إطعام الطعام

إطعام الطعام :
من أفضل القربات إلى الله تبارك وتعالى : إطعام الطعام ؛ فعن عبدِاللَّهِ بنِ سَلاَمٍ رضي الله عنه ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ :
” أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشوا السَّلامَ ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ ، وَصَلُّوا باللَّيْل وَالنَّاسُ نِيامٌ ، تَدخُلُوا الجَنَّةَ بِسَلامٍ “.
( رواهُ الترمذيُّ وقالَ : حديثٌ حسنٌ صحيحٌ ).
يقول الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز :
” وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا “. (الإنسان : 8-9)
{ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ } ؛ أي وهم يحبون الطعام ، ولكن محبة الله تعالى مقدمة عندهم على محبة نفوسهم ، ويتحرون في إطعامهم أولى الناس وأحوجهم { مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا }.
إنهم يحبون إطعام الطعام ، وتقديمه إلى من دونهم ، مع حبهم له وحاجتهم إليه .
يقدمون الطعام طواعية واختيارًا إلى فقيرٍ عاجزٍ عن الكسب لا يملك من حطام الدنيا شيئًا ، ويتيم مات أبوه ولا مال له ، وأسير أُسره الأعداء في الحرب .. ويقولون في أنفسهم : إنما نحسن إليكم ابتغاء مرضاة الله ، وطلب ثوابه ، لا نبتغي عوضًا ولا نقصد حمدًا ولا ثناءً منكم .
- ويقول الدكتور طنطاوي في [ الوسيط ] :
{ وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا } ؛ أى : أن هؤلاء الأبرار من صفاتهم أيضًا أنهم يطعمون الطعام مع حب هذا الطعام لديهم ، ومع حاجتهم إليه واشتهائهم له .
ومع كل ذلك فهم يقدمونه للمسكين ، وهو المحتاج إلى غيره لفقره وسكونه عن الحركة .. ولليتيم : وهو من فقد أباه وهو صغير ، وللأسير : وهو من أصبح أمره بيد غيره .
وخص الإطعام بالذكر : لما في تقديمه من كرم وسخاء وإيثار ، لا سيما مع الحاجة إليه ، كما يشعر به قوله – تبارك وتعالى – عَلى حُبِّهِ ؛ أى : على حبهم لذلك الطعام ، وقيل الضمير في قوله عَلى حُبِّهِ يعود إلى الله – عز وجل – أى : يطعمون الطعام على حبهم له تبارك وتعالى .
- أرملة تتصدق :
يحكي خطيب مسجدنا في خطبة الجمعة اليوم الرابع والعشرين من مايو لعام 2024م ، يقول :
هي امرأة من محارمي ، مات عنها زوجها ، وترك لها أربعة من الأولاد ، ولم يخلف لهم معاشًا .
رفضت المساعدة من أقاربها ، ومن المساجد والجمعيات الخيرية ، وقررت أن تنزل إلى العمل ؛ لتعول أولادها الأربعة ، وكانوا متفوقين في دراستهم .
حرصت هذه الفاضلة على شراء نصف كيلو من اللحم من عملها ، وذلك كل أسبوع ، وعمل صواني فتة لإطعام الفقراء ، وهي الفقيرة إلى الله تبارك وتعالى ؛ فهي تحب إطعام الطعام ، بعدما سمعت حديث النبي ﷺ : أنفق بلال ، ولا تخش من ذي العرش إقلالا .
وفي النهاية أكرمها الملك ﷻ بأولادها الأربعة : أحدهم حصل على الدكتوراه في مجال تخصصه ، وطبيب بشري ، ومهندس مدني ، وصيدلانية .
ما شاء الله تبارك الله .
- أصحاب الميمنة :
إطعام الطعام يجعل صاحبه من أصحاب هذه الآيات الكريمات ، ويدخل في زمرتهم ليكون من أصحاب الميمنة الذين يدخلون الجنة بإذن ربهم جل وعلا ؛ يقول الله سبحانه وبحمده :
« أَوۡ إِطۡعَٰمٞ فِي يَوۡمٖ ذِي مَسۡغَبَةٖ * يَتِيمٗا ذَا مَقۡرَبَةٍ * أَوۡ مِسۡكِينٗا ذَا مَتۡرَبَةٖ * ثُمَّ كَانَ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلصَّبۡرِ وَتَوَاصَوۡاْ بِٱلۡمَرۡحَمَةِ * أُوْلَٰئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡمَيۡمَنَةِ ». (البلد : 14-18)
- من الأبرار :
وصفهم القرآن الكريم بـ “ الأبرار” في قوله تعالى :
« إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًاعَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا* وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ». (الإنسان : 5-8)
- أحاديث للحبيب النبي ﷺ :
هيا لنتعرف على أحاديث للحبيب النبي ﷺ يحثنا فيها على إطعام الطعام :
عن عدي بن حاتم رضي الله عنه أن النبي ﷺ ذكر النار فأشاح بوجهه فتعوذ منها ، ثم ذكر النار فأشاح بوجهه فتعوذ منها ، ثم قال:
” اتقوا النار ولو بشق تمرة ، فمن لم يجد فبكلمة طيبة “.
( رواه البخاري ومسلم ).
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
” إِنَّ اللَّهَ لَيُرَبِّي لِأَحَدِكُمْ التَّمْرَةَ وَاللُّقْمَةَ ، كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أَوْ فَصِيلَهُ ، حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ أُحُدٍ “.
( رواه أحمد ).
روى الطبراني في الكبير عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ :
” ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به “.
رواه الحاكم في المستدرك عن ابن عباس قال : قال رسول الله ﷺ :
” ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه “.
( صححه الذهبي في التلخيص ، والألباني في صحيح الأدب المفرد ).
وعلى ذلك فالحديث صحيح .
وروى الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلًا جاء إلى النبي ﷺ فقال : يا رسول الله : أي الناس أحب إلى الله ؟ وأي الأعمال أحب إلى الله ؟
فقال رسول اللّه ﷺ :
” أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس ، وأحب الأعمال إلى الله تعالى سرور تدخله على مسلم ، أو تكشف عنه كربة ، أو تقضي عنه دينًا ، أو تطرد عنه جوعًا “.
عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أن رجلًا سأل النبي ﷺ : أيُّ الإسلامِ خيرٌ ؟
فقال : ” تُطعِمُ الطعامَ وتقرأ السّلامَ على من عرفت ومن لم تعرف “.
( متفق عليه ).
أفضل الصدقة هي إطعام الطعام :
عن أني بن مالك رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله ﷺ :
“ ما من مسلم يغرس غرسًا أو يزرع زرعًا ، فيأكل منه طير ، أو إنسان ، أو بهيمة ، إلا كان له به صدقة “.
( رواه البخاري ومسلم ).