نوادر النوادر
نوادر النوادر :
النوادر هي الأشياء التي يقل وجودها أو حدوثها ؛ فالنوادر من المعادن هي نفائسها ، وكذلك النوادر من الأحداث نفائسها وأكثرها تسلية وإمتاعًا .
وها نحن تخيرنا لكم من المواقف والأحداث من نفائسها التي نادرًا ما تتكرر ، والله يهدي إلى سواء السبيل .
1 – أعظم جرعة :
عن ابن عمر رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
” ما من جَرْعَةٍ أعظم أجرًا عند الله ، مِن جَرْعَةِ غَيْظٍ كظمها عبد ابتغاء وجه الله “.
( رواه ابن ماجه ، واللفظ له ، وأحمد ، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه ).
قال المناوي في [ فيض القدير ] :
والمعنى : ما مِن جَرْعَةٍ أعظم أجرًا عند الله تعالى مِن جَرْعَة غَيْظٍ ، كَظَمَها عبدٌ ، مع القُدْرَة على التَّنفيذ ، شبَّه جَرْع غَيْظِه وردَّه إلى باطنه بتجرُّع الماء ، وهي أحبُّ جَرْعةٍ يتجرَّعها العبد ، وأعظمها ثوابًا ، وأرفعها درجةً لحَبْس نفسه عن التَّشَفِّي ، ولا يحصل هذا العِظَم إلَّا عند القُدْرة على الانتقام ، وبكفِّ غضبه لله تعالى ، ابتغاء وجه الله تعالى .
2 – فهم ابن عباس :
تُوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعُمْر ابن عباس رضي الله عنهما ثلاث عشرة سنة .
وأجمعت المصادر على أنه كان قد خُتِنَ وبَلَغ الحُلُم ، رضي الله عنه وأرضاه .
أنصت إليه -أيها الصغير ، والكبير كذلك- ، وهو يروي هذا الحديث وذاك الحوار ، الذي دار بينه وبين فاروق هذه الأمة عمر الخليفة المغوار .
قال رضي الله عنه :
كان عمر رضي الله عنه يُدخلني مع أشياخ بدر ، فكأن بعضهم وَجَدَ في نفسه ، فقال : لِمَ تدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله .
فقال عمر رضي الله عنه : إنه من قد علمتم .
فدعاه ذات يوم ، فأدخله معهم ، فما رُئيت أنه دعاني يومئذ إلا ليريهم .
قال : ما تقولون في قول الله تعالى : ” إذا جاء نصر الله والفتح ” ؟
فقال بعضهم : أُمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نَصَرَنا وفَتَحَ علينا ، وسكت بعضهم فلم يقل شيئًا .
فقال لي : أكذلك تقول يا ابن عباس ؟ فقلت : لا .
قال : فما تقول ؟
قلت : هو أَجَل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أعلمه له .
قال : إذا جاء نصر الله والفتح ؛ وذلك علامة أجلك فسبِّح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابًا .
فقال عمر : ما أعلم منها إلا ما تقول .
( رواه البخاري ).
إنه حبر الأمة ، وترجمان القرآن ، دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله :
” اللهم فقهه في الدين ، وعلِّمه التأويل “.
وقد كان ، رضي الله عنه وأرضاه .
ندعوكم لقراءة : من نوادر العرب
3 – الإمامة في الصلاة :
في كشكول ابن عقيل ، كانت هذه الأبيات الشعرية الطريفة التي تُنسب للإمام الشافعي حول الإمامة في الصلاة ؛ ولا ندري أهي له أم لا ، يقول القائل :
إذا رمت السلامةَ والكرامةْ … فلا ترضَ لنفسك بالإمامـة
فإن ترفعْ لصوتك قيل هـذا … قد أعجبه الترنم والنغامة
وإن تخفض صوتك قيل هذا … إمامٌ ليس يسمعنا كلامَـه
وإن طوّلت في السجدات قالوا … وربِّك قد رأى فيها منامه
وإن خفّفت قيل صلاةُ هــذا … كفعل الديكِ ينقرُ في قمامة
وإن تسهو وتفعل بعد سهــوٍ … سجودَ السهو تجعله تمامه
تراهم ينظرون إليك شـزرًا … كأنك قد سرقت لهم عمامة
فمأمومًا إذا صليت تنجــو … وتخلص من تحملك الأمانة
( كشكول ابن عقيل ص171 ).
وابن عقيل هو :
عبدالله بن عبد الرحمن بن عبدالله بن محمد القرشي الهاشِمي ، بهاء الدين ، أبو محمد .
ينتهي نسبه إلى عقيل بن أبي طالب رضي الله عنه .
كان عالمًا بالنحو والعربية من أئمة النحاة .
وُلِد وتُوفِي بالقاهرة .
قال أبو حيان فيه : { ما تحت أديم السماء أنحى من ابن عقيل }.
4 – صلاة الفجر في جماعة :
عن الزهري قال : أَمَرَ الْحَجَّاجُ ، سَالِمَ بْنَ عَبْدِاللهِ بن عُمَر أَنْ يَقْتُلَ رَجُلًا ، فَقَالُ لَهُ سَالِمٌ : أَصَلَّيْتَ الصُّبْحَ ؟ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ : نَعَمْ ، فَقَالَ : انْطَلِقْ ، فَقَالَ لَهُ الْحَجَّاجُ : مَا مَنَعَكَ مِنْ قَتْلِهِ ؟! قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فَهو فِي جِوَارِ اللهِ يَوْمَهُ ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَقْتُلَ رَجُلًا قَدْ أَجَارَهُ اللهُ ، فَقَالَ الْحَجَّاجُ لِابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما : أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ؟ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : نَعَمْ .
( رواه الطبراني وصححه الألباني ).
5 – الأرض تكفي ساكنيها :
كاتب جريء وشجاع اسمه رشاد أبو داود كتب ينتقد الأوضاع العالمية ، قال :
{ الرغيف قمر الفقراء ، الليل عتمة مضيئة للأثرياء ، حالكة لكل من ليس في سمائه قمر .
ثمة من يسرق الأقمار يخبئها في خزانة من حديد ، وثمة من يحرق حقول القمح بالأسلحة المحرمة دوليًّا .
نعم ثمة أسلحة مباحة دوليًّا ، لكأن الإنسان أباح قتل الإنسان .
لم تعد الحروب بين الخير والشر ، بل بين الين والروبل والدولار واليورو ، والصراع ليس على لقمة خبز ، بل على أطنان من جنون العظمة والتيجان المذهبة ، فيما الكل يدرك أن نهايته كومة عظام في مقبرة وتاجه قطعة معدن في متحف قد لا تجد من يشتريها .
الأرض تكفي ساكنيها لكن لم يعد عليها حب يكفي ويفي بحاجة الإنسان ليتمتع بشروق الشمس ومغيبها ، ولا بغصن ينبت على شجرة هرمة فيواصل بصمت عطاء الشجر للبشر ، تفاح وبرتقال ومانجو وتين وزيتون ، وغير ذلك من خيرات الله على أرضه }.