اكنز هذه الكلمات
اكنز هذه الكلمات :
ينشغل الناس بالغلاء ، والمشقة والبلاء ، ويتركون الدعاء ، ويطمعون في العيش والبقاء ؛ فيفكرون في الغد ، بين جَذْبٍ وشَد ، فيشتري بعضهم ذهبًا ، ويبيعه آخرون ، ويشتري بعضهم أرضًا أو شققًا ؛ للاستثمار ، أو الادخار ، أو غير ذلك كما يفعل التجار .
مهمومون بالغد ، فإن كان ولابُد ؛ فالعلاج عند المعلم ﷺ الذي خاطب هذا الصحابي قائلًا له ولأصحابه :
” يا شدَّادُ بنُ أوسٍ ! إذا رأيتَ النَّاسَ قد اكتنزوا الذَّهبَ والفضَّةَ ؛ فاكنِز هؤلاء الكلماتِ : اللَّهمَّ ! إنِّي أسألُك الثَّباتَ في الأمرِ ، والعزيمةَ على الرُّشدِ ، وأسألُك موجِباتِ رحمتِك ، وعزائمَ مغفرتِك ، وأسألُك شُكرَ نعمتِك ، وحُسنَ عبادتِك ، وأسألُك قلبًا سليمًا ، ولسانًا صادقًا ، وأسألُك من خيرِ ما تعلَمُ ، وأعوذُ بك من شرِّ ما تعلَمُ ، وأستغفرُك لما تعلَمُ ؛ إنَّك أنت علَّامُ الغيوبِ “.
( انظر : السلسلة الصحيحة للألباني : 3228 ).
إذًا ، فليكنز من يحب الذهب والفضة أو العقارات ، أو ما شاء له أن يكنز ، ولننفذ نحن وصية معلمنا وقائدنا وقدوتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذي لا ينطق عن الهوى .
قالها لشداد بن أوس ، وقالها لنا جميعًا -كمتبعين لا مبتدعين- ، فما أروع هدي رسول رب العالمين صلى الله وسلم عليه وآله وصحبه أجمعين .
” اللهم إني أسألك الثبات في الأمر ” ؛ أي : الثبات على الحق الواضح المبين ، الذي جاء من عند رب العالمين ، ونزل به الروح الأمين ، على قلب نبينا خير المرسلين .
قل يا عبدالله يا مؤمن : آمنت بالله تعالى ثم استقم .
” والعزيمة على الرشد ” ؛ العزم والعزيمة : عقد القلب على إمضاء الأمر ، يقال : عزمتُ الأمر ، وعزمت عليه ، واعتزمت ، قال اللَّه تعالى : ” فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ “. (آل عمران : 159)
الرشد : الرَّشَدُ والرُّشْدُ : خلاف الغي ؛ وهو الصلاح والفلاح ، والصواب .
” وأسألك موجبات رحمتك ، وعزائم مغفرتك ” ؛ سأل النبي صلى الله عليه وسلم ربه أن يرزقه ما يوجب له رحمته عز وجل من الأقوال ، والأفعال ، والخصال ، فقد دخل بذلك تحت رحمته التي وسعت كل شيء ، واندرج في سلك أهلها ، وفي عداد مستحقيها ، ثم سأل اللَّه تعالى أن يهب له عزمًا على الخير يكون سببًا لمغفرته من الأعمال ، والأقوال كذلك .
” وأسألك شكر نعمتك ، وحسن عبادتك ” ؛ أي أسألك التوفيق والسداد أن أشكر نعمتك عليّ التي لا تُحصى ؛ ” وإن تعدوا نعمة الله لاتحصوها ” ، وشكر النعمة يوجب المزيد ؛ كما قال اللَّه تعالى : ” وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ “. (إبراهيم : 7)
والشكر يكون : بالقلب ، واللسان ، والأركان .
فالشكر بالقلب : ذكرها ، وعدم نسيانها .
والشكر باللسان : الثناء ، والحمد بالنعم ، وذكرها ، وتعدادها ، والتحدث بها .
والشكر بالأركان ، أن يُستعان بنعم اللَّه تعالى على طاعته ، وأن يجنب في استعمالها في شيء من معاصيه .
وحسن العبادة : يكون بإتقانها ، والإتيان بها على أكمل وجه .
” وأسألك قلبًا سليمًا ، ولسانًا صادقًا ” ؛ يسأل الحبيب المصطفى ربه أن يرزقه قلبًا سليمًا خاليًا من أمراض القلوب ؛ كالحقد والحسد والغل والبغضاء ، وما إلى ذلك ، وأن يأتي ربه بقلب سليم ، ونحن في زمرة هذا النبي الكريم ، صاحب الخلق العظيم ، عليه الصلاة وأزكى التسليم .
ويسأله لسانًا صادقًا ، لا يعرف الكذب إليه سبيلًا ، وهو المشهور بلقب ” الصادق الأمين ” قبل أن ينزل عليه الروح الأمين .
” وأسألك من خير ما تعلم ، وأعوذ بك من شر ما تعلم ” ؛ هذا سؤال جامع لكل خير ما علمه العبد ، وما لم يعلمه ، فما من خير إلا وقد دخل فيه ؛ لهذا أسنده إلى رب العزة تبارك وتعالى العليم الحكيم ، الذي وسع علمه كل شيء .
وفي هذا يقول العلماء : وهذا السؤال العام بعد سؤال تلك الأمور الخاصة من الخير ، هو من باب ذكر العام بعد الخاص .
ويستعيذ بالله من شر ما يعلم : وهذه الاستعاذة شاملة من كل الشرور ؛ صغيرها ، وكبيرها ، ظاهرها ، وباطنها .
” وأستغفرك لما تعلم ؛ إنك أنت علَّام الغيوب ” ؛ ختم الحبيب المعلم صلى الله عليه وسلم دعاءه بطلب الاستغفار الذي عليه المعوَّل والمدار ؛ فإنه خاتمة الأعمال الصالحة ، كما في كثير من العبادات .
وهذا الاستغفار يعمّ كل الذنوب التي عملها العبد في الماضي ، والحاضر ، والمستقبل .
ومن الذنوب ما ينساه العبد ، ولا يذكره وقت الاستغفار ، فيحتاج العبد إلى استغفار عام من جميع ذنوبه ، ما علم منها ، وما لم يعلم ، والكل قد علمه اللَّه ، وأحصاه ، سبحانه جل في علاه .
خير ختام : ختم المعلم صلى الله عليه وسلم دعاءه بأحسن ختام من صفات اللَّه تعالى العظام : ” إنك أنت علام الغيوب ” ، حيث ختمه باسم من أسمائه المضافة -تبارك وتعالى- التي تدل على سعة العلم ، فإن ( علَّام ) صيغة مبالغة لكثرة العلم وشموله ، فهذا توسّل جليل ، وربه هو حسبه ونعم الوكيل .
توسلٌ فيه غاية الأدب والتعظيم ، للرب الجليل العظيم .
توسل جليل ، والله حسبنا ونعم الوكيل .
كنز حقيقي : انظر إلى جلالة هذه الكلمات في هذه الدعوات ، من المقاصد والمطالب ، والمضامين المهمّة ؛ لذا أمر المعلم صلى الله عليه وسلم باكتنازها ؛ لأنها هي الكنز الحقيقي الذي ينمو في ازدياد من الخير في الدار الدنيا ، والادخار في الدار الآخرة .
اللهم انفعنا بهدي نبينا المعلم ، صلى الله عليه وسلم .