ديننا الإسلام

الإنفاق في سبيل الله

الإنفاق في سبيل الله :

” أنفق بلالُ ، ولا تخشَ من ذي العرشِ إقلالا “. [صححه الألباني]

قالها المعلم صلى الله عليه وسلم لبلال بن رباح رضي الله عنه .

وها نحن نقولها لكل مسلم رَضِيَ بالله ربًّا ، وبالإسلامِ دينًا ، وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم نبيًّا ورسولًا ؛ فقد أنفق سيدنا ومعلمنا محمد صلى الله عليه وسلم بسخاء ، قال ابن عباس ابن عم سيد الناس : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل ، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن ، فَلَرَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة . [متفق عليه]

وأنفق سادتنا أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعبد الرحمن بن عوف وطلحة الخير ، وغيرهم وغيرهم من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين ، أنفقوا من كل خير رزقهم الله به ؛ الأغنياء منهم والفقراء ؛ فاتقوا النار ولو بشق تمرة .

واعلموا أنه ” ما من يومٍ يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان ، فيقول أحدهما : اللهم أعطِ منفقًا خلفًا ، ويقول الآخر : اللهم أعطِ ممسكًا تلفًا “. [متفق عليه]

– بستان أبي طلحة :

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : ” لما نزلت : لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران : 92] ، جاء أبو طلحة إلى رسول الله ﷺ ، فقال : يا رسول الله ، يقول الله -تبارك وتعالى- في كتابه : لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران : 92] وإن أحب أموالي إليّ بيرحاء ، وكانت حديقة كان رسول الله ﷺ يدخلها ، ويستظل بها ، ويشرب من مائها “. [رواه البخاري : 2758]وفي رواية : ” من ماء فيها طيب “. [رواه البخاري : 1461] فهي إلى الله ، وإلى رسول الله ﷺ : ” أرجو برها وذخرها ، فضعها ” أي : رسول الله حيث أراك الله .. فقال رسول الله ﷺ : بخ يا أبا طلحة ذاك مال رابح ، قبلناه منك ، ورددناه عليك ، فاجعله في الأقربين ، فتصدق به أبو طلحة على ذوي رحمه “. [رواه البخاري : 2758]وفي رواية : ” فتصدق به أبو طلحة على ذوي رحمه ، قال : وكان منهم أُبي وحسان .. قال : وباع حسان حصته منه من معاوية فقيل له : تبيع صدقة أبي طلحة فقال ألا أبيع صاعًا من تمر بصاع من دراهم ، قال : وكانت تلك الحديقة في موضع قصر بني حديلة الذي بناه معاوية “. [رواه البخاري : 2758]

– شرح قصة بستان أبي طلحة :

( للشيخ محمد صالح المنجد حفظه الله )

هذا الحديث الشريف الذي رواه الإمام العظيم -البخاري- في كتابه الصحيح ، يحكي لنا قصة تفاعل الصحابة مع القرآن الكريم ، وكيف كانوا إذا نزل عليهم الذكر الحكيم ؛ تتلقاه قلوبهم بالإيمان والتسليم ، والعمل والتنفيذ ، فيعملون بما فيه .
ولما نزلت هذه الآية : لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران : 92] علم صحابة النبي ﷺ أن هذه الدرجة العظيمة ، وهي درجة : البر ، لن تُنال إلا بأن ينفق الإنسان أحب الأموال إلى نفسه ، ولذلك تفاعلوا معها مباشرة .
جاء في رواية : أن رسول الله ﷺ قالها على المنبر ، فقام أبو طلحة فورًا ، لما سمع كلام ربه من رسوله ﷺ يتلوه ، وهو قائم على المنبر : لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران : 92] فقام هذا الصحابي بدون تأخر ، ولا تلكؤ ، ولا طول تفكير ، فقال : ” إن أحب أموالي إليّ بيرحاء ، وأنها صدقة لله ” أخرجها مباشرة من ملكه رضي الله تعالى عنه .
ثم أعلن إخلاصه فيها ، قائلًا : ” أرجو برها وذخرها عند الله “.
ثم وكلها إلى أهل العلم يتصرفون فيها ، قائلًا : ” فضعها يا رسول الله حيث أراك الله “.
ثم كان ذلك التعليق الجليل من النبي ﷺ مادحًا ذاك الفعل وصاحبه : بخ بخ ، ذاك مال رابح ، ذاك مال رابح . [رواه البخاري : 1461 ، ومسلم : 2362]ثم إنه أشار على أبي طلحة : بأن يقسمها في أقاربه ؛ لأن الصدقة على القريب صدقة وصلة .
قال أنس : ” كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالًا ” [رواه البخاري : 1461] ، إنه أغنى رجل فيهم .
وفي رواية : ” مالًا من نخل ” [رواه البخاري : 1461] ، فكان له بساتين ، وكانت له حدائق ، وكان هذا أعظمها وأنفسها على الإطلاق ؛ إنه بيرحاء .

– منيحة العنز :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” أربعون خَصْلَة أعلاها منيحة العنز ما من عامل يعمل بخصلة منها رجاء ثوابها وتصديق موعدها إلا أدخله الله الجنة “. [رواه البخاري]

وقوله ( منيحة العنز ) المنيحة عند العرب على وجهين :

1- إعطاء الرجل صاحبه نحو شاة صلة .

2- إعطاء الرجل صاحبه شاة أو ناقة ينتفع بحلبها ثم يردها ، وهذا هو المراد هنا .

– المنفقون والشهداء :

سأل أحدهم صاحبه : أراك تنفق على الفقراء ، ألا تخشى أن تطول الأزمة ؟!

المتوقع أن يقول : ” ما نقص مال من صدقة ” ، أو ” أنفق يُنفق عليك ” ؛ لكنه قال كلامًا جديدًا ..
قال : المُنفقون كـالشهداء ؛ ” لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ “.

قال السائل : قمت وبحثت فى القرآن عن صحة هذا الكلام ؛ فوجدت أن ” لا خوف عليهم ولا هم يحزنون” جاءت فعلًا في حق الشهداء والمُنفقين .

جاءت مرتين في حق المُنفقين في سورة البقرة :

الآية 274 :
” الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ “.

والآية 262 :
“ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمۡ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ لَا يُتۡبِعُونَ مَآ أَنفَقُواْ مَنّٗا وَلَآ أَذٗى لَّهُمۡ أَجۡرُهُمۡ عِندَ رَبِّهِمۡ وَلَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ “.

وجاءت في حق الشهداء في الآية 170 من سورة آل عمران : ” وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ “.

وكان هذا الأمر مفاجأة لي ..
المُنفقون كـالشهداء ؛ ” لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ “.

أنفق ولا تخشَ من ذي العرش إقلالًا .

ندعوكم لقراءة : مصارف الزكاة

– مَثَل البخيل والمنفق :

شرح حديث : ( مثل البخيل والمنفق ) :

فيه مثال جميل يذكره النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو حديث في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ” مثل البخيل والمنفق ” وبالمثل تتضح للإنسان الصورة ويستحضرها ويعرف حسنها أو قبحها .

فقال : ” مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جنتان من حديد من ثديهما إلى تراقيهما ، فأما المنفق فلا ينفق إلا سبغت أو وفرت على جلده حتى تخفي بنانه “.

فهذا إنسان يريد أن يقاتل الأعداء ، واشترى قميصًا حلقاته من حديد ، من أجل أن يتقي به سيف الخصم ، ثم وضع هذا القميص من رقبته إلى أصابع قدميه ، فالإنسان المنفق يده مبسوطة ، فهو ينفق في وجوه الخير ويده سهلة الحركة في الإنفاق .

والآخر خائف ضام يديه على صدره وعلى رقبته لا يريد أن يخرج شيئًا ، كمثل القميص يحتبس في هذا المكان ولا ينزل .

فعندما يقاتل هذا عدوه وهذا عدوه ، أيهما ينجو ؟

قال صلى الله عليه وسلم : ” فأما المنفق فلا ينفق إلا سبغت ” أي : يمد يده كالقميص ينزل ويغطي سائر جسده .

قال : ” أو وفرت على جلده حتى تخفي بنانه ” حتى يلقى ثواب الله سبحانه وتعالى ، ووقايته لهذا العبد من النار ، تسبغ فوق هذا الإنسان فيقيه الله عز وجل النار ، معناه : أنه كلما أنفق استرخت المفاصل ، ويسرت يده ، وإذا بالقميص يوارى هذا الإنسان ، فقال صلى الله عليه وسلم : ” حتى تخفي بنانه وتعفو أثره ” ، انظروا هنا القميص الذي لبسه ، غطاه كله وغطى أصابعه وآثار مشيه .

وقوله : ” تعفو أثره ” المعنى : أنه يريد أن يتوارى من عدوه بلبسه هذا القميص ، فحين يهرب من عدوه يطمس قميصه آثار الأقدام فيتواري عن عدوه ، كذلك هذا الإنسان الذي أنفق كأنه ستر نفسه من النار ، فلا تلفحه ولا تطوله هذه النار .

قال : ” وأما البخيل فلا يريد أن ينفق شيئًا ، إلا لزقت كل حلقة مكانها ” البخيل تحدثه نفسه هل ينفق أو لا ؟ فيكون أكثر تثبتًا على المال ، كمثل القميص الذي لبسه يقف في مكانه ولا ينزل ، وكل حلقة لزقت مكانها ، فهو يوسعها فلا تتسع ، ويريد أن ينجو من غضب الله ومن عذابه يوم القيامة وهو لا ينفق .

إذًا هنا الإنسان المؤمن ينفق لله عز وجل فينفق الله عز وجل عليه في الدنيا ، ويعطيه الأجر العظيم في الآخرة ، ويقيه النار ، والعياذ بالله .

– الحسد في اثنتين :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” لا حسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله مالًا ، فسلطه على هلكته في الحق ، ورجل آتاه الله حكمةً ، فهو يقضي بها ويُعلِّمُها “. [متفق عليه]

والمعنى : ينبغي أن لا يُغبَط أحدٌ إلا على إحدى هاتين الخصلتين .

– المبادرة إلى الصدقة :

يجب علينا -على وجه العموم- أن نبادر إلى الخيرات في جميع المجالات ، ولا نتردد ؛ فقد سُئل المعلم صلى الله عليه وسلم : أي الصدقة أعظم أجرًا ؟
قال المعلم صلى الله عليه وسلم : ” أن تصدق وأنت صحيحٌ شحيحٌ تخشى الفقر ، وتأمل الغنى ، ولا تُمْهل حتى إذا بلغت الحلقوم ، قلت : لفلان كذا ولفلان كذا ، وقد كان لفلان “. [متفق عليه]

صدق -واللهِ- الصحابي القائل : لم أرَ معلمًا أحسن تعليمًا منه ، صلى الله عليه وسلم .

– الملك يُخْلِف :

قال الله الملك الحق : ” وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ “. [سبأ : 39]

وقال جل شأنه : ” وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ٱبْتِغَآءَ وَجْهِ ٱللَّهِ وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ “. [البقرة : 272]

وقال عز من قائل : ” وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ “. [البقرة : 273]

– اسقِ حديقة فلان :

عن أبي هريرة عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- قال : ” بينما رجلٌ يمشي بفلاةٍ من الأرضِ ، فسمع صوتًا في سحابةٍ : اسقِ حديقةَ فلانٍ .. فتنحَّى ذلك السحابُ ، فأفرغ ماءَه في حرةٍ ، فإذا شَرْجَةٌ من تلك الشِّرَاجِ قد استوعبتْ ذلك الماءَ كلَّه ، فتتَّبع الماءَ ، فإذا رجلٌ قائمٌ في حديقته يُحوِّلُ الماءَ بمسحاته ، فقال له : يا عبدَ اللهِ ؛ ما اسمُك ؟ قال : فلانٌ للاسم الذي سمعَ في السحابة ، فقال له : يا عبدَ اللهِ ؛ لم تسألني عن اسمي ؟ فقال : إني سمعت صوتًا في السحابِ الذي هذا ماؤه ، يقول : اسق حديقةَ فلانٍ لاسمِك ، فما تصنعُ فيها ؟ قال : أما إذ قُلتَ هذا فإني أنظرُ إلى ما يخرُجُ منها ، فأتصدَّقُ بثُلثِه ، وآكُلُ أنا وعيالي ثُلثًا ، وأرُدُّ فيها ثُلثه “. [رواه مسلم]

– السخاء بمعنى الجود :

يقول القرطبي رحمه الله تعالى : ” وأما السخاء بمعنى الجود ؛ وهو بذل ما يُقتَنَى بغير عوض “.

والأسخياء سادة الناس -برأي زين العابدين بن الحسين رضي الله عنهما- القائل : سادة الناس في الدنيا الأسخياء الأتقياء .

وهذا جده علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه يقول موصيًا بنيه قبل موته : اللهَ اللهَ في الفقراء والمساكين ، أشركوهم في معاشكم .

– ونختم بهذه المقولة الرائعة :

جود الرجل يحببه إلى أضداده ، وبخله يبغضه إلى أولاده .

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى