سيرة الحبيب ﷺ

إسلام الفاروق رضي الله عنه 1

إسلام الفاروق رضي الله عنه 1 :

( ٤١ ) الحلقة الحادية والأربعين من سيرة الحبيب ﷺ :

تعالوا نبدأ بالصلاة والسلام على خير الأنام محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه الكرام .

تكلمنا في الحلقة الماضية عن إسلام حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه ، عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكيف صار إسلامه عِزًا ونصرًا للدين .

واليوم نتكلم عن قصة إسلام الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، ذلك الرجل الذي سيزلزل عروش ملوك الأرض في زمانه ، كسرى وقيصر وغيرهم ، وسيغير الله به التاريخ !

فمنذ أول لحظات إيمانه ، وحتى آخر أيام حياته ، كان عمر رضي الله عنه فاروقًا يُفَرِّق اللهُ به بين الحق والباطل ، وكان إسلامه رضي الله عنه في السنة السادسة من النبوة ، قيل أنه أسلم بعد حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه بثلاثة أيام ، وكان في السادسة والعشرين من عمره حين أسلم رضي الله عنه .

وإن قصة إسلامه رضي الله عنه لأعجب من قصة إسلام حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه !

لأن حمزة رضي الله عنه خلال السنوات الست التي سبقت إسلامه كان قد أخذ موقفًا محايدًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن تبعه من المؤمنين ، فلم يكن مناصرًا لهم ، وفي الوقت ذاته لم يناصبهم العداء .

أما عمر رضي الله عنه ، فقد كان قبل إسلامه مصدر قوة لقريش في عداوتها للإسلام والمسلمين ، فقد كان رضي الله عنه تاجرًا مشهورًا من أشراف قريش ، وكان مسموع الكلمة في قبيلته بني عدي وفي مكة كلها ، وكانت إليه السفارة في الجاهلية ( ومعنى ذلك أن قريشًا إذا وقعت فيما بينهم حرب ، أو بينهم وبين غيرهم ، بعثوه سفيرًا ، وإن فاخَرهم مفاخر رضوا به وبعثوه مفاخِرًا ) ، فلما بُعِث رسول الله صلى الله عليه وسلم كان شديدًا في عداوته له صلى الله عليه وسلم وللمسلمين .

يقول سيدنا عبدالله بن مسعود رضي الله عنه بشأن إسلام عمر رضي الله عنه :
” إن إسلام عمر كان فتحًا ، وإن هجرته كانت نصرًا ، وإن إمارته كانت رحمةً ، ولقد كنا ما نُصَلِّي عند الكعبة حتى أسلم عمر ، فلما أسلم قاتل قريشًا حتى صلى عند الكعبة ، وصلَّينا معه “.

فبعد إسلام الفاروق عمر استطاع الصحابة الجهر بإسلامهم دون خوف من قريش ، وذلك لهيبته رضي الله عنه وأرضاه .

فلما كان النبي صلى الله عليه وسلم يمشي فى طرقات مكة ويدعو الناس للإسلام ، كان عمر رضي الله عنه يمشي وراءه صلى الله عليه وسلم ليمنع عنه إيذاء قريش .

وقد كان من أوصاف عمر رضي الله عنه أنه كان مديد القامة ، قويًا ، عريضًا ، وكانت هيئته رضي الله عنه تُشعِر الناظر إليه بالرهبة والهيبة ، فكيف به لو أمسك أحدًا بيديه القويتين ! فلذلك ، كانت الناس تبتعد عن النبي صلى الله عليه وسلم عند رؤية عمر رضي الله عنه بجانبه صلى الله عليه وسلم .

ونتساءل كيف أسلم الفاروق عمر ؟؟؟

قيل إنَّ سبب إسلام الفاروق أنه خرج ذات ليلة إلى الكعبة يريد الطواف بها ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائمٌ يُصَلِّي ، فسمعه يقرأ القرآن ، فَرَقَّ له قلبُه ، وبكى ، ودخل الإسلام قلبَه ، فلما انصرف رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته ، تبعَه .
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ما جاء بكَ يا ابنَ الخطابِ هذه الساعة ؟
قال عمر : جئتُ لِأُومِنَ بالله وبرسولِه .
فحمِد رسولُ الله صلى الله عليه وسلم اللهَ ، ثم قال : ” قَد هَدَاكَ اللهُ يَا عُمَرُ! ” ، ثم مسحَ صدرَهُ ، ودعا له بالثَّبات .

فسبحان الله ! رغم هذه الشدة ، إلا أن عمر كان يخفي وراءها قبل إسلامه رقة قلَّما أن تجد مثلها .

وتحكي لنا الصحابية الجليلة ” ليلى بنت أبي حثمة ” ، زوجة عامر بن ربيعة رضي الله عنهما ، فتقول :
” والله إنا لنترحل إلى أرض الحبشة ، وقد ذهب عامر في بعض حاجاتنا ، إذ أقبل عمر بن الخطاب حتى وقف علي وهو على شركه – قالت : وكنا نلقى منه البلاء أذًى لنا وشدة علينا – قالت : فقال : إنه للانطلاق يا أم عبدالله ؟
قالت : فقلت : نعم والله ، لنخرجن في أرض الله ، آذيتمونا وقهرتمونا ، حتى يجعل الله مخرجا .
قالت : فقال : صحبكم الله ، ورأيت له رقة لم أكن أراها ، ثم انصرف وقد أحزنه – فيما أرى – خروجنا .
قالت : فجاء عامر بحاجته تلك ، فقلت له : يا أبا عبدالله ، لو رأيت عمر آنفا ورقته وحزنه علينا ! قال : أطمعتِ في إسلامه ؟ قالت : قلت : نعم ، قال : فلا يُسلِم الذي رأيتِ – يقصد عمر – حتى يُسلم حمار الخطاب! “.

قالها يأسًا لِما كان يرى من غلظته وقسوته على الإسلام ، ولكن : { إِنَّكَ لَا تَهۡدِی مَنۡ أَحۡبَبۡتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ یَهۡدِی مَن یَشَاۤءُۚ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِٱلۡمُهۡتَدِینَ }.

فاللهُ يهدي من يشاء ، حتى ولو كان الرجل أبعدهم عن الله .

وهذا درس للدُّعاة إلى الله عز وجل أن لا ييأسوا من إصلاح الناس ، مهما كان إعراضهم عن الدين ، لأن الله إذا أراد لعبد خيرًا هيئه له ، ووفقه له ، ويسَّر الأسباب إليه ، وهذا ما حدث مع عمر رضي الله عنه .

ومما قيل في إسلام الفاروق أيضًا أنه كان رضي الله عنه أبيَّ النفس ، قويًّا ، عزيزًا ، وكان من بين صفاته رضي الله عنه أيضًا الحسم وعدم التردد ، ولذا فقد قرر ذات يوم أن يخلص نفسه ، ويخلص مكة نور كلها ، ممن أحدث فيها هذه المشكلات ، فقرر أن يقوم بما فكر فيه كثير من مشركي قريش قبل ذلك ، لكنهم لم يفلحوا فيه ، فقرر أن يقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت قد حدثت قبل يومين إهانة شديدة لأبي جهل في مكة على يد حمزة رضي الله عنه ، الذي أصبح على دين محمد صلى الله عليه وسلم ، وكان أبا جهل خال عمر بن الخطاب .
فخرج من بيته مُتَوَشِّحًا سيفه قاصدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يبحث عنه لقتله ، وفي الطريق لقيه نُعَيم بن عبدالله رضي الله عنه ، وكان من المسلمين الذين أخفوا إسلامهم ، وكان أيضًا من قبيلة عمر رضي الله عنه ، من بني عدي ، وكان من السهل على نُعَيم أن يعرف الشر في ملامح وجه عمر ، فأوقفه نُعَيم رضي الله عنه ، وقال له : أين تريد يا عمر ؟
ولأن عمر رضي الله عنه كان صريحًا لا يكذب ولا ينافق ولا يُداهن ، لعدم حاجته إلى مثل هذه الصفات ، ولأنه لم يكن يعرف نبأ إسلام نُعَيم رضي الله عنه ، قال عمر : أريد محمدًا ، هذا الصَّابِئَ ( أي الذي ترك دين قريش ، ودخل في الإسلام ) ، الذي فرّق أمر قريش ، وسفّه أحلامها ، وعاب دِينَها ، وسبَّ آلِهَتَها ؛ فأقتُلُه .
وحين سمع نعيم رضي الله عنه ما قاله عمر ، أصابه الرعب والفزع ، فلم يتمالك نفسه في أن يكشف له عن سر خطير ؛ قاصدًا أن يُلهيه به عن قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكشف له عن إسلام فاطمة بنت الخطاب رضي الله عنها أخت عمر ، وعن إسلام زوجها سعيد بن زيد رضي الله عنه ( وهو من العشرة الذين بشرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة ) ، فقال نُعَيم رضي الله عنه مُهَدِّدًا : والله لقد غَرَّتْكَ نفسُك يا عمرُ ! أتَرَى بني عبدِ مَنَافٍ تاركيكَ تمشي على الأرض وقد قتلتَ محمدًا ؟! أفلا ترجع إلى أهل بيتك فَتُقيم أمرَهم ؟
فقال عمر رضي الله عنه مندهشًا : وأيُّ أهل بيتي ؟!
فقال نُعَيم رضي الله عنه : خَتَنُكَ ( أي زوج أختك ) ، وابن عمك سعيد بن زيد بن عمرو ، وأختك فاطمة بنت الخطاب ، فقد والله أسلما وتابعا محمدًا على دينه ، فعليك بهما .
فغضب عمر رضي الله عنه غضبًا شديدًا ، ونسي ما كان مُقدِمًا على فعله ، وهو قتل النبي صلى الله عليه وسلم ، وأسرع إلى بيت أخته رضي الله عنها .
وفي تلك الأثناء كان خبَّاب بن الأرَتّ رضي الله عنه يجلس مع سعيد بن زيد وزوجته في بيتهما يعلمهما القرآن الكريم ، ومعه صحيفة فيها بعض آيات من سورة طه ، يقرئهما إياها .
فلما وصل عمر إلى بيت أخته ، وقبل دخوله سمع همهمة وأصواتًا غريبة ، فأخذ يطرق الباب بعنف ، وينادي بصوته الجهوريّ أن افتحوا .
فيا تُرى ماذا حدث بعد ذلك ؟

سنعرف في الحلقة القادمة إن شاء الله .

وخير ختام هو الصلاة والسلام على خير الأنام وآله وصحبه الكرام .

ندعوكم لقراءة : إسلام الفاروق رضي الله عنه 2

زر الذهاب إلى الأعلى