ديننا الإسلام

اختلاف الأمة رحمة

اختلاف الأمة رحمة :

قالوا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” اختلاف أمتي رحمة ” ، وهذا ليس من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بل هو اجتهاد وقول من أحد أئمة التابعين ، وعليه فهذا ليس بحديث نبوي على الإطلاق .

** سؤال وجواب :

هذا سؤال للإمام ابن باز رحمه الله تعالى :
يقول أخونا : بلغني عن رسول الله ﷺ أنه قال : اختلاف أمتي رحمة ، هل هذا صحيح ؟ 

وهذا جوابه :

ليس بصحيح ، ليس من كلام النبي ﷺ إنما هو من كلام بعض التابعين ، والنبي ﷺ لم يقل هذا -عليه الصلاة والسلام- بعض التابعين قال : ما أرى أصحاب النبي ﷺ اختلفوا إلا رحمة من الله ؛ يعني : حتى ينظر المجتهد ، ويتأمل الدليل ، فالاختلاف بين العلماء فيه مصالح للمسلمين ، وإن كان الاجتماع أفضل وأحسن ، الاجتماع فيه الرحمة والخير كما قال الله -جل وعلا- : « وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ». (هود : 118-119)

فالرحمة مع الجماعة ، ولكن إذا وجد في المسألة التي فيها اختلاف بين العلماء فعلى العالم أن ينظر في الدليل ، وأن يجتهد في ترجيح ما قام عليه الدليل ، وليس له أن يتساهل في هذا الشيء ، ولا أن يتبع هواه ، بل ينظر في الأدلة الشرعية ، وما رجح عنده في الدليل أنه هو المراد في الشرع عمل به ، سواء كانت المسألة فيها قولان ، أو ثلاثة ، أو أربعة ، يتحرى الأدلة الشرعية من الآيات والأحاديث ، وينظر بعين البصيرة ، وبالتجرد عن الهوى والتعصب ، فمتى رجح عنده أحد القولين أو الثلاثة أخذ به .

قال ابن قدامة في المُغني :
{ وجعل في سلف هذه الأمة أئمة من الأعلام ، مهد بهم قواعد الإسلام ، وأوضح بهم مشكلات الأحكام ، اتفاقهم حجة قاطعة ، واختلافهم رحمة واسعة }.

وقال ابن العربي في أحكام القرآن : { والذي يسقط لعدم بيان الله سبحانه فيه وسكوته عنه هو باب التكليف ، فإنه بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم تختلف العلماء فيه ، فيحرم عالم ويحل آخر ، ويوجب مجتهد ، ويسقط آخر ، واختلاف العلماء رحمة للخلق ، وفسحة في الحق ، وطريق مهيع إلى الرفق }.

وقال بعض أهل العلم :
الاختلاف في فهم الأحكام مع عذر المخالف ، بحيث لا يؤدي ذلك إلى التفرق في الدين والتعصب ، فإن مثل هذا الاختلاف طبيعي في البشر لا يمكن انتفاؤه ، ولا يكون حينئذ نقمة ولا ضارًّا ، لكن إذا وجد التقليد والتشيع والتعصب للمذاهب حلت النقمة ، وتفرقت الكلمة ، وذهبت الريح والشوكة ، وهذا هو الاختلاف المنهي عنه شرعًا .

ندعوكم لقراءة : مذاهب الفقه الأربعة

  • تباين أقوال السلف :

تباينت أقوال السلف في المسألة ، فأُثِر عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله قوله :
ما أحب أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لم يختلفوا ؛ لأنه لو كان قولًا واحدًا كان الناس في ضيق ، وأنهم أئمة يُقتَدى بهم ، فلو أخذ أحدٌ بقول رجل منهم كان في سعة .

وعن يحيى بن سعيد أنه قال : اختلاف أهل العلم توسعة ، وما برح المفتون يختلفون ، فيحلل هذا ويحرم هذا ، فلا يعيب هذا على هذا ، ولا هذا على هذا .

وقال ابن عابدين : الاختلاف بين المجتهدين في الفروع -لا مطلق الاختلاف- من آثار الرحمة فإن اختلافهم توسعة للناس .
قال : فمهما كان الاختلاف أكثر كانت الرحمة أوفر .

وهذه القاعدة ليست متفقًا عليها ، فقد روى ابن وهب عن إمام دار الهجرة مالك بن أنس أنه قال : ليس في اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سعة ، وإنما الحق في واحد .

وقال المزني صاحب الشافعي : ذم الله الاختلاف وأمر بالرجوع عنده إلى الكتاب والسنة .

وتوسط ابن تيمية بين الاتجاهين ، فرأى أن الاختلاف قد يكون رحمة ، وقد يكون عذابًا .

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى