نور على نور :
يقول الله تعالى في كتابه العزيز :
” اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ “. (سورة النور : 35)
الله نُور السماوات والأرض يدبر الأمر فيهما ويهدي أهلهما ، فهو -سبحانه- نُور ، وحجابه نُور ، به استنارت السماوات والأرض وما فيهما ، وكتاب الله وهدايته نُور منه سبحانه ، فلولا نوره تعالى لتراكمت الظلمات بعضها فوق بعض .
مثل نوره الذي يهدي إليه ، وهو الإيمان والقرآن في قلب المؤمن كمشكاة ؛ وهي الكُوَّة في الحائط غير النافذة ، فيها مصباح ، حيث تجمع الكوَّة نُور المصباح فلا يتفرق ، وذلك المصباح في زجاجة ، كأنها -لصفائها- كوكب مضيء كالدُّر ، يوقَد المصباح من زيت شجرة مباركة ، وهي شجرة الزيتون ، لا شرقية فقط ، فلا تصيبها الشمس آخر النهار ، ولا غربية فقط فلا تصيبها الشمس أول النهار ، بل هي متوسطة في مكان من الأرض لا إلى الشرق ولا إلى الغرب ، يكاد زيتها -لصفائه- يضيء من نفسه قبل أن تمسه النار ، فإذا مَسَّتْه النار أضاء إضاءة بليغة .
نُور على نُور
فهو نُور من إشراق الزيت على نُور من إشعال النار ، فذلك مثل الهدى يضيء في قلب المؤمن .
والله يهدي ويوفق لاتباع القرآن مَن يشاء ، ويضرب الأمثال للناس ؛ ليعقلوا عنه أمثاله وحكمه .
والله بكل شيء عليم ، لا يخفى عليه شيء .
( عن ” التفسير الميسر ” للقرآن الكريم ).
– القرآن نور :
قال الله الملك الحق في كتابه العزيز :
” إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا “. (الإسراء : 9)
القرآن الكريم هو أرقى نموذج في السلوك الإنساني ؛
لأنه ضبط صوتنا « واغضض من صوتك ».
وضبط مشيتنا « ولا تمش في الأرض مرحا ».
وضبط نظراتنا « ولا تمدن عينيك ».
وضبط سمعنا « ولا تجسسوا ».
وضبط طعامنا « وكلوا واشربوا ولا تسرفوا ».
وضبط ألفاظنا « وقولوا للناس حُسْنا ».
وضبط مجالسنا « ولا يغتب بعضكم بعضا ».
وضبط نفوسنا « لا يسخر قوم من قوم ».
وضبط أفكارنا « إن بعض الظن إثمٌ ».
وضبط تصريحاتنا « ولا تقف ما ليس لك به علم ».
وعلمنا العفو و التسامح « فمن عفا وأصلح فأجره على الله ».
فالقرآن كفيل أن يضبط حياتنا ويحقق حياة السعداء ؛ فالقرآن نور لحياتنا كلها .
« الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب ».
– على نور من الله :
: قال الإمام ابن القيم رحمه الله
قال طلق بن حبيب :
{ إذا وقعت الفتنة فأطفئوها :《 بالتقوى 》، قالوا : وما التقوى ؟
قال : أن تعمل بطاعة الله على نُورٍ من الله ؛ ترجو ثواب الله ، وأن تترك معصية الله على نُورٍ من الله ؛ تخاف عقابه }. (بدائع الفوائد)
– النبي محمد نور :
قال الملك جل في علاه :
” قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ “. (المائدة : 15)
– الدين نور :
وسُمِّيَ الدين نُورًا ، فقال تعالى : ” يرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ “. (الصف : 8)
النُور الظاهر هو الذي يتقوى به البصر على إدراك الأشياء الظاهرة ، والنُور الباطن أيضًا هو الذي تتقوى به البصيرة على إدراك الحقائق والمعقولات .
قال الله عز وجل : ” اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35) فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ ۗ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38) “. (من سورة النور)
– من أسمائه الحسنى :
” النور “
اسم من أسماء الله الحسنى ، ومعناه أنه نوَّر السماوات والأرض بنوره ، ونوَّر الأكوان بالشموس والأقمار والنجوم ، فاض نوره على مخلوقاته حِسًّا ومعنى .
وهو تبارك وتعالى نورٌ في ذاته ، بلا كيف ، ولا أين ، ظاهرٌ في ذاته بوجوده ، مُظهِرٌ لغيره بإيجاده ، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار .
سبحانه ، ولا يُقال لغيره : سبحان .
– خواص الاسم :
يقول الدكتور أحمد عبده عوض في موسوعة ( أسماء الله الحسنى ) : { هذا الاسم يختص بخواص عدة :
الأولى : أن النُور هو الذي أحيا قلوب العارفين بنور معرفته ، وأحيا نفوس العابدين بنور عبادته .
الثانية : أن النُور هو الذي نور العوالم فأوجدها من العدم ، وخصصها بتلك المواهب في حضرة القدم .
الثالثة : أن النُور هو الذي أنار عالم الأرواح برسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الأوائل والأواخر ، وأنار الوجود الظاهر بالشمس والكواكب .
الرابعة : إن النُور هو الذي ملأ الحياة بأنوار وأسرار فضله وكرمه ، وتجلى للوجود فملأه نورًا ويقينًا }.
– ظاهر الذي به كل ظهور :
ويعرف الغزالي النُور في حق الله بأنه ظاهر الذي به كل ظهور ، فإن الظاهر في نفسه المظهر لغيره يسمى نورًا ، ومهما قوبل الوجود بالعدم كان الظهور لا محالة للوجود ، ولا ظلام أظلم من العدم ، والمخرج كل الأشياء من ظلمة العدم إلى ظهور الوجود جدير بأن يسمى نورًا ، والوجود نُور فائض على الأشياء كلها من نُور ذاته ، فهو نور السماوات والأرض .
– الهادي الرشيد :
ويقول ابن عباس رضي الله عنه : ” النُور هو الهادي الرشيد الذي يرشد بهدايته من يشاء ، فيبين له الحق ويلهمه اتباعه “.
– سورة النور :
سورة النور هي السورة الرابعة والعشرون في ترتيب المصحف الشريف ، وعدد آياتها أربع وستون آية ، وهي سورة مدنية بالإجماع.
– تسميتها :
اسم هذه السورة ( النور ) ولم يثبت لها اسم غيره .
وسُميت بسورة ( النور ) ؛ لقوله تعالى فيها : ” اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ “. (النور : 35)
قال الشيخ أبو زهرة رحمه الله : { وإنها لو سميت سورة ( الأسرة ) لكانت جديرة بهذا الاسم }.
– النور في كل حروفها :
يقول الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله :
{ وإذا استقر أن موضوع المسمَّى ، أو المعنون له بسورة ( النور ) نجد النُور شائعًا في كل أعطافها -لا أقول آياتها ولا أقول كلماتها- ولكن النُور شائع في كل حروفها ، لماذا ؟ قالوا : لأن النُور من الألفاظ التي يدل عليها نطقها ، ويعرِّفها أكثر من أي تعريف آخر ، فالناس تعرف النُور بمجرد نطق هذه الكلمة ، والنُور لا يُعْرَف إلا بحقيقة ما يؤديه ، وهو ما تتضح به المرئيات ، وتتجلى به الكائنات ، فلولا هذا النُور ما كنا نرى شيئًا }.
ويقول رحمه الله :
{ وسورة النور جاءت لتحمل نُور المعنويات ، نُور القيم ، نُور التعامل ، نُور الأخلاق ، نُور الإدارة والتصرف ، وما دام أن الله تعالى وضع لنا هذا النُور فلا يصح للبشر أن يضعوا لأنفسهم قوانين أخرى ؛ لأنه كما قال سبحانه : ” ومن لم يجعل الله له نورًا فما له من نُور ” (النور : 40) ، فلو لم تكن هذه الشمس ما استطاع أحد أن يصنع لنفسه نورًا أبدًا }.
– النور في لسان العرب :
في أَسماء الله تعالى : النُّورُ ..
قال ابن الأَثير : هو الذي يُبْصِرُ بنوره ذو العَمَاية ويَرْشُدُ بهداه ذو الغَوايَةِ ، وقيل : هو الظاهرالذي به كل ظهور ، والظاهر في نفسه المُظْهِر لغيره يسمى نورًا .
قال أَبو منصور : والنُّور من صفات الله عز وجل ، قال الله عز وجل : الله نُورُ السموات والأَرض ؛ قيل في تفسيره : هادي أَهل السموات والأَرض ، وقيل : مَثل نوره كمشكاة فيها مصباح ؛ أَي مثل نور هداه في قلب المؤمن كمشكاة فيها مصباح .
والنُّورُ : الضياء .. والنور : ضد الظلمة . وفي المحكم : النُّور الضَّوْءُ ، أَيًّا كان ، وقيل : هو شعاعه وسطوعه ، والجمع أَنْوارٌ ونِيرانٌ ؛ عن ثعلب .
وقد نارَ نَوْرًا وأَنارَ واسْتَنارَ ونَوَّرَ ؛ الأَخيرة عن اللحياني ، بمعنى واحد ، أَي أَضاء ، كما يقال : بانَ الشيءُ وأَبانَ وبَيَّنَ وتَبَيَّنَ واسْتَبانَ بمعنى واحد . واسْتَنار به : اسْتَمَدَّ شُعاعَه .. ونَوَّرَ الصبحُ : ظهر نُورُه ؛ قال : وحَتَّى يَبِيتَ القومُ في الصَّيفِ ليلَةً يقولون : نَوِّرْ صُبْحُ ، والليلُ عاتِمُ .
وفي الحديث : فَرَض عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، للجدّ ثم أَنارَها زيدُ بن ثابت أَي نَوَّرَها وأَوضحها وبَيَّنَها .. والتَّنْوِير : وقت إِسفار الصبح ؛ يقال : قد نَوَّر الصبحُ تَنْوِيرًا .. والتنوير : الإِنارة .. والتنوير : الإِسفار .. وفي حديث مواقيت الصلاة : أَنه نَوَّرَ بالفَجْرِ أَي صلاَّها ، وقد اسْتنار لأُفق كثيرًا .
وفي حديث علي ، رضي الله عنه : نائرات الأَحكام ومُنِيرات الإِسلام ؛ النائرات الواضحات البينات ، والمنيرات كذلك ، فالأُولى من نارَ ، والثانية من أَنار ، وأَنار لازمٌ ومُتَعَدٍّ ؛ ومنه : ثم أَنارها زيدُ بن ثابت .. وأَنار المكانَ : وضع فيه النُّورَ .. وقوله عز وجل : ومن لم يجعل الله له نُورًا فما له من نُورٍ ؛ قال الزجاج : معناه من لم يهده الله للإِسلام لم يهتد .. والمنار والمنارة : موضع النُّور .. والمَنارَةُ : الشَّمْعة ذات السراج .. ابن سيده : والمَنارَةُ التي يوضع عليها السراج .