أعز الله الإسلام بحمزة وعمر رضي الله عنهما

أعز الله الإسلام بحمزة وعمر رضي الله عنهما :

( ٤٣ ) الحلقة الثالثة والأربعين من سيرة الحبيب ﷺ :

تعالوا نبدأ الكلام بالصلاة والسلام على خير الأنام وآله وصحبه الكرام .

تكلمنا في الحلقات الماضية عن إسلام حمزة بن عبد المطلب وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما ، وسنعرف اليوم كيف كان إسلامهما عِزًّا للدين ونصرًا للمؤمنين .

لقد تغير مسار الدعوة الإسلامية بكاملها بعد إيمان حمزة وعمر رضي الله عنهما !

فكما بدأ حمزة رضي الله عنه إسلامه عظيمًا ، فإن عمر رضي الله عنه أيضًا كان عظيمًا منذ أسلم ، وكان فقيهًا ، حازمًا ، واضحًا ، صريحًا ، مُضَحِّيًا .

فمنذ أن أعلن إسلامه أخذ يفكر كيف يخدم هذا الدين ، وما هو الأنفع والأصلح للدعوة .

ويُروى أن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم هو أول من سمَّاه بـ ” الفاروق ” ، لأنه لما أسلم قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ألسنا على الحق إن متنا وإن حيينا ؟ فقال : « بلى، والذي نفسي بيده إنكم على الحق وإن متم وإن حييتم » ، قال : فقلت : فَفِيمَ الاختفاء ؟ والذي بعثك بالحق لنَخرُجَنّ ، فخرج المسلمون في صَفَّينِ ، عمر رضي الله عنه يتقدم أحدهما ، ولم يكن آمن إلا منذ قليل ، ويتقدم حمزة رضي الله عنه الصف الآخر .
ومن دار الأرقم إلى المسجد الحرام ، حيث أكبر تجمع لقريش ، سارت الكتيبة العسكرية الإسلامية المؤمنة .
ومن بعيدٍ نظرت قريش إلى عمر وإلى حمزة وهم يتقدمان المسلمين ، فَعَلتْ وجوه الكفار كآبة شديدة .

وبدأ المسلمون في مكة يجهرون بدينهم أمام كل الناس في مكة ، وفي وَضَح النهار ، وكان هذا نصرًا كبيرًا للإسلام والمسلمين .

وكان عمر رضي الله عنه شجاعًا لا يخشى إلا الله ، ولذلك فقد أراد أن يُعلِم ألَدّ أعداء الإسلام خبر إسلامه ، فنظر عمر بن الخطاب رضي الله عنه في المسجد الحرام فلم يجد عدو الله أبا جهل ، فقرر حينها أن يذهب إليه في بيته ويخبره بنفسه عن أمر إسلامه .
فأتى بيت أبا جهل ودقَّ عليه بابه ، فخرج إليه وقال : مرحبًا وأهلًا يا ابن أختي ، ما جاء بك ؟!
فقال له عمر رضي الله عنه في تَحَدٍّ واضح : جئتُ لأخبرك أني قد آمنت بالله وبرسوله محمد ، وصدقت بما جاء به .
فأغلق أبو جهل الباب في وجه عمر رضي الله عنه ، وقال : قبَّحك الله وقبَّح ما جئت به !
ففرح عمر فرحًا شديدًا ؛ لأنه غاظ أبا جهل ، ذلك الذي كان صاحبه منذ قليل ، لكن الإسلام نقله نقلة هائلة !

لكن عمر رضي الله عنه كان يريد أن يُعلِم كل مشركي مكة خبر إسلامه ، فذهب إلى جميل بن معمر الجُمَحِيِّ الذي كان أنقل قريش للحديث ، لا يسمع حديثًا إلا حدَّث الناس جميعًا به ، فذهب إليه عمر رضي الله عنه وقال له : يا جميل ، لقد أسلمتُ .
فنادى جميل فور سماعه الخبر بأعلى صوته قائلًا : إن ابن الخطاب قد صبأ .
فردَّ عليه عمر وقال : كذبتَ ، ولكني قد أسلمتُ .
وعرَفَت مكة كلها بإسلام عمر ، وكان هذا عين ما أراده ، وبعد ذلك اجتمع القوم من أطراف مكة ، وقد أقبلوا على عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأخذوا يضربونه ويضربهم .

وكأن الله تعالى أراد أن يُعلِّم عمر رضي الله عنه طريق الدعوة من أول يوم أسلم فيه ، فقد تعرَّض عمر رضي الله عنه للضرب في سبيل الله ، وكذلك كان حال كل من حمل همّ الدعوة إلى الله تعالى : ” أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ اللهِ غَالِيَةٌ ، أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ اللهِ الْجَنَّةُ “.

ومع أن عمر رضي الله عنه ضُرِب من أول يوم ، إلا أن هذا كان رد فعل استثنائي نتيجة المفاجأة بإسلامه .

ولقد كان إسلام حمزة وعمر رضي الله عنهما دفعًا كبيرًا للدعوة الإسلامية ، فقد كانت مكة تهاب عمر رضي الله عنه وتخشاه ، ويؤكد هذا كلام صهيب الرومي رضي الله عنه حين قال : { لما أسلم عمر ظهر الإسلام ، ودُعِي إليه علانية ، وجلسنا حول البيت حلقًا ، وطُفنا بالبيت ، وانتصفنا ممن غلظ علينا ، ورددنا عليه بعض ما يأتي به }.
وقال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أيضًا : { ما زلنا أعِزَّة منذ أسلم عمر }.

ومع أن حال المسلمين قد تحسَّن عن ذي قبل ، وأصبح المسلمون يُظهِرون عبادتهم وشرائعهم في مكة ، إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يُعلِن الحرب على قريش ، وكانت الأصنام ما زالت منتشرة في مكة ، بل في الكعبة ، وما زالت الرايات الحمر للعاهرات مرفوعة ، وما زالت الخمور تُسقَى ، وما زال المشركون يعبدون إلهًا غير الله ، لكن لم يكن القتال قد فُرِض بعدُ على المسلمين .

فكيف ستتطور المواجهات بين المسلمين والمشركين بعد أن عزَّ الإسلام بحمزة وعمر رضي الله عنهما ؟

سنعرف ذلك في الحلقة القادمة إن شاء الله.

ونختم بالصلاة والسلام على رسولنا الأمين وآله وصحبه الكرام .

ندعوكم لقراءة : تفاوض قريش مع الرسول ﷺ لصرفه عن دعوته 1

Exit mobile version