نبينا وجده الخليل
نبينا وجده الخليل :
الخليل هو نبي الله إبراهيم عليه السلام ، والحبيب هو نبينا محمد خير الأنام ، وهو خير رسل الله الكرام .
وإبراهيم الخليل عليه السلام هو جدّ النبي صلى الله عليه وسلم ، من جهة أبيه وأمه جميعًا .
- روى مسلم في صحيحه (2315) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
” وُلِدَ لِي اللَّيْلَةَ غُلَامٌ ، فَسَمَّيْتُهُ بِاسْمِ أَبِي إِبْرَاهِيمَ “.
والعلماء متفقون على أن النبي صلى الله عليه وسلم هو من ولد إسماعيل بن إبراهيم ، وأن إبراهيم عليه السلام هو جدّ النبي صلى الله عليه وسلم من جهة أبيه وأمه معًا .
فأبوه هو : عَبْد اللَّه بْن عَبْدِ المُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلاَبِ .
وأمه هي : آمِنَةُ بِنْتُ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرة بْنِ كِلَابِ .. فيجتمع نسب أبيه وأمه في جدّه ( كلاب ).
وكلاب هو : كِلاَب بْن مُرَّةَ بْنِ كَعبِ بْنِ لؤَيِّ بْنِ غالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعَدِّ بْنِ عَدْنَانَ .
وعدنان من ولد إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام باتفاق العلماء .
- قال البخاري رحمه الله في [ صحيحه ] (5/44) :
” بَابُ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ….. وذكر بقية النسب إلى عدنان “. (انتهى)
وذكر ابن القيم نسب النبي صلى الله عليه وسلم إلى عدنان ثم قال :
{ إِلَى هَاهُنَا مَعْلُومُ الصِّحَّةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ النَّسَّابِينَ ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ الْبَتَّةَ ، وَمَا فَوْقَ ” عدنان ” مُخْتَلَفٌ فِيهِ . وَلَا خِلَافَ بَيْنِهِمْ أَنَّ ” عدنان ” مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ عليه السلام }.
( انتهى من [ زاد المعاد ] : 1/70 ).
– الخليل والحبيب :
كان الشيخ إبراهيم نياس ( عالم سنغالي كبير ) يفسر القرآن ، فلما وصل إلى قوله تعالى : ” وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا ” (النساء : 125) ، قال الشيخ : الفرق بين الخليل والحبيب : الخليل يُعطَى بعد الطلب ، والحبيب يُعطَى دون طلب .
قال الخليل : ” حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ “. (آل عمران : 173)
وقال تعالى : ” يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ “. (الأنفال : 64)
قال الخليل : ” إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي “. (الصافات : 99)
قال تعالى : ” سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى “. (الإسراء : 1)
قال الخليل : ” وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ “. (الشعراء : 87)
قال تعالى : ” يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ “. (التحريم : 8)
قال الخليل : ” وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ “. (إبراهيم : 35)
قال تعالى : ” إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا “. (الأحزاب : 33)
قال الخليل : ” وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ “. (الشعراء : 82)
قال تعالى : ” لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا “. (الفتح : 2)
– الرب العليّ يعرف قدر النبيّ :
نادى الرب العليّ على الأنبياء بأسمائهم مجردة ، بمن فيهم الخليل إبراهيم ، فقال عز وجل : ” يٰإِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ ٱلرُّؤْيَآ “. (الصافات : 104-105)
وخاطب الحبيب محمدًا صلى الله عليه وسلم بوصف الرسالة في قوله تعالى :
” يَـٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ “. ﴿المائدة : 67﴾
وناداه بوصف النبوة قائلًا له :
” يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ إِنَّآ أَرْسَلْنَـٰكَ شَـٰهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا “. ﴿الأحزاب : 45﴾
وعند ذكر اسمه دون نداء ، وصفه بالرسالة ، فقال سبحانه وبحمده :
” مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ … “. ﴿الفتح : 29﴾
وأقسم الرب العلي ببلد النبي محمد ، وأقسم بعصره ، وأقسم بحياته .
وزَكَّى عقله ، ولسانه ، وبصره ، وفؤاده ، وصدره ، وجليسه ، ورسالته ، وأهل بيته ، كما زكى أمته ؛ كل ذلك في آيات بينات في القرآن الكريم .
وزكاه كله ؛ فقال :
” وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ “. ﴿القلم : 4﴾
ندعوكم لقراءة : عن الرسول ﷺ – يقولون ونقول –
– الأب الثالث للعالم :
إبراهيم بالسُّريانية معناه : أب رحيم .
والله سبحانه وتعالى جعل إبراهيم الأب الثالث للعالم ، وهو ثاني أفضل رجل في الدنيا بأسرها بعد حضرة نبينا الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم باتفاق العلماء .
وأبونا الأول آدم عليه السلام ، والأب الثاني نوح عليه السلام ، وأهل الأرض كلهم من ذريته كما قال تعالى : ” وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ “. (الصافات : 77)
وبهذا يتبين كذب المفترين من العجم الذين يزعمون أنهم لا يعرفون نوحًا عليه السلام ، ولا ولده ، ولا ينتسبون إليه ، وينسبون ملوكهم من آدم إليهم ، ولا يذكرون نوحًا عليه السلام في أنسابهم ، وقد كذبهم الله عز وجل في ذلك .
فالأب الثالث وعمود العالم ، وإمام الحنفاء الذي اتخذه الله خليلًا ، وجعل النبوة والكتاب في ذريته ، ذاك خليل الرحمٰن ، ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم الصور في البيت لم يدخل حتى أمر بها فمُحيت ، ورأى إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام بأيديهما الأزلام فقال : « قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ، وَاللَّهِ إِنِ اسْتَقْسَمَا بِالأَزْلَامِ قَطٌّ ». (رواه البخاري)
– ( نبينا وجده الخليل ) شبيهان :
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أشبه الخلق به ، كما في الصحيحين من حديث جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « رَأَيْتُ إِبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، فَإِذَا أَقْرَبُ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ شَبَهًا صَاحِبُكُمْ -يَعْنِي نَفْسَهُ صلى الله عليه وسلم- ».
وفي لفظ آخر : « فَانْظُرُوا إِلَى صَاحِبِكُمْ ».
– ملة أبيكم إبراهيم :
ولم يأمر الله رسوله أن يتبع ملة أحد من الأنبياء غيره ، قال تعالى : ” ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ “. (النحل : 123)
وأمر أمته بذلك فقال تعالى : ” هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ “. (الحج : 78)
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصبح وإذا أمسى يقول : « أَصْبَحْنَا عَلَى فِطْرَةِ الإِسْلَامِ ، وَعَلَى كَلِمَةِ الإِخْلَاصِ ، وَعَلَى دِينِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ، وَعَلَى مِلَّةِ أَبِينَا إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا مُسْلِمًا ، وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ». (رواه أحمد)
– الإمام الأمة القانت :
هو -والله- الخليل عليه السلام ، الذي جعله الله إمامًا ، وأمة ، وقانتًا ، وحنيفًا ، قال تعالى :
” وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ “. (البقرة : 124)
وأخبر سبحانه أن عهده بالإمامة لا ينال من أشرك به ، قال تعالى :
” إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ “. (النحل : 120-121)
– تقدير نبينا لجده :
كان خير بنيه سيد ولد آدم محمد صلى الله عليه وسلم يُجله ، ويعظمه ، ويبجله ، ويحترمه .
ففي صحيح مسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ : يَا خَيْرَ الْبَرِيَّةِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم :
« ذَاكَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ».
وفي الصحيحين من حديث ابن عباس قال : قام فينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال :
« إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا ، ” كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ ” (الأنبياء : 104) ، وَإِنَّ أَوَّلَ الْخَلائِقِ يُكْسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ الخَلِيلُ ».
اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا وشفيعنا محمد وعلى جده الخليل إبراهيم وعلى سائر الأنبياء والمرسلين .