أغلى واو جماعة :
” جنات عدن يدخلونها “.
فَسَّر القرآن الكريم علماء كُثُر ، منهم قدامى ومنهم محدثون ، بذلوا غاية جهدهم ، فجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين كل خير .
ويعطي الإمام الغوطي -رحمه الله- في مقدمة تفسيره إشارة إلى أنه بذل أقصى ما يستطيع ، حسب حصيلته العلمية ، وحسب إدراكه لواقع الحياة بين الناس .
ويواصل بقوله : ولعل الله عز وجل يخرج للناس في مستقبل الحياة من يجعلهم يكملون ويكتشفون ما خفي على السابقين .
وهذا صحيح يا مولانا -جزاك الله عنا خيرًا- ، إنها إشارة ذكية وواقعية من عالم جليل متواضع ، استشف ببصيرته أن القرآن الكريم له عطاءات متجددة إلى يوم القيامة ؛ فلا تنقضي عجائبه ؛ فهو كلام الملك جل في علاه .
- يقول الله تعالى في كتابه العزيز :
” ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ۖ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ “. (فاطر : 32)
قال أهل التفسير :
«ثم أورثنا» أعطينا «الكتاب» القرآن «الذين اصطفينا من عبادنا» وهم أمتك «فمنهم ظالم لنفسه» بالتقصير في العمل به «ومنهم مقتصد» يعمل به أغلب الأوقات ، «ومنهم سابق بالخيرات» يضم إلى العلم التعليم والإرشاد إلى العمل «بإذن الله» بإرادته «ذلك» أي إيراثهم الكتاب «هو الفضل الكبير» .
( تفسير الجلالين ).
وفي تفسير آخر :
ثم أعطينا -بعد هلاك الأمم- القرآن مَن اخترناهم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم : فمنهم ظالم لنفسه بفعل بعض المعاصي ، ومنهم مقتصد ، وهو المؤدي للواجبات المجتنب للمحرمات ، ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ، أي مسارع مجتهد في الأعمال الصالحة ، فَرْضِها ونفلها ، ذلك الإعطاء للكتاب واصطفاء هذه الأمة هو الفضل الكبير .
( التفسير الميسر ).
– جنات عدن يدخلونها :
- والآية التالية ، يقول رب العزة سبحانه وتعالى :
” جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا ۖ وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ “. (سورة فاطر : 33)
- وعن هذه الآية الكريمة يقول العلامة عبد الرحمن السعدي في تفسيره :
ثم ذكر جزاء الذين أورثهم كتابه فقال : جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا أي : جنات مشتملات على الأشجار ، والظل ، والظليل ، والحدائق الحسنة ، والأنهار المتدفقة ، والقصور العالية ، والمنازل المزخرفة ، في أبد لا يزول ، وعيش لا ينفد .
والعدن ( الإقامة ) فجنات عدن ؛ أي : جنات إقامة ، أضافها للإقامة ؛ لأن الإقامة والخلود وصفها ووصف أهلها .
يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وهو الحلي الذي يجعل في اليدين ، على ما يحبون ، ويرون أنه أحسن من غيره ، الرجال والنساء في الحلية في الجنة سواء .
و يحلون فيها لُؤْلُؤًا ينظم في ثيابهم وأجسادهم .
وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ من سندس ، ومن إستبرق أخضر .
- وهذا العلامة الشنقيطي صاحب [ أضواء البيان ] يقول عن :
” أغلى واو جماعة “.
ذُكِرَت في القرآن الكريم في قوله تعالى :
” ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ۖ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا … “.
بَيَّنَ أن المُصْطَفَين ثلاثة أقسام :
الأول :
الظالم لنفسه وهو الذي يطيع الله ، ولكنه يعصيه أيضًا !
والثاني :
المقتصد وهو الذي يطيع الله ، ولا يعصيه ، ولكنه لا يتقرب بالنوافل من الطاعات .
والثالث :
السابق بالخيرات وهو الذي يأتي بالواجبات ، ويجتنب المحرمات ، ويتقرب إلى الله بالطاعات والقربات التي هي غير واجبة .
ثم وعد الجميع بجنات عدن وهو لا يخلف الميعاد في قوله : ” جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا … “.
والواو في ( يدخلونها ) شاملة : للظالم والمقتصد والسابق على التحقيق .
ولذا قال بعض أهل العلم :
{ حق لهذه الواو أن تُكتب بماء العينين ؛ لأنه لم يبق من المسلمين أحد خارج عن الأقسام الثلاثة }.
– الإمام الشنقيطي :
هو محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي المدني .
ولد بموريتانيا عام 1325هـ حوالي 17 فبراير 1905م مدينة تنبه في موريتانيا ، حيث نشأ يتيمًا ، فكفله أخواله وأحسنوا تربيته ومعاملته ، فدرس في دارهم علوم القرآن الكريم والسيرة النبوية المباركة والأدب والتاريخ ، فكان ذلك البيت مدرسته الأولى .
اتصل بعدد من علماء بلده فأخذ عنهم ، ونال منهم الإجازات العلمية .
عُرف عنه الذكاء واللباقة والاجتهاد والهيبة .
اجتهد في طلب العلم فأصبح من علماء موريتانيا ، وتولى القضاء في بلده فكان موضع ثقة حكامها ومحكوميها .
وفي عام 1365هـ قدم إلى المملكة العربية السعودية لأداء فريضة الحج ، فأهدى الملك عبد العزيز آل سعود إليه الجنسية السعودية ، وقد تولى التدريس في دار العلوم بالمدينة المنورة عام 1369هـ ، ثم انتقل إلى الرياض عام 1371هـ للتدريس في المعهد العلمي ، وكليتي الشريعة واللغة العربية ، ثم عمل عضوًا في المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي ، وكان من أوائل المدرسين في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة سنة 1381هـ ، ثم عُيِّن عضوًا في مجلس الجامعة ، كما عُيِّن عضوًا في مجلس التأسيس لرابطة العالم الإسلامي ، وعضوًا في هيئة كبار العلماء 8 /7 /1391هـ .
تُوفي بمكة بعد أدائه لفريضة الحج في السابع عشر من ذي الحجة سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة وألف من الهجرة .
وصُلِّي عليه بالمسجد الحرام ، ودُفن بمقبرة المعلاة بمكة .
وصُلِّي عليه صلاة الغائب بالمسجد النبوي الشريف .
– من مؤلفاته :
- أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن .
- دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب .
- منع جواز المجاز في المنزل للتعبد والإعجاز .
- الأسماء والصفات نقلًا وعقلًا .
- ألفية في المنطق .
- آداب البحث والمناظرة .
- خالص الجمان في أنساب العرب .
- نظم في الفرائض .
- مذكرة أصول الفقه على روضة الناظر .
- رحلة خروجه إلى الحج .
- المعلقات العشر وأخبار شعرائها .
رحم الله الإمام محمد الأمين الشنقيطي رحمة واسعة .