نبينا محمد ﷺ

أمهات المؤمنين

أمهات المؤمنين :

قال الله تعالى :

” ٱلنَّبِىُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَأَزْوَٰجُهُۥٓ أُمَّهَٰتُهُمْ ۗ وَأُوْلُواْ ٱلْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍۢ فِى كِتَٰبِ ٱللَّهِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُهَٰجِرِينَ إِلَّآ أَن تَفْعَلُوٓاْ إِلَىٰٓ أَوْلِيَآئِكُم مَّعْرُوفًا ۚ كَانَ ذَٰلِكَ فِى ٱلْكِتَٰبِ مَسْطُورًا “. (الأحزاب : 6)

– التفسير الميسر :

النبي محمد صلى الله عليه وسلم أولى بالمؤمنين ، وأقرب لهم من أنفسهم في أمور الدين والدنيا ، وحرمة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم على أُمَّته كحرمة أمهاتهم ، فلا يجوز نكاح زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم من بعده .
وذوو القرابة من المسلمين بعضهم أحق بميراث بعض في حكم الله وشرعه من الإرث بالإيمان والهجرة ( وكان المسلمون في أول الإسلام يتوارثون بالهجرة والإيمان دون الرحم ، ثم نُسخ ذلك بآية المواريث ) إلا أن تفعلوا -أيها المسلمون- إلى غير الورثة معروفًا بالنصر والبر والصلة والإحسان والوصية ، كان هذا الحكم المذكور مقدَّرًا مكتوبًا في اللوح المحفوظ ، فيجب عليكم العمل به .. وفي الآية وجوب كون النبي صلى الله عليه وسلم أحبَّ إلى العبد من نفسه ، ووجوب كمال الانقياد له ، وفيها وجوب احترام أمهات المؤمنين ، زوجاته صلى الله عليه وسلم ، وأن من سبَّهن فقد باء بالخسران .

– أمهاتنا بالشعر :

ذكر الحافظ العراقي في ألفيته :

زوجاته اللاَّتي بهِن قد دخل … ثنتا أو إِحدى عشرة خُلْف نُقِل

خديجة الأولى تليها سودة … ثم تلي عائشة الصدّيقة

وقيل قبل سودة فحفصة … فزينب والدها خزيمة

فبعدها هند أي أم سلمة … فابنة جحش زينب المكرَمة

تلي ابنة الحارِث أي جويرية … فبعدَها ريحانة المَسبيّة

وقيل بل مِلك يمين فقط … لم يتزوجها وذاك أضبط

بنت أَبي سفيان وهي رملة … أم حبيبة تلي صفية

من بعدها ، فبعدها ميمونة … حِلًّا وكانت كاسمها ميمونة

وابن المثَنَّى (مَعْمَرٌ) قد أَدْخلا … في جملة اللاتي بهن دخلا

بنت شُرَيْح واسمها فاطمة … عرَّفها بأنها الواهِبَة

ولم أجد من جمع الصَّحابة … ذكرها ولا ب‍أُسد الغابة

عَلَّهَا الَّتِي اِسْتَعَإذَتْ مِنْهُ … وَهْيَ اِبْنَةُ الضحاك بانت عنه

وغير من بنى بها أو وهبت … إِلى النبي نفسها أو خطِبَت

ولم يقع تزوِيجها فالعِدَّةُ … نحو ثلاثين بِخُلْف أثبَتوا

– أسماء أمهات المؤمنين بالترتيب :

  • خديجة بنت خويلد رضي الله عنها .
  • سودة بنت زمعة رضي الله عنها .
  • عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنها .
  • حفصة بنت عمر رضي الله عنها .
  • زينب بنت خزيمة رضي اللّه عنها .
  • أم سلمة ( هند بنت أبي أمية ) رضي اللّه عنها .
  • زينب بنت جحش رضي اللّه عنها .
  • جويرية بنت الحارث رضي اللّه عنها .
  • صفية بنت حيي رضي اللّه عنها .
  • أم حبيبة ( رملة بنت أبي سفيان ) رضي اللّه عنها .
  • ميمونة بنت الحارث رضي اللّه عنها .

– أم المؤمنين كُنية :

والكنية : ما يُجعَل علمًا على الشخص غير الاسم واللقب ، نحو أبو الحسن وأم المؤمنين ، وتكون مصدَّرة بلفظ أب أو أم أو ابن أو بنت أو أخ أو أخت أو عم أو عمة أو خال أو خالة ، وتُستعمل مع الاسم واللقب أو بدونها تفخيمًا لشأن صاحبها أن يُذكر اسمه مجردًا . (المعجم الوجيز)

وهو كنية ومصطلح إسلامي يُطلق على زوجات الرسول محمد صلى الله عليه وسلم .

وقد وردت هذه الكنية في سورة الأحزاب في القرآن :

” النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا “. (الآية 6)

ويستدل أهل العلم بأن لأمهات المؤمنين فضلًا ومزية عن بقية النساء بنص آية من سورة الأحزاب في القرآن :

” يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا “. (الآية 32)

– القرشيات والعربيات :

والمتَّفق عليه من زوجاته صلى الله عليه وسلم ، إحدى عشرة ، القرشيات منهن ست ، هن : خديجة بنت خويلد ، وسودة بنت زمعة ، وعائشة بنت أبي بكر ، وحفصة بنت عمر بن الخطاب ، وأم سلمة ، وأم حبيبة بنت أبي سفيان ، والعربيات من غير قريش أربع ، هن : زينب بنت جحش ، وجويرية بنت الحارث ، وزينب بنت خزيمة ، وميمونة بنت الحارث .. وواحدة من غير العرب وهي : صفية بنت حيي من بني إسرائيل .

وتبقى مارية القبطية ( وهي ليست زوجة ) وهي من مصر .

وتوفِّيت اثنتان من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم حال حياته ، وهما خديجة بنت خويلد وزينب بنت خزيمة ، وتُوفي هو -صلى الله عليه وسلم- عن تسع نسوة .

– تكريم أمهات المؤمنين :

كَرَّم الله نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم تكريمًا عظيمًا في الدنيا ؛ وذلك بأن جعل من زوجاته قدوةً للنساء المسلمات ، ورفع مكانتهن فجعلهن أمهات المؤمنين جميعًا ( سابقًا ولاحقًا ) ، قال الملك جل في عليائه : ” النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ۖ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ” ، فأشارت الآية إلى وجوب توقير زوجات النبي صلى الله عليه وسلم إذ وضعهن الله بمنزلة الأمهات .

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الآية : إنّها أفادت تحريم نكاح أيٍّ من زوجات النبيّ صلى الله عليه وسلم بعد وفاته أيضًا .

ولقد كرّم الله تعالى زوجات النبيّ صلى الله عليه وسلم كذلك حين رفع منزلتهنّ في الجنّة ، قال ابن كثير : جُعلت منازل أمّهات المؤمنين في أعلى عليين ، فوق منازل الخَلق أجمعين ، حيث الوسيلة ؛ وهي أقرب المنازل من العرش في الجنّة .

وقد تجلى فضل أمهات المؤمنين رضي الله عنهن عندما خيرهن الله بين البقاء على عصمة النبي صلى الله عليه وسلم رغم ضيق العيش وصعوبة الحال وبين السراح الجميل -الطلاق- ؛ الذي يحصلن به على بعض المال ، فاخترن جميعًا البقاء مع الحبيب المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه حتى في أصعب ظروفه ، فذكر الله هذا الموقف العظيم منهن بقرآن يُتلى إلى قيام الساعة ، فقال تعالى :

” يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا “. (الأحزاب : 28-29)

وكذلك زاد الله لهن الأجر في طاعة النبي صلى الله عليه وسلم فقال تعالى : ” وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ “.

وهناك شكلٌ آخر لتفضيل الله تعالى لزوجات نبيه على سواهنّ من نساء المؤمنين ، وهو اختيارهنّ ليتنزّل القرآن الكريم في بيوتهنّ على النبيّ ، ولم ينزل في بيت أحدٍ سواهنّ قطّ ، فكان هذا من فضل الله عليهنّ .

ندعوكم لقراءة : أمنا الكبرى

– ذكرهن في القرآن :

تحدثت بعض الآيات عن نساء النبي صلى الله عليه وسلم جميعًا في مواضع عدة ، منها قوله تعالى : ” يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا * يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا “. (الأحزاب : 28-30)

وفي السورة نفسها ( آية 32 ) : ” يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا “.

أما الآيات التي تحدثت عن موقف معين أو حادثة معينة خاصة بزوجة من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم على حدة ، فهي كالتالي:

1- أم المؤمنين السيدة خديجة رضي الله عنها :

ورد الحديث عنها في أكثر من موضع ليس باسمها صراحة ، مثل قوله تعالى في سورة الضحى : ” وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَىٰ ” (الضحى : 8) ، جاء في تفسير القرطبي لهذه الآية الكريمة : أي فقيرًا لا مال لك ، فأغنى أي فأغناك بخديجة رضي الله عنها .

فالمقصود في هذه الآية السيدة خديجة رضي الله عنها ، حيث كانت غنية اليد والنفس ، فهي وُلدت لأبوين كليهما من أعرق الأسر في الجزيرة العربية ، فقد اجتمع لها مع النبل مكانة الثروة الوافرة .

2- أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها :

ورد الحديث عنها في القرآن الكريم في حادثة الإفك ، لكن دون ذكر اسمها صراحة في الآيات من ( 11 إلى 20 ) من سورة النور :

” إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ۚ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ ۚ وَالَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11) ” …. إلى قوله تعالى ” إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ (20) “.

يقول ابن كثير في تفسيره : نزلت هذه الآيات العشر كلها في شأن ” عائشة ” أم المؤمنين رضي الله عنها حين رماها أهل الإفك والبهتان من المنافقين بما قالوه من الكذب البحت والفرية التي غار الله تعالى لها ولنبيه صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل براءتها صيانة لعرض الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام ، فقال : { إن الذين جاءوا بالإفك عصبة } أي : جماعة منكم ، يعني : ما هو واحد ولا اثنان بل جماعة ، فكان المقدم في هذه اللعنة عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين ، فإنه كان يجمعه ويستوشيه ، حتى دخل ذلك في أذهان بعض المسلمين ، فتكلموا به ، وجوزه آخرون منهم ، وبقي الأمر كذلك قريبًا من شهر ، حتى نزل القرآن ، وسياق ذلك في الأحاديث الصحيحة .

3- أم المؤمنين السيدة حفصة رضي الله عنها :

ورد الحديث عنها في سورة التحريم ( آية 3 ) :

” وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَىٰ بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ ۖ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَٰذَا ۖ قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ “.

جاء في تفسير السعدي لهذه الآية الكريمة قوله : { وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا } قال كثير من المفسرين : هي حفصة أم المؤمنين -رضي الله عنها- ، حيث أسرَّ لها النبي صلى الله عليه وسلم حديثًا ، وأمر أن لا تخبر به أحدًا ، فحدثت به عائشة رضي الله عنهما ، وأخبره الله بذلك الخبر الذي أذاعته ، فَعَرَّفَها صلى الله عليه وسلم ، ببعض ما قالت ، وأعرض عن بعضه ، كرمًا منه وحلمًا صلى الله عليه وسلم ، فـ { قَالَتِ } له : { مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا } الخبر الذي لم يخرج منا ؟ { قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ } الذي لا تخفى عليه خافية ، يعلم السر وأخفى .

4- أم المؤمنين السيدة أم حبيبة رضي الله عنها :

ورد ذكرها في سورة الممتحنة ( آية 7 ) :

” عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً ۚ وَاللَّهُ قَدِيرٌ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ “.

قال مقاتل بن حيان : ( إن هذه الآية نزلت في أبي سفيان صخر بن حرب ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ابنته ؛ فكانت هذه مودة ما بينه وبينه ) ، وفقًا لما ذكره ابن كثير في تفسيره .

5- أم المؤمنين السيدة زينب بنت جحش رضي الله عنها :

ورد ذكرها في الآية الكريمة رقم ( 37 ) من سورة الأحزاب :

” وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ۖ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا “.

وكان سبب نزول هذه الآية ، أن اللّه تعالى أراد أن يشرع شرعًا عامًا للمؤمنين ، أن الأدعياء ليسوا في حكم الأبناء حقيقة ، من جميع الوجوه وأن أزواجهم ، لا جناح على من تبناهم ، في نكاحهن ، وكان هذا من الأمور المعتادة ، التي لا تكاد تزول إلا بحادث كبير ، فأراد أن يكون هذا الشرع قولًا من رسوله ، وفعلًا ، وإذا أراد اللّه أمرًا ، جعل له سببًا ، وكان زيد بن حارثة يدعى ” زيد بن محمد ” قد تبناه النبي صلى اللّه عليه وسلم ، فصار يُدعَى إليه حتى نزل : { ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ ْ} فقيل له : ” زيد بن حارثة ” ، وفقًا لما جاء في تفسير السعدي .
وعندما طَلَّق ” زيد بن حارثة ” السيدة زينب بنت جحش ، تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم .

– إيذاء رسول الله في أزواجه :

رسولنا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم يؤذيه كل ما يمكن أن يسيء إلى أزواجه من قولٍ أو عملٍ إلى الحد الذي أمر الله عز وجل به المؤمنين ألا يخاطبوهن إلا من وراء حجاب ، فقال عز من قائل :
” وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ ” (الأحزاب : 35) .. بالطعن بهن أو سبهن أو وصفهن بما لا يليق !

والله سبحانه وتعالى يقول بعد تلك الآية بقليل :
” يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا “. (الأحزاب : 59)

ثم قال تعالى بعدها مباشرة :
” لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا “. (الأحزاب : 60)
إشارة إلى ما كان يشيعه أولئك عن زواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم بزينب رضي الله عنها ، وقد كانت زوجةً لمتبناه زيد ، وقد مَرَّ ذكر ذلك في السورة نفسها في الآية الـ ( 73 ).
فجعل الكلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أزواجه من شيمة المنافقين وأمثالهم .

فحذار ثم حذار أن نكون أمثالهم .

وبيَّن الله عز وجل في السورة نفسها أنه لن يُقبل عذر من طعن في أزواج نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ، تاركًا القرآن والسنة ، ومتبعًا قول السادة والكبراء .

لقد كان سلفنا الصالح منذ عهد الصحابة رضوان الله عليهم إلى عصرنا هذا يضعون أمهات المؤمنين في مكانة عالية ، ولا يسمحون لأي مبغض حاقد أن يطعن فيهن أو في واحدة منهن ؛ لأنهن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة ، وأمهات للمؤمنين ، وتوقيرهن والأدب معهن دينٌ يُدانُ به ، وقُرْبَى يُتقرب بها إلى الله تعالى ، وهو صورة ومظهر من مظاهر حبنا وتوقيرنا لنبينا صلى الله عليه وسلم ، قال الله تعالى : ” النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ “. (الأحزاب : 6)

ومن ثمَّ فالوقيعة فيهن أو في واحدة منهن من أعظم الإيذاء له صلى الله عليه وسلم ، لاسيما منَ طعن بالفاحشة والإفك في أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها .

قال أبو بكر الباقلاني:
( ويجب أن يُعْلم أن خير الأمة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأفضل الصحابة العشرة الخلفاء الراشدون الأربعة رضى الله عن الجميع وأرضاهم ، ونقر بفضل أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكذلك نعترف بفضل أزواجه رضي الله عنهن ، وأنهن أمهات المؤمنين ، كما وصفهن الله تعالى ورسوله ، ونقول في الجميع : خيرًا ، ونُبَدِّع ، ونُضَلِّل ، ونُفَسِّق من طعن فيهن أو في واحدة منهن ، لنصوص الكتاب والسنة في فضلهم ومدحهم والثناء عليهم ، فمن ذكر خلاف ذلك كان فاسقًا مخالفًا للكتاب والسنة نعوذ بالله من ذلك ).

وقال ابن قدامة :
( ومن السُّنة الترضِّي عن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمَّهات المؤمنين المطهَّرات المبرَّآت من كلِّ سوء ، أفضلهنَّ خديجة بنت خويلد وعائشة الصدِّيقة بنت الصديق التي برَّأها الله في كتابه ، زوج النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة ، فمَن قذفَها بما برأها الله منه فقد كفَر بالله العظيم ).

رضي الله عن أمهاتنا أمهات المؤمنين وأرضاهن أجمعين ..
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى