ديننا الإسلام

أعداء الإنسان

أعداء بني آدم كثيرون في كل زمان ، وفي كل مكان ، وأهم أعداء الإنسان : النفس والدنيا والهوى والشيطان .

فاحذروها جميعًا وكونوا في معية الرحمن ؛ لتبتعدوا عن النيران ، وتدخلوا الجنان ، وتنعموا بصحبة النبي العدنان .

واعلم يا عبد الله يا مسلم أن الإنسان في هذه الدنيا في صراع دائم ومعاناة وابتلاء ، وصراعه الحقيقي مع أربعة أعداء ، كما يقول العلماء : فأولهم الشيطان الرجيم ، الذي تتمثل وظيفته الرئيسية في الحياة في إضلال الإنسان بأساليبه المختلفة ، ثم تأتي بعد ذلك الدنيا وما فيها من البلايا التي قد تضل الكثير ، ثم النفس التي بين جنبيه ، وهي النفس الأمّارة بالسوء والتي لا تدل على خير أبدًا ، ورابع أعداء الإنسان الهوى ، وما أدراك ما الهوى !

يقول ربنا عز وجل : ” ياأَيُّهَا الإنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ “. (الانشقاق : 6)

ويقول عز وجل : ” لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ “. (البلد : 4) ، أي : تعب ، ونكد ، ومعاناة .

وهذا الصراع هو مقتضى الابتلاء الذي يمحص الله به بين المؤمنين والمنافقين ، وبين الصادقين والكاذبين .

فينبغي على المؤمن الصادق القوي أن يواجه ويثبت ويصبر ويرابط ، حتى تأتي ساعة النصر وهي ساعة دخول الجنة بإذن رب العالمين .

نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من المنتصرين فيها .

يقول ربنا عز وجل :

” فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَاز ” (آل عمران : 185) ، هذا هو الفوز ، وهذا هو النصر .

– أعداء الإنسان كُثُر :

يقول الشيخ سعيد بن مسفر :

{ فهذه المعارك الضارية والصراعات الطاحنة تدور في عدة جبهات مع النفس والإنسان ؛ ولكن أبرز هذه المعارك تدور مع أربعة أعداء ، جاء خبرهم في كتاب الله عز وجل ، وإلا فالأعداء كثيرون ؛ لكنهم يندرجون في النهاية تحت هؤلاء الأعداء الأربعة :
الشيطان ، والنفس ، والدنيا ، والهوى }.

– نفسك أعدى أعدائك :

يقول الدكتور علي جمعة عبر صفحته الرسمية على فيس بوك :

{ إن هذه أعداء لبني آدم ؛ لأنها تحاول أن تصده عن سبيل الله ، وتحاول أن تجذبه إليها ، مشيرًا إلى أن هذه الأربعة تحاول أن تجعله يخرج عن الصراط المستقيم ، وعن الطريق القويم ، الذي هو أقصر طريق يصل به العابد إلى ربه .

وأكد أن الأمور الأربعة تعكر على الإنسان صفو توجهه إلى الله -سبحانه وتعالى- وأن أشد هذه الأعداء هي ” النفس ” ؛ لأن الدنيا قد تكون وقد لا تكون ، والشيطان يذهب ويجيئ ، والهوى يأتي ويذهب ، ولكن النفس هي التى تصاحب الإنسان من الإدراك إلى الممات ، لافتًا إلى أننا نستطيع أن نميز سعيها ، وحجابها ، وشهوتها ، عن باقى هذه الأعداء بالعود والتكرار ، وهذا معنى قولهم -وهي قاعدة أيضًا- : ( نفسك أعدى أعدائك ).

وتساءل : كيف نميّز بين وسوسة الشيطان ودعوة النفس ؟

قال العلماء : إن وسوسة الشيطان لا تدوم ، ولا تعود ، ولا تتكرر ، ويحاول أن يوسوس في صدور الناس ، فإذا لم يستجب الإنسان لهذه الوسوسة ، وقاومها ، وانشغل عنها فإنه لا يعود إليها مرة ثانية ، ويذهب ليوسوس له فى شىء آخر .

وألمح إلى أن الإنسان إذا وجد من نفسه دعوة بالكسل عن الصلاة ، أو عن الذكر ، أو دعوة تدعوه إلى شيء مكروه أو محرم ، ثم لم يجد في نفسه ذلك بعد هذا فإن ذلك من وسواس الشيطان ، ” مِن شَرِّ الوَسْوَاسِ الخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ ” فهذه أذية الشيطان .

وأكد أن الشيطان ضعيف ، ولا سلطان له علي بني آدم ، والله -سبحانه وتعالى- أوكله ولكنه أضعفه ، وأبقاه ولكنه خذله ، لافتًا إلى أننا نستطيع أن نتقى شر الشيطان من أقرب طريق وبأبسط وسيلة ؛ فالأذان يُذهب الشيطان ، والذكر يُذهب الشيطان ، وقراءة خواتيم سورة البقرة تُذهب الشيطان وتحصِّن المكان ، ونقرأ آية الكرسى فإذ بنا نحتمى بها من الشيطان ، ونذكر أذكار الصباح والمساء فإذ بنا نحصِّن أنفسنا من الشيطان .

وأوضح أن الشيطان يُرد من أقرب طريق وبأبسط طريقة وحياة الإنسان مع الذكر ، ومع القرآن ، ومع العبادة ، ومع الطهارة ، ومع الأذان ، ومع الصلاة ، ومع الصيام تجعل الشيطان يفر ويذهب .

وأفاد بأن المشكلة هي مشكلة النفس ، لأن النفس تحتاج إلى تربية والنفس تعيد على الإنسان دعوته إلى التقصير ، ودعوته إلى الحرام ، ودعوته إلى المكروه مرة بعد أخرى ، مؤكدًا أن الإنسان إذا قاوم نفسه في في أول مرة عادت تلح عليه في المرة الثانية .

واستطرد المفتي السابق أن هذه هى النفس الأمَّارة ، ولذلك استعملوا معها صيغة المبالغة ، فهي ” أمَّارة ” على وزن ” فَعَّالة ” ، وأن صيغة المبالغة فيها تكرار ، وعود ، ومبالغة ، وفعل كثير ، فالنفس لا تأمر مرة ثم تسكت ، بل إنها تلح مرة بعد مرة .

واسترسل : أما إذا ما وجدت إلحاحًا على شىء لفعل القبيح الذى أعرف أنه قبيح ، والذي أعرف أن فيه تقصيرًا ، أو فيه ذنبًا ، ومعصيةً ، فعلىَّ أن أعرف أن ذلك من نفسى ، وأنه ينبغى عليَّ أن أربيها .

واستكمل أن النفس الأمارة بالسوء هي أصل النفوس ، عموم الناس تأمرهم نفوسهم بالسوء ، فإذا ما ارتقينا إلى ما بعدها أي إلى : النفس اللوامة ، وجدنا هناك نزاعًا بين الإنسان وبين نفسه ، مرة تأمره بالمنكر ، فيحاول أن لا يستجيب ، ومرة يستجيب ثم يتوب ويرجع ، ويدخل في منازعة ، وفي أخذ ورد معها ، إلى أن تستقر على النفس الملهمة ، وهى الدرجة الثالثة من درجات النفس .

وذكر أن بعض العلماء قال : إن هذا بداية الفناء ، وأن النفوس ثلاثة : أمارة ، ولوامة ، وملهمة ، وبعضهم قال : إننا لا نكتفى ببداية الكمال ، بل علينا أن نترقى فوق ذلك إلى أن نصل إلى : الراضية ، والمرضية ، والمطمئنة ، والكاملة .

واختتم الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بيانه ، بأن : هذه المراحل تبدأ في عموم الناس ، مسلمهم وكافرهم ، تبدأ بالنفس الأمارة بالسوء ، إلا أن هذه النفس الأمارة عندها استعداد لأن تتحول إلى نفس لوامة ، وهذه النفس اللوامة لديها استعداد لأن تتحول إلى النفس الملهمة ، فالاستعداد موجود ، ولكن الشائع هو أن نفس الإنسان من قبيل النفس الأمارة بالسوء }.

– سؤال وجواب :

سأل أحدهم : حين رفض إبليس السجود لآدم ، لم يكن هناك شيطان ، فمن وسوس له ؟

والشيطان نفسه عندما عصى الله ، من كان شيطانه ؟!

اقرأوا هذه السطور لتعرفوا أن كلمة ” نفس ” كلمة في منتهى الخطورة ، وقد ذُكرت في القرآن الكريم في آيات كثيرة ، يقول الله تبارك وتعالى في سورة ( ق ) : ” وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ “.

نحن نؤمن بالله عز وجل ، ونذكره ونصلي في المسجد ونقرأ القرآن ، ونتصدق ، و ….. و…… إلخ .
وبالرغم من ذلك فما زلنا نقع فى المعاصي والذنوب .
لماذا ؟

السبب في ذلك هو أننا تركنا العدو الحقيقي وذهبنا إلى عدو ضعيف ، يقول الله تعالى في مُحكم كتابُه العزيز : ” إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا “.

إنما العدو الحقيقي هو ( النفس ) نعم .. فالنفس هي القنبلة الموقوتة ، واللغم الموجود في داخل الإنسان ، يقول الله تبارك وتعالى في سورة ( الإسراء ) : ” اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَىٰ بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا “.
وقوله تبارك وتعالى في سورة ( غافر ) : ” الْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ “.
وقوله تبارك وتعالى في سورة ( المدثر ) : ” كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ “.
وقوله تبارك وتعالى في سورة ( النازعات ) : ” وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ “.
وقوله تبارك وتعالى في سورة ( التكوير ) : ” عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ “.

لاحظوا أن الآيات السابقة تدور كلها حول كلمة ( النفس ).

يقول العلماء : إن الآلِهة التي كانت تُعبد من دون الله ( اللات ، والعزى ، ومناة ، وغيرها ) ، كل هذه الأصنام هُدمت ماعدا إله مزيف مازال يُعبد من دون الله ، يقول الله تبارك وتعالى : ” أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ “.

ومعنى ذلك أن هوى النفس إذا تمكن من الإنسان فإنه لا يصغى لشرع ولا لوازع ديني ، لذلك تجده يفعل ما يريد .
ففي جريمة ( قتل قابيل لأخيه هابيل ) يقول الله تبارك وتعالى : ” فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ “.

إن السبب في المعاصي والذنوب إما من الشيطان ، وإما من النفس الأمارة بالسوء ، فالشيطان خطر ، ولكن النفس أخطر بكثير ؛ لذا فإن مدخل الشيطان على الإنسان هو النسيان فهو ينسيك الثواب والعقاب ومع ذلك تقع في المحظور ، قال الله عز وجل في محكم التنزيل : ” وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوء “.

ندعوكم لقراءة : العمل الصالح

– تقويم النفس :

  • لله در القائل :

صلاح أمرك للأخلاق مرجعه … فقَوِّم النفس بالأخلاق تستقمِ

  • والقائل :

حين يشتد الوجع ، ويتصاعد الألم ، ليس هناك علاج فوري وفاعل مثل وصفة الصبر والصلاة ؛ لتهدأ النفس وتعود إلى طبيعتها ، فقد قال الملك عز وجل : ” وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَـٰوةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى ٱلْخَـٰشِعِينَ “. (البقرة : 45)

  • ومن أجمل ما قرأت :

إن الذات السلبية في الإنسان هي التي تغضب وتأخذ بالثأر وتعاقب بينما الطبيعة الحقيقية للإنسان هي النقاء وسماحة النفس والصفاء والتسامح مع الآخرين .

  • قال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه :

” راحة الجسم في قلّة الطعام ، وراحة النفس في قلّة الآثام ، وراحة القلب في قلّة الاهتمام ، وراحة اللسان في قلّة الكلام “.

– أنواع النفْس :

تكلم ابن القيم -رحمه الله- عن أنواع النفْس ، وتكلَّم على كل نوع ، فبعد أن ذكَر صفَة النفس المُطمئنَّة وصِفة النفس اللَّوامة فقد ذكَر صفة النفس الأمارة بالسوء ، فقال -رحمه الله- : { وأما النفس الأمَّارة فهي المَذمومة ؛ فإنها التي تأمُر بكل سوء ، وهذا مِن طبيعتها ، إلا ما وفَّقها الله وثبَّتها وأعانها ، فما تخلَّص أحد مِن شرِّ نفسه إلا بتوفيق الله له ، كما قال تعالى -حاكيًا عن امرأة العزيز- : ” وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ ” (يوسف : 53) }.

وقال -رحمه الله- : { وقد امتحَن الله -سبحانه- الإنسان بهاتَين النَّفسَين الأمارة واللوَّامة ، كما أكرَمه بالمُطمئنَّة ، فهي نفْس واحدة ، تكون أمَّارةً ثمَّ لوامةً ثم مُطمئنَّة ، وهي غاية كَمالها وصلاحها ، وأيَّد المُطمئنَّة بجُنود عديدة ، فجعل المَلَك قرينَها وصاحبها الذي يَليها ويُسدِّدها ، ويقذف فيها الحقَّ ويُرغِّبها فيه ، ويُريها حسن صورته ، ويَزجُرها عن الباطل ، ويُزهِّدها فيه .

إلى أن قال : وأما النفْس الأمارة فجعل الشيطان قرينها وصاحبها الذي يليها ، فهو يَعِدُها ويمنِّيها ، ويَقذف فيها الباطل ، ويَأمُرها بالسوء ، ويُزيِّنه لها ، ويُطيل في الأمل ، ويُريها الباطل في صورةٍ تَقبَلها وتَستحسِنها ، ويمدُّها بأنواع الإمداد الباطل ؛ مِن الأمانيِّ الكاذِبة ، والشهوات المُهلِكة ، ويَستعين عليها بهَواها وإرادتها .

إلى أن قال -رحمه الله- : والمقصود التَّنبيه على بعض أحوال النفْس المطمئنَّة واللوَّامة والأمَّارة ، وما تَشترِك فيه النفوس الثلاثة ، وما يتميَّز به بعضها مِن بعض ، وأفعال كل واحدة منها ، واختِلافها ، ومَقاصدها ، ونياتها ، وفي ذلك تنبيه على ما وراءه ، وهي نفس واحدة ، تكون أمَّارة تارة ، ولوَّامة أُخرى ، ومطمئنَّة أخرى ، وأكثر الناس الغالب عليهم الأمَّارة .

وأما المطمئنَّة فهي أقل النُّفوس البشرية عددًا ، وأعظمها عند الله قدْرًا ، وهي التي يُقال لها : ” ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي ” (الفجر : 28-30) }.

– الدنيا ( من أعداء الإنسان ) :

لا أمان لهذه الدنيا الفانية التي لا تعطي الضمان لأي إنسان ، والتي تمر كلمح البصر ، فهي حياة خادعة تغر الإنسان ، وذلك بنشر جميع أسرارها أمام أعينكم .

لهذا فإن الله أوصى المؤمنين أن يحذروا الناس جميعًا وينذروهم وأن يطرحوا أمامهم هذه الحقائق .

كذلك فقد أمر الله جميع البشر ألا ينخدعوا بهذه الحياة الدنيا وأن يطيعوا أوامره ، وهو في هذه الآية يحذر الناس :

” يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ “. (فاطر : 5)

– الهوى ( من أعداء الإنسان ) :

الهوى : هو مَيل النفس إلى الشيء ، وميل الطبْع إلى ما يُلائمه ، وسُمِّي : هوى ؛ لأنه يَهوي بصاحبه .

والهوى كما قيل : يُعمي ويُصمُّ ، يُعمي عن النظر في الحق وإن كان مشهورًا ، ويُصمُّ عن سماعه وإن كان واضحًا ؛ لأن الهوى قد سيطر على آلة البصر والسمع ، وتجاهَل وجودهما وإدراكهما ، وأصبح الهوى هو المتصرِّف والمُسيطِر ، وأصبح صاحبه إنما يأتمر بهواه .

وصاحب الهوى يظلُّ يتخبَّط في مهاوي التِّيه والضَّلال ، لا يَعرف معروفًا ، ولا يُنكر منكرًا ، لا يُحقُّ حقًّا ، ولا يُبطل باطلاً ، إلا ما أُشرِب مِن هواه .

قال ابن كثير -رحمه الله- في قول الله تعالى : ” أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ “. (الجاثية : 23)
أي : إنما يأتمر بهواه ، فمَهما رآه حسنًا فعله ، ومهما رآه قبيحًا ترَكه ، ثم قال -تعالى- : ” وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً ” (الجاثية : 23) ، أي : فلا يَسمع ما ينفعه ، ولا يَعي شيئًا يَهتدي به ، ولا يرى حُجَّة يَستضيء بها ؛ ولهذا قال -تعالى- : ” فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ “. (الجاثية : 23)

وقد يَرجع اتِّباع الهوى إلى التكذيب والاستكبار والقتل بغير حق، فقد ذمَّ الله اليهود لاتِّباعهم لأهوائهم؛ قال – جل وعلا -: ” أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ “. (البقرة : 87)

وأخيرًا : فالهوى ما خالَط شيئًا إلا أفسده ، فعلى العبد أن يَحذَره كلَّ الحذَر؛ حتى لا يُفسِد عليه أعماله الصالِحة فتَضيع هباءً منثورًا .

– الشيطان ( من أعداء الإنسان ) :

قال الله تعالى : ” وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا “. (الإسراء : 61)

وقال عز من قائل : ” قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ “. (الأعراف : 12)

لذا فقد أمرنا الله -تعالى- بأن نتَّخذ الشيطان عدوًّا ؛ فقال سبحانه وتعالى : ” إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ “. (فاطر : 6)

وعداوة الشيطان لابن آدَم ظاهِرة ، ومَسالِكه في ذلك كثيرة ؛ قال تعالى إخبارًا عن إبليس : ” قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ “. (الأعراف : 16-17)

فالشيطان حريص كل الحرص على إغواء العباد وصدِّهم عن صراط الله المستقيم بكلِّ سبيل ؛ قال الله -تعالى- : ” يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا “. (النساء : 120) ، وقال -تعالى- : ” وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ ” (الأنفال : 48) ، وقال -تعالى- : ” كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ” (الحشر : 16) ؛ فالشيطان يَعد ويمنِّي ، فإذا وقع العبد في حبائله تخلَّى عنه وتبرَّأ منه .

– وصية تُكتب بماء الذهب :

من عمر بن عبد العزيز إلى الحسن البصري : اجمع لي فى إيجاز بين أمري الدنيا والآخرة في كتاب .

فكتب الحسن البصري :
{ إنما الدنيا حلم ، والآخرة يقظة ، والموت متوسط ، ونحن في أضغاث أحلام ، من حاسب نفسه ربح ، ومن غفل عنها خسر ، ومن نظر فى العواقب نجا ، ومن أطاع هواه ضل ، ومن حلم غنم ، ومن خاف سلم ، ومن اعتبر أبصر ، ومن أبصر فهم ، ومن فهم علم ، ومن علم عمل .. فإذا زللت فارجع ، وإذا ندمت فأقلع ، وإذا جهلت فاسأل ، وإذا غضبت فأمسك }.

– وختامًا :

يقول الشيخ عبد العزيز بن محمد العقيل :

والعبد لن يؤتى إلا مِن قِبَل نفسه ؛ ” فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ” (الزلزلة: 7-8) ، فعليه أن يَحتاط لنفسه ؛ بعمل الصالحات ، والبُعدِ عن الموبقات ، ويطَّرح بين يدَي مولاه ومالكه ، ويتضرَّع إليه بأن يوفِّقه لعمل الصالحات ، وأن يجنِّبه السيئات ، حتى يَفوز بخيرَي الدنيا والآخِرة ؛ يقول -جل وعلا- : ” إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ “. (الأنفال : 29)

وفي الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال :
” إنَّ الدُّنيا حُلوةٌ خضِرةٌ ، وإنَّ الله -تعالى- مستخلفكم فيها ، فينظر كيف تعملون ، فاتَّقوا الدُّنيا واتَّقوا النِّساء ؛ فإنَّ أوَّل فتنة بني إسرائيل كانت في النِّساء “. (رواه مسلم)

فالعبد في هذه الحياة أمامه فرصة للعمل ، والعمل يَحتاج إلى صيانته عن المؤثِّرات ، ولا بدَّ مِن مُحاسَبة النفس قبل الحساب ؛ يقول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- : ” حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا ، وزِنوا أنفسكم قبل أن توزَنوا “.

فعلى العبد أن يغتنم فرصة العمل ؛ فاليوم عمل ولا حساب ، وغدًا حساب ولا عمل .

اللهم وفِّقنا للعمل بما يُرضيك ، وجنِّبْنا مَساخِطك ومعاصيك ، واختم بالصالحات أعمالنا ، وتبْ علينا بمنِّك وفضلك ، وارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين ، وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين .

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى