من أنباء الرسل

الإخلاص في الدعاء

الإخلاص في الدعاء :

الواجب على المؤمن في حال الدعاء أن يقبل على الله تعالى بقلب حاضر ، وأن يجتهد في الإخلاص لله عز وجل ، وحسن الظن به ، ويلح في الدعاء ، ويسأل الله بأسمائه وصفاته وتوسله جل وعلا .

وإذا كان هذا هو حال المؤمن مع ربه ، فما بالكم بحال الأنبياء والرسل مع ربهم تبارك وتعالى .

يقول عز من قائل :
« ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ». (الأعراف : 55-56)

لا يحتاج المؤمن إلى الكثير من الكلمات لتُحدث الأثر والتأثير ، وحل كل أمر عسير ، بإذن الملك العلي القدير .

هو فقط يحتاج الي الصدق والإخلاص واليقين ، مع الله رب العالمين .

  • الله قريب :

يقول ربنا عز وجل :
« وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ». (البقرة : 186)

يقول أهل التفسير :
إذا سألك – أيها النبي – عبادي عن قربي وإجابتي لدعائهم ؛ فإني قريب منهم ، عالم بأحوالهم ، سامع لدعائهم ، فلا يحتاجون إلى وسطاء ، ولا إلى رفع أصواتهم ، أُجيب دعوة الداعي إذا دعاني مخلصًا في دعائه ، فلينقادوا لي ولأوامري ، وليثبتوا على إيمانهم ؛ فإن ذلك أنفع وسيلة لإجابتي ، لعلهم يسلكون بذلك سبيل الرشد في شؤونهم الدينية والدنيوية .

ويقول الملك الجليل في محكم التنزيل :
« وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِين ». (غافر : 60)

وقال ربكم – أيها الناس – : وحِّدوني في العبادة والمسألة ، أجب دعاءكم وأعفُ عنكم وأرحمكم ، إن الذين يتعظمون عن إفرادي بالعبادة سيدخلون يوم القيامة جهنم صاغرين .

لا عجب من أمر الله جلَّ في علاه ، فهو صاحب الأمر والحكم ، لا رادّ لأمره ، ولا مُعَقِّب لحكمه ، إذا أراد شيئًا قال له : كُنْ ؛ فيكون.

فهذا نبي الله نوح عليه السلام أغرق الله تعالى له الأرض بأكملها ؛ بدعاء من ثلاث كلمات : « أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ ».

وهذا نبيه سليمان عليه السلام مَلَكَ الأرض كلها بأمر الملك جل وعلا ، بدعاء من ثلاث كلمات : « وَهَبْ لِي مُلْكًا ».

قال الله تعالى على لسان يعقوب عليه السلام : « يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأسُوا مِن رَّوْحِ اللهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ». (يوسف : 87)

هذا هو حسنُ الظنِّ بالله ؛ ابنه غائب منذ زمن بعيد ، ويَلحق به أخوه ، ولا تزال ثقته في الله كبيرة ؛ فالرُّوح المتفائلة لا تعرف
اليأس ولا التشاؤم .

فإذا حدثك أحدهم عن الاحتمالات العقلية ، فحدثهم أنت عن الثقة برب البرية ﷻ ، وحدثهم عن الإخلاص في الدعاء .

ثلاثة فقدها يعقوب عليه السلام : فقَدَ يوسفَ ، وفقد أخاه ، وفقد بصرَه ؛ فردَّها العليم القدير له بثلاثة : بتوكلهِ ، وتفاؤلهِ ، وصبرهِ .

وهذا سيد المرسلين سيدنا محمد ﷺ ، كان يتشوف لتحويل القبلة من بيت المقدس ويرجوه ، بل قال ( الجلال ) : إنه كان ينتظره ؛ لأن الكعبة قبلة أبيه إبراهيم عليه السلام ، والتوجه إليها أدعى إلى إيمان العرب ؛ أي : وعلى العرب المعول في ظهور هذا الدين العام ؛ لأنهم كانوا أكمل استعدادًا له من جميع الأنام .

فأنزل الله تعالى على نبيه المصطفى ورسوله المجتبى :
« قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ». (البقرة : 144)

ندعوكم لقراءة : أدعية القرآن

  • الدعاء المستجاب :

دعاء رسولنا الكريم ﷺ مستجاب على سبيل العموم والإجمال ، وقد لا يُستجَاب له في مسألة بعينها ؛ فالله تبارك وتعالى أعلى وأعلم .

قال رسول الله ﷺ :
” سألت ربي عزَّ وجلَّ ثلاث خصال ، فأعطاني اثنتين ومنعني واحدة ، سألت ربي أن لا يهلكنا بما أهلك به الأمم فأعطانيها ، فسألت ربي عزَّ وجلَّ أن لا يظهر علينا عدوًّا من غيرنا فأعطانيها ، فسألت ربي أن لا يلبسنا شيعًا فمنعنيها “.
( الحديث رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح ، والنسائي واللفظ له ، ورواه مسلم من حديث ثوبان رضي اللّه عنه ).

قال الحافظ ابن حجر في الفتح : وأما الدعوات الخاصة – يعني بالأنبياء – فمنها ما يُستجاب ومنها ما لا يُستجاب .

وجاء في تفسير السراج المنير للشربيني : وإجابة دعاء الأنبياء غالبة لا لازمة ، فقد يتخلف لقضاء اللّه تعالى بخلافه كما في دعاء إبراهيم عليه السلام في حق أبيه ، وكما في دعاء نبينا محمد ﷺ في قوله : وسألته أن لا يذيق بعضهم بأس بعض فمنعنيها .

اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على سيدنا محمد ﷺ ، وعلى سائر الأنبياء والمرسلين .

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى