إيذاء المشركين لرسول الله ﷺ :
( ٢٧ ) الحلقة السابعة والعشرون من سيرة الحبيب ﷺ :
اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
تكلمنا في الحلقة السابقة عن إيذاء المشركين وعُقبة بن أبي مُعَيْطٍ لرسول الله عليه الصلاة والسلام ، حين وضع على ظهره الشريف سلا جزور عندما كان ساجدًا في صلاته عند الكعبة .
واليوم إن شاء الله نسرد المزيد من التفاصيل عن قصة ذلك الكافر ” عُقبة بن أبي مُعَيْط ” ، وعن صور أخرى من إيذائه للحبيب صلى الله عليه وسلم .
ولعُقبة قصة عجيبة يجب التوقف عندها .. فَعُقبة بن أبي مُعَيْط كان يَجلِسُ مع النبي صلى الله عليه وسلم بمكةَ لا يُؤذيه ، وكان رجلاً حليمًا ، وكان بقيَّةُ قريشٍ إذا جَلَسوا معه آذَوْه ، وكان لأبي مُعَيطٍ خليلٌ ( أي صديق مقرب ) غائبٌ عنه بالشام ( يُقال أنه أُبَيّ بن خَلَف الجمحي ).
فقالت قريشٌ : صَبَأَ أبو مُعَيط ( أي ظن مشركو قريش أن عُقبة دخل في الإسلام لمجالسته للنبي صلى الله عليه وسلم ) .. فلما قدِم خليلُه ( أي صاحبه الكافر ) من الشام ليلًا ، قال لامرأته : ما فَعَل محمدٌ مما كان عليه ؟ فقالت : أشدُّ مما كان أمرًا .. فقال : ما فَعَل خليلي أبو مُعَيط ؟ فقالت : صبَأ .. فبات بليلةِ سَوءٍ ، فلما أصبَح أتاه أبو مُعَيط فحَيَّاه ، فلم يَرُدَّ عليه التحيةَ ، فقال : مالكَ لا تَرُدُّ عليَّ تحيتي ؟ فقال : كيف أَرُدُّ عليك تحيَّتَك وقد صَبَوتَ ؟ قال : أَوَ قَد فَعَلَتْها قريش ؟ قال : نعم .. قال : فما يُبرئُ صُدورَهم إِنْ أنا فعلتُ ؟ قال : نأتيه في مَجلِسِه ، وتبصُقُ في وجهِهِ وتشتمه بأخبَثِ ما تعلَمُهُ منَ الشَّتمِ .. ففعل ( أي أنه بصق في وجه النبي صلى الله عليه وسلم ، وسبَّه سبًّا قبيحًا ) ، فلم يَزد النبيُّ صلى الله عليه وسلم على أن مَسَح وجهه من البُصاقِ ثُمَّ التفت إليهِ فقال :
” إن وَجَدتُكَ خارجًا من جبالِ مكَّةَ أضِربُ عُنُقَكَ صبرًا “.
( ومعنى أضرب عُنُقَك صبرًا : كُلُّ مَنْ قُتِل في غير معركة ولا حرب ولا خطأ ، فإنه مقتول صبرًا ).
فلمَّا كان يومُ بدرٍ وخَرَج أصحابُه ، رفض أن يخرجَ ، فقال له أصحابه : اخرج معنا .. قال : قد وَعَدَني هذا الرجل ( يقصد تهديد النبي صلى الله عليه وسلم بالقتل ) إن وَجَدَني خارجًا من جبال مكةَ أن يضربَ عُنُقي صبرًا .
فقالوا : لك جَمَلٌ أحمرُ لا يُدرَك ، فلو كانتِ الهزيمةُ طِرتَ عليه ، فخرج معهم ، فلما هَزَم اللهُ المشركين ، تعثَّر به جَمَلُه ، فأخذه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أسيرًا في سبعينَ مِن قُرَيْش ، وقدِم إليه أبو مُعَيط ، فقال : تقتُلُني مِن بين هؤلاء ؟ قال :
” نعَم بِمَا بَصَقتَ في وجهي “.
فأنزَلَ اللهُ في أبي مُعَيطٍ :
” وَيَوْمَ يَعَضُّ ٱلظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يٰلَيْتَنِي ٱتَّخَذْتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِيلًا ﴿٢٧﴾ يَـٰوَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا ﴿٢٨﴾ لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ ٱلذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَآءَنِي وَكَانَ ٱلشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولًا ﴿٢٩﴾ “. ( المقصود عُقبة بن أبي مُعَيط وكل ظالم من بعده )
ونتعلَّم من هذه القصة أمورًا كثيرة منها :
ضرر صحبة السوء :
فقد أضلَّت صُحبة السوء كثيرًا من أهل مكة عن الإسلام ، فرجل كعُقبة بن أبي مُعَيط في حِلمه وكرمه كان من الممكن أن يكون من رجال الإسلام ، لولا صُحبته للمجرم أُبَيِّ بن خَلَف .
صلابة الداعية :
فإن قوة الدَّاعي ويقينه تُؤَثِّر في أهل الباطل ، فقد رأينا ” عُقبة ” بعد ذلك لا تَقوى قدماه على حَملِه إلى بدر خوفًا من محمد صلى الله عليه وسلم لأن الكفار كانوا يُدركون صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويعلمون أنه ما ينطق إلا بالحق .
كرامة الرسول صلى الله عليه وسلم والإسلام والأمة لا يصلح لها أبدًا أن تُهان : فقد أصرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتل عُقبة في بدر ، حتى لا يُفَكِّر غيرُه في أن يتهوَّر كتهوُّره ، وكذلك حتى يتحقَّق ما أخبر به سابقًا في مكة ، فتصحَّ بذلك نبوءته صلى الله عليه وسلم .
ولقد كانت هناك أسباب كثيرة لقَتْل عُقبة بن أبي مُعَيط غير بصقه على رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل محاولته خنق رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة كما سنروي الآن ، وكتَعَدِّيه بإلقاء سلا الجزور على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم -كما حكينا في الحلقة الماضية- وكحرصه على قتال المسلمين في بدر ، ولحوادث أخرى فعلها على مدار السنوات .
فعن عَبْدِالله بنَ عَمْرٍو رضي الله عنهما ، أنَّه سُئِلَ عن أشَدِّ ما صَنَعَ المُشْرِكُونَ برَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ، قَالَ : رَأَيْتُ عُقْبَةَ بنَ أبِي مُعَيْطٍ ، جَاءَ إلى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو يُصَلِّي ، فَوَضَعَ رِدَاءَهُ في عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ به خَنْقًا شَدِيدًا ، فَجَاءَ أبو بَكْرٍ حتَّى دَفَعَهُ عنْه ، فَقَالَ : { أَتَقۡتُلُونَ رَجُلًا أَن یَقُولَ رَبِّیَ ٱللهُ ، وَقَدۡ جَاۤءَكُم بِٱلۡبَیِّنَـٰتِ مِن رَّبِّكُمۡ } [غافر : ٢٨] .. فهنيئًا للصديق رضي الله عنه دفاعه عن المصطفى صلى الله عليه وسلم .
فداك روحي يا رسول الله ﷺ .. كم تحمَّلت في سبيل وصول الإسلام إلينا .
فهل دافعنا عن نبينا صلى الله عليه وسلم بإحياء سُنَّته وتعليمها لأولادنا وأقاربنا ونشرها بين الناس ؟
ونُكمل بعون الله في الحلقه القادمة إن شاء الله .