سيرة الحبيب ﷺ

إسلام الفاروق رضي الله عنه 2

إسلام الفاروق رضي الله عنه 2 :

( ٤٢ ) الحلقة الثانية والأربعين من سيرة الحبيب ﷺ :

تعالوا نبدأ بالصلاة والسلام على خير الآنام محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه الكرام .

اليوم نكمل حديثنا عن قصة إسلام الفاروق عمر رضي الله عنه .

عرفنا في الحلقة الماضية كيف خرج عمر رضي الله عنه من بيته مُتَوشِّحًا سيفه قاصدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يبحث عنه لقتله ، فلقي نُعَيم بن عبدالله رضي الله عنه ، وكان قد أسلم ويخفي إسلامه ، فلما رأى الشر في وجه عمر ، وعلم بِنِيَّتِه حاول صرفه عما هو عازم عليه من شر ، وأخبره بنبأ إسلام أخته فاطمة ، وزوجها سعيد بن زيد رضي الله عنهما ، ونزل الخبر على عمر رضي الله عنه كالصاعقة ، وانطلق إلى بيت أخته ، وهو يحترق من الغضب ، فلما وصل طرق الباب بقوة ، ونادى عليهم بصوت غاضب ليفتحوا .
وفي تلك الأثناء كان خبَّاب بن الأرتّ رضي الله عنه يجلس مع سعيد بن زيد وزوجته في بيتهما يعلمهما القرآن الكريم ، ومعه صحيفة فيها بعض آيات من سورة طه ، كان يُقرِئهما إياها .
فلما سمعوا صوت عمر رضي الله عنه بالباب ، أسرع خبَّاب رضي الله عنه بالاختفاء في حجرة صغيرة لهم ، وأخذت فاطمة رضي الله عنها الصحيفة ، فجعلتها تحت فَخِذِها ، ثم فتح سعيد رضي الله عنه الباب ، فلما دخل عمر رضي الله عنه ، وهو يحترق من الغضب ، سألهما : ما هذه الهَينَمَةُ ( أي الصوت غير المفهوم ) التي سَمِعتُ ؟
فقالا له : ما سَمِعتَ شيئًا .
قال عمر : بلى والله ، لقد أُخبِرتُ أنَّكما تابَعتُمَا مُحَمَّدًا على دينِه ، ثم بطش بزوج أخته سعيد بن زيد رضي الله عنه ، وهنا قامت أخته فاطمة رضي الله عنها لِتَكُفَّه عن زوجها ، فضربها فَشَجَّها ( أي أصابها بجرح بالغ سالت منه الدماء من وجهها ) .. فلما فعل بهما ذلك ، قالا له في تَحَدٍّ : نعم ، قد أسلمنا وآمنا بالله ورسوله ، فاصنع ما بدا لك .
وكان في قلب عمر رضي الله عنه رقة عظيمة تختفي وراء هذه الغلظة الظاهرة ، فلما رأى الدماء تسيل من وجه أخته ، ندم على ما صنعه بها وبزوجها ، ثم قال لأخته : ” أعطيني هذه الصحيفة التي سَمِعتُكُم تَقرَءُون آنِفًا ، أَنظُر ما هذا الذي جاء به مُحَمَّدٌ ” ، وكان عمر رضي يعرف القراءة والكتابة .
فقالت له أخته فاطمة : إنَّا نخشاكَ عليها ، فقال : لا تخافي ، وحَلَفَ لها بآلهته لَيَرُدَّنَّها إليها إذا قرَأها .
فلما قال ذلك ، طمعت أخته في إسلامه ، فقالت له : يا أخي ، إنَّكَ نَجِسٌ على شِركِك ، وإنه لا يَمَسُّها إلا الطاهر .
فقام عمر فاغتسل ، فأعطَته أخته الصحيفة ، وفيها قوله تعالى : ” طَه * مَاۤ أَنزَلۡنَا عَلَیۡكَ ٱلۡقُرۡءَانَ لِتَشۡقَىٰۤ ” (طه : 1-2) إلى قوله تعالى : ” قَالَ أَلۡقِهَا یَـٰمُوسَىٰ * فَأَلۡقَىٰهَا فَإِذَا هِیَ حَیَّةٌ تَسۡعَىٰ “. (طه : 19-20)
فلمَّا قرأ عمر رضي الله عنه بعض آيات من أول السورة قال : ما أحسنَ هذا الكلامَ وأكرَمَه ! وخشع قلب عمر رضي الله عنه لكلام ربنا العليّ الأعلى جل شأنه وتقدَّست أسماؤه .
وكانت هذه من أعظم لحظات البشرية على الإطلاق ، لحظة تحوَّل فيها رجل يسجد لصنم ويُعَذِّب المؤمنين إلى عملاق من عمالقة الإيمان ، وإلى فاروق فرَّق اللهُ به بين الحق والباطل ، وإلى رجل يراقب الله في كل حركة وكل سكون ، وكل كلمة وكل همسة ، بضع آيات فقط ، صنعت الأسطورة الإسلامية العجيبة عمر !
وحين سمع خبَّاب رضي الله عنه ما قاله عمر رضي الله عنه بشأن القرآن ، خرج من مخبئه وقال : يا عمر ، والله إني لأرجو أن يكونَ اللهُ قد خصَّكَ بدعوة نَبِيِّه ، فإني سَمِعتُه أمس وهو يقول : ” اللَّهُمَّ أَيِّدِ الإِسلاَمَ بِأَبِي الْحَكَمِ بنِ هِشَامٍ ، أَو بِعُمَرِ بنِ الْخَطَّابِ ” ، فاللهَ اللهَ يا عمر .
فلما سمع عمر رضي الله عنه ذلك قال : فَدُلَّني يا خبَّاب على محمد حتى آتِيَه فَأُسلِم .
فقال خبَّاب رضي الله عنه : هو في بيتٍ عند الصَّفَا ، معه فيه نَفَرٌ من أصحابِه .
فأخذ عمر سيفه فتَوَشَّحه ، ثم انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، ولكنه انطلق في هذه المرة بقلب مؤمن .
فلما وصل عمر رضي الله عنه وضرب عليهم الباب ، قام رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنظر من خَلَلِ الباب فوجد عمر رضي الله عنه ، فرجع فَزِعًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال : يا رسول الله ، هذا عمر بن الخطاب مُتَوَشِّحًا السيف !
فقال حمزة رضي الله عنه في صلابة : ” فَأْذَنْ لَهُ ، فَإِنْ كَانَ جَاءَ يُرِيدُ خَيْرًا بَذَلْنَاهُ لَهُ ، وَإِنْ كَانَ جَاءَ يُرِيدُ شَرًّا قَتَلْنَاهُ بِسَيْفِهِ “.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” ائْذَن لَهُ “.
فأَذِنَ له الرجل ، ونَهَض إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لَقِيَه في الحُجرَة ، ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمِجمَعِ ردائه ، ثم جَبَذَه به جَبذَةً شديدة ، وقال له في قوة : ” ما جاء بكَ يا بنَ الخطاب ؟ فوالله ما أرى أن تنتهي حتى يُنزِل اللهُ بكَ قارِعَة “.
وعندئذٍ ردَّ عمر بصوت منخفض : يا رسول الله ، جِئتُكَ لِأُومِنَ بالله وبرسولِه ، وبما جاء من عند الله .
فغمرت الفرحة قلب رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ، فكبَّر صلى الله عليه وسلم تكبيرة عرف منها أهل البيت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّ عمر قد أسلم ، فقاموا إليه فرحين بإسلامه .

فكان إسلام الفاروق عمر رضي الله عنه بسبب بركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم حين قال :
” اللهُمَّ أعِزَّ الإسلامَ بِأحَبِّ هَذَينِ الرَّجُلَينِ إليكَ : بأبي جهلٍ أو بِعُمَرَ بنِ الخطَّابِ ” ، وكان أحبَّهُمَا إلى اللهِ عمر رضي الله عنه .

وفي الحلقة القادمة بإذن الله نعرف كيف كان إسلام الفاروق عمر وحمزة بن عبد المطلب رضي الله عنهما عِزًّا ونصرًا للإسلام والمسلمين .

ونختم بخير ختام وهو الصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه الكرام .

ندعوكم لقراءة : أعز الله الإسلام بحمزة وعمر رضي الله عنهما

زر الذهاب إلى الأعلى