى ما اصطُلح على تسميته بعصر الإمبريالية الجديدة ، حيث تسارعت وتيرة الاستعمار ( الاستخراب ) بسرعة ، وكان ذروتها التدافع على أفريقيا ، حيث شاركت بلجيكا وألمانيا وإيطاليا أيضًا .

وفي غضون القرن العشرين ، وُزعت مستعمرات الدول الخاسرة في الحرب العالمية الأولى بين الدول المنتصرة باعتبارها ولايات ، ولكن لم تبدأ المرحلة الثانية من إنهاء الاستعمار بشكل جدي إلا بنهاية الحرب العالمية الثانية .

وفي سنة 1999م تنازلت البرتغال عن آخر المستعمرات الأوروبية في آسيا ، وهي ( ماكاو ) إلى الصين ، وانتهت بذلك حقبة استمرت ستمائة عام !!

ندعوكم لقراءة : أمجاد العرب والمسلمين

– مراحل الاستخراب :

قسَّم بعض المؤرخين الاستعمار ( الاستخراب ) الأوروبي إلى ثلاث موجات :

* الموجة الأولى اعتمدت على البرتغال وإسبانيا ، حيث بدأ البرتغاليون عصر الاستعمار الأوروبي الطويل بغزو سبتة بالمغرب سنة 1415م ، ثم غزوا واستكشفوا أراضي وجزرًا أفريقية أخرى ، وهذا من شأنه أن يفتح مرحلة جديدة عُرفت باسم : عصر الاستكشاف.

أطلق الأسبان والبرتغاليون استعمار الأمريكتين ، مستندين في مطالبهم الإقليمية على معاهدة ( تورديسيلا ) سنة 1494م .

حددت هذه المعاهدة مناطق نفوذ إسبانيا والبرتغال .

جذب التوسع الذي حققته إسبانيا والبرتغال انتباه بريطانيا وفرنسا وهولندا .

بدأت تلك القوى الثلاث بدخول منطقة البحر الكاريبي وأمريكا الشمالية مكملة لحلقة استمرارية الاستعمار الأوروبي في تلك المناطق .

* بدأت الموجة الثانية من الاستعمار الأوروبي بمشاركة بريطانيا في آسيا لدعم شركة الهند الشرقية البريطانية .

كما شاركت دول أخرى مثل فرنسا والبرتغال وهولندا في التوسع الأوروبي في آسيا .

* أما الموجة الثالثة أو ( الإمبريالية الجديدة ) فاحتوت على قضية التدافع على أفريقيا التي نظمها شروط مؤتمر برلين 1884م ؛ حيث قسّم المؤتمر إفريقيا فعليًّا بين القوى الأوروبية !
( كأنها عزبة أبيهم ).

خضعت معظم إفريقيا لسيطرة بريطانيا وفرنسا وألمانيا والبرتغال وبلجيكا وإيطاليا وإسبانيا .
( استخراب بغيض ).

ذكر ( جيلمارتن ) أن تلك الموجات الثلاث من الاستعمار ارتبطت بالرأسمالية .

احتوت الموجة الأولى من التوسع الأوروبي على استكشاف العالم للعثور على إيرادات جديدة وإدامة الإقطاع الأوروبي .

بينما ركزت الموجة الثانية على تطوير نظام الرأسمالية التجارية والصناعات التحويلية في أوروبا .

ثم عززت الموجة الأخيرة من الاستعمار الأوروبي جميع المساعي الرأسمالية من خلال توفير أسواق جديدة ومواد أولية .

– اتفاقية سايكس بيكو :

هى اتفاق وتفاهم سري وقع بين كل من فرنسا والمملكة المتحدة بمصادقة من الإمبراطورية الروسية ، على اقتسام منطقة الهلال الخصيب ( حوض نهري دجلة والفرات ، والجزء الساحلى من بلاد الشام ) بين فرنسا وبريطانيا لتحديد مناطق النفوذ فى غرب آسيا بعد تهاوي الدولة العثمانية المسيطرة على هذه المنطقة ، فى الحرب العالمية الأولى .

والغرض من توقيع الاتفاقية ، هو تحديد مجالات النفوذ والسيطرة فى الشرق الأوسط فى حالة تمكن الوفاق الثلاثى من هزيمة الدولة العثمانية .

حصلت فرنسا على الجزء الأكبر من الجناح الغربى من الهلال الخصيب ( سوريا ولبنان ) بجانب منطقة الموصل فى العراق .

أما بريطانيا فامتدت مناطق سيطرتها من طرف بلاد الشام الجنوبى متوسعًا بالاتجاه شرقًا لتضم بغداد والبصرة وجميع المناطق الواقعة بين الخليج العربى والمنطقة الفرنسية فى سوريا .

وتقرر أن تقع فلسطين تحت إدارة دولية يتم الاتفاق عليها بالتشاور بين بريطانيا وفرنسا وروسيا ، ولكن الاتفاق نص على منح بريطانيا ميناءي حيفا وعكا ، على أن يكون لفرنسا حرية استخدام ميناء حيفا .
ومنحت فرنسا لبريطانيا بالمقابل استخدام ميناء الاسكندرونة الذى كان سيقع فى حوزتها .

وفى وقت لاحق وبعد صدور وعد وزير الخارجية البريطانى الأسبق بلفور ، تم تخفيف الاتفاق لكن بنفس بنود الاتفاقية ، وهذا بعدما أقر مجلس عصبة الأمم وثائق الانتداب على المناطق المعنية باتفاقية جديدة عرفت باسم ( لوزان ) ، وتم بموجب معاهدة لوزان التنازل عن الأقاليم السورية الشمالية لتركيا الأتاتوركية ، إضافة إلى بعض المناطق التى كانت قد أُعطيت لليونان فى معاهدة لندن السابقة .

قسمت هذه الاتفاقية وما تبعها سوريا الكبرى أو المشرق العربى إلى دول وكيانات سياسية كرَّست الحدود المرسومة بموجب هذه الاتفاقية والاتفاقيات الناجمة عنها : ( العراق – سوريا – لبنان – الأردن – فلسطين ) بما فى ذلك الأراضى التى أصبحت إسرائيل .

– شهودٌ من أهلها :

  • قبل أن يتقلد فرانسوا ميتران منصب الرئاسة في فرنسا قال : { دون إفريقيا ، فرنسا لن تملك أي تاريخ في القرن الواحد والعشرين }.
  • وفي سنة 2008 صرح الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك : { دون إفريقيا ، فرنسا ستنزلق إلى مرتبة دول العالم الثالث }.
  • وللعلم ، فإن :
  • حديد برج ايفيل مسروق من الجزائر !
  • سيارات فرنسية = حديد موريتانيا والجزائر .
  • كهرباء فرنسا = يورانيوم النيجر .
  • وقود فرنسا = بترول الجزائر والجابون .
  • هاتف فرنسا = كوبالت الكونغو .
  • أثاث فرنسا = خشب الكونغو برازافيل .
  • شوكولاتة فرنسية = كاكاو ساحل العاج .
  • عطور فرنسا = جزر القمر .
  • المواد الخام والذهب الفرنسي = مناجم مالي .
  • اليورانيوم الثمين = تشاد .
  • نسيج القطن الفرنسي = قطن السنغال .
  • الألماس الفرنسي = ألماس غينيا .

فرنسا تنهب ثروات 14 دولة إفريقية على الأقل ، منها الجزائر .

فرنسا تستخرج أكثر من 30 ٪ من مخزون اليورانيوم من النيجر ؛ لتستغله في مفاعلها وإنتاج الكهرباء ، بينما 90 ٪ من سكان النيجر بدون كهرباء !

تستغرب !
فرنسا تحتل المرتبة الثالثة عالميًّا في احتياطي الذهب رغم أنها لا تمتلك منجم ذهب !

فـي الوقت نفسه دولة مالي تمتلك 750 منجم ذهب ولا يوجد عندها أي احتياطي ذهب !

خدعونا فقالوا دول عظمى !!

هي في الحقيقة دول لصوص قائمة على السرقة والنهب .

– عَوْدٌ على بدء :

يقول الله الملك الحق :

” هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا “. (من الآية 61 – سورة هود)

كلمة استعمار لا تعبّر إلا عن معنى طيب في منتهى الرُّقيّ ، يتنافى تمامًا مع المعنى البغيض الذي نقصده للدلالة على الاغتصاب أو الاستيلاء على الأرض بالقوة .

– والختام مسك :

الاستعمار لغةً يعني : طلب الإعمار أو العمران .

استعمره في المكان ؛ أي جعله يعمره .

استعمر الأرض : عمّرها ، أي أمدها بما تحتاج إليه من الأيدي العاملة لتصلح وتعمُر .

” هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا “. (هود : 61)

زر الذهاب إلى الأعلى